محاولة جديدة من البنك المصري المركزي لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار والدولة من الإفلاس: تحرير سعر الصرف أمام العملات الأجنبية، أو ما يصطلح عليه بتعويم الجنيه. طبق القرار صباح أمس بصورة مفاجئة بعد توجيهات من «المركزي» بتطبيق سعر استرشادي للبنوك في عمليات الشراء والبيع، مع تحديد نسبة 10% يمكن التحرك فيها.بعدما صدر قرار التخفيض، سجل الجنيه سعر صرف مقابل الدولار الأميركي هو 13.1 بعدما كان أول من أمس 8.88، أي بزيادة قدرها 48%، قبل أن تختتم التداولات عند متوسط 14 جنيها، وهو الرقم الذي كان فعلياً موجوداً في السوق السوداء، وسط توقعات بارتفاع جديد الأحد المقبل.
وستتعامل البنوك اليوم وغداً في طلبات شراء العملة بالسعر الجديد مع قرار تمديد العمل استثنائياً لتلبية احتياجات السوق، وسط توقف شبه كامل عن تنفيذ عمليات بيع إلا في أحوال الضرورة ووفق القواعد التي تحدد مبالغ محددة للمسافرين.
حالة من الارتباك سادت المتعاملين بالعملة الصعبة مع القرارات المتسارعة والتصريحات المتضاربة من البنك المركزي، الذي أعلن اعتزامه تنفيذ مزاد للبنوك بقيمة أربعة مليارات دولار، قبل أن يتراجع لاحقا عن هذه الخطوة.
واكتفى محافظ «المركزي»، طارق عامر، بتأكيد أن السعر الاسترشادي، الذي أعلن أمس، لن يستمر لمدة أسبوعين كما كان مقرراً في البداية، بل ستعتمد البنوك على «آلية الإنتربنك»، وهو نظام يُلزم البنوك إعلان أسعار بيع وشراء العملات الأجنبية بصورة تبادلية ومباشرة، أي إن تحديد الأسعار سيكون وفق ما يتوافر لدى كل بنك على قاعدة استبعاد السعر الأعلى والسعر الأقل، وذلك من بداية الأسبوع.
ولن يطرح «المركزي» أي عطاءات دولارية للبنوك خلال المرحلة المقبلة بالتزامن في ظل استعداده لتسلم الشريحة الأولى من قرض «صندوق النقد الدولي»، التي ستصل إلى ثلاثة مليارات دولار على الأقل، بعدما سيقر «النقد» غالباً بالموافقة على القرض بعد خطوة تعويم الجنيه التي كانت مشترطة، وبذلك يتوقع أن تصل المليارات الأولى قبل نهاية الشهر الجاري.
أما البنوك الرئيسية العاملة في السوق، فرفعت الفائدة على الإيداع بالجنيه المصري لتصل إلى 20% بأجل عام ونصف عام، وهي أعلى فائدة مطروحة، في الوقت الذي وصف فيه عامر خطوتي تحرير سعر الصرف ورفع الفائدة، بالحاسمتين من أجل تحقيق إصلاح جذري في الموازنة العامة للدولة.
ستعجّل هذه الخطوة في أول دفعة من قرض صندوق النقد

وأعلن بنكا «الأهلي» و«مصر»، المملوكان للحكومة، نيتهما إنشاء شركات صرافة في السوق المصرية مع بداية العام المقبل، علماً بأن شركات الصرافة أوقفت تعاملاتها كلياً بانتظار تحديد سعر الصرف من البنوك صباح الأحد المقبل، لكنّ رئيس البنك «الأهلي»، هشام عكاشة، قال إن مؤسسات عالمية ومكاتب اقتصادية معتمدة كبرى، أكدت أن السعر العادل للدولار يراوح بين 11 إلى 12 جنيها كحد أقصى، وأن ما حدث في السوق السوداء «مضاربات مؤقتة مبنية على سوق هشة لن تصمد».
في السياق، كشف مصدر في الحكومة، في حديث إلى «الأخبار»، أن الخطوة المقبلة ستكون «تحريك أسعار المحروقات... يجري راهناً الاتفاق على نسبة الزيادة التي يمكن تنفيذها دون آثار سلبية في المجتمع»، مشيراً إلى أن الموعد النهائي لهذه الخطوة ينتظر قرار الحكومة ولن يعرض على البرلمان بل سيمرره مجلس الوزراء.
واستدرك المصدر نفسه بأن تغييراً موسعاً سيحدث في الحكومة قريباً لامتصاص الغضب الشعبي الذي تتزايد بوادره، مشدداً على أن الحكومة تراهن على جذب الاستثمارات واستعادة السياحة خلال 18 شهراً بمعدلات كبيرة، وإلا فإنها ستكون أمام تحدّ جديد بتخفيض آخر للجنيه ربما يصل إلى القيمة الحالية نفسها، ما لم تنجح في تحقيق أهدافها وزيادة الصادرات.
ولا يبدو عملياً أن مجلس الوزراء لديه خطة واضحة في التعامل مع الزيادات المرتقبة للأسعار، وخاصة مع زيادة الدين الخارجي وارتفاع معدلات التضخم، كما أن الحلول المطروحة تزيد معدلات الفقر، ولا سيما أن تحريك سعر الصرف سيؤثر كثيراً في الفقراء.
أيضاً، أعاد تخفيض سعر الصرف الحديث عن جدوى شهادات الاستثمار في قناة السويس بعدما انخفضت قيمتها بأكثر من 70% بسبب تغير سعر الصرف وارتفاع الفائدة، فشهادات القناة تمنح فائدة 12% فقط، فيما ارتفعت الفوائد على الودائع بـ20% طبقاً لتصريحات رؤساء البنوك أمس، وهو ما يعني أن المصريين الراغبين في إنقاذ باقي مدخراتهم من الخسائر التي تعرضوا لها عليهم إلغاء الشهادات وخسارة 4% من الارباح وفق شروط الاسترداد، والاستفادة بفائدة 8% زيادة.
ووفق مصدر في «هيئة قناة السويس»، فإن مبلغ الـ64 مليار جنيه الذي جُمع خلال الاكتتاب في القناة تناقص بصورة ملحوظة، لكن نظراً إلى حساسية الموضوع لا يطلع على هذه البيانات سوى رئيس الهيئة وعدد محدود من المسؤولين، مؤكداً أن هذه الأموال تستخدم الآن لتمويل مشروعات الأنفاق الجاري تنفيذها... «ما من تصور للتعامل مع أزمة سحب المودعين أموال شهاداتهم»، لكن مصدرا آخر أكّد «قدرة الهيئة في الوقت الحالي على تمويل تنفيذ المشروعات من ميزانياتها اذا سحب المودعون أموال شهاداتهم»، فيما لم يخفِ أن هذا الأمر سيؤثر سلبياً في الإيرادات التي تدخلها القناة إلى خزينة الدولة.
إلى ذلك، يتحدث مالكو شركات الأدوية عن ضرورة إصدار قرار بتحريك سعر الأدوية بما يعادل درجة تحريك سعر الدولار، وهي الخطوة التي يتوقع أن تزيد أسعار الدواء مرة أخرى في أقل من ستة أشهر، علماً بأن البنك المركزي وعد بتوفير مليار ونصف مليار دولار للأدوية عبر استيراد المواد الخام للأدوية التي نقصت بحدّة بسبب تخلي «المركزي» عن توفير العملة لجميع الشركات خلال الشهور الماضية.