قررت جمعية المصارف اللبنانية التبرع بمبلغ مالي للجيش اللبناني. الخبر للوهلة الأولى يُشجع على التعامل معه بإيجابية، ولا سيّما أنه يهدف إلى رفع معنويات مؤسسة ما انفكت تخوض معارك بأقلّ قدر ممكن من العتاد وتعاني من نقص في التجهيز. بيد أنّ التدقيق فيه أكثر، لا يدعو إلا إلى السخرية. جاء في نصّ القرار الذي صدر أمس أنّه «عطفاً على اللقاء مع دولة رئيس مجلس النواب بتاريخ 17/10/2016 المتعلق بالتبرع لدعم الجيش اللبناني،
وبالإشارة إلى اجتماع مجلس الإدارة بتاريخ 3/11/2016 حول هذا الموضوع، يهمنا إعلامكم أن المجلس قد قرر ما يأتي:
يصحّ وصف قرار جمعية المصارف بـ «التنفيعة الملغومة»

أولاً التبرع للجيش بمبلغ 15 مليار ليرة لبنانية تحوّلها جمعية المصارف إلى الحساب الخاص المفتوح للجيش اللبناني لدى مصرف لبنان.
ثانياً مساهمة المصارف المدرجة في اللائحة المرفقة بتغطية هذا المبلغ استناداً إلى إجمالي موجوداتها كما في 30/9/2016.
وعليه نرجو إدارتكم الموقّرة تحويل المبلغ المبيّن في الجدول إلى حساب جمعيتنا لدى بنك الاعتماد اللبناني ش.م.ل/ فرع رياض الصلح».
ملاحظتان أساسيتان ينبغي التوقف عندهما في ضوء هذا القرار:
أولاً، قرار هذه الجمعية التي تبغي الكثير من الربح مُخالفٌ للقانون، ويصح وصفه بـ«التنفيعة الملغومة». فمن شروط قبول أي هبة، أن يصدر قرار بقبولها عن مجلس الوزراء، وهذا ما لم يحصل.
ثانياً، في أيلول الماضي أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن المصرف المركزي قد ابتدع «هندسة مالية» تهدف إلى «تعزيز موجوداته بالعملات الأجنبية في لبنان». هذا الإجراء أدّى إلى حصول المصارف اللبنانية على أرباح استثنائية تجاوزت حتى اليوم عتبة الـ4.2 مليارات دولار. وهذا المبلغ الهائل من الأرباح سيُضاف إلى الأرباح العادية التي يُتوقّع أن تتجاوز الملياري دولار. ما يعني أنّ القطاع المصرفي اللبناني سيُحقق أكثر من 6 مليارات دولار من الأرباح هذا العام. هائلة هذه الأرقام. وتصبح «فلكيّة» إذا ما قيست على الركود الاقتصادي الذي يُخيم على البلاد، وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أغلبية دول المنطقة، بما فيها تلك المنتجة للنفط.
كلّ هذه الأرباح، فيما جمعية المصارف قررت التبرع بأقل من «مصروف جَيب» أعضائها، لمؤسسة خاضت في السنوات الماضية معارك حقيقية وجدية في مواجهة الجماعات التكفيرية. أرادت «الجمعية» أن تلمّع صورتها، بعدما انكشفت الأرباح ــ التي تفوق المنطق ــ التي «منحها» إياها رياض سلامة. ظنّت على ما يبدو أن التبرّع للجيش هو الوسيلة الفضلى، وما علينا نحن اللبنانيين سوى التصفيق لها، لأنها «تكرّمت» على جيشنا بأقل من 0.2 في المئة من أرباحها لهذا العام.
أعضاء جمعية المصارف وأصحاب هذه البنوك الذين بنوا الجزء الأكبر من ثرواتهم في العقود الثلاثة الماضية من الفوائد على سندات الخزينة، أي من جيوب دافعي الضرائب اللبنانيين، يدفعون لتشغيل طائراتهم الخاصة أكثر من 10 ملايين دولار سنوياً. ألا يشعر هؤلاء بأن في قرارهم ما يدعو إلى الخجل؟ لولا جهود الجيش (إلى جانب المقاومة) وتضحياته لما بقي هذا الوطن الذي يكدّس أعضاء الجمعية أرباحهم على حساب نموّه وازدهاره الحقيقيَّين.
(الأخبار)