توحي الأعلام اللبنانية الكبيرة المزروعة بانتظام على جانبي الطريق الرئيسية المؤدية إلى الحدت أن القصر الجمهوري زحف من بعبدا إلى قلعة التيار العوني. هنا تكتسب الفرحة معنى آخر وتنافس شرفات المنازل أصحابها على الفرحة، فتتزين بصور عون وتصدح بأناشيده. أمس، كان يمكن الحدتيين المتجمهرين أمام شاشة كبيرة في الساحة الرئيسية أن يكملوا عدّ الأصوات لألف دورة أخرى لو تطلب الأمر ذلك. يسلّون أنفسهم في انتظار انتهاء الجلسة الانتخابية بالتهليل لنواب التيار الوطني الحر والقوات ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري عند ذكر أسمائهم وبالتصفير سلباً عند تسمية فؤاد السنيورة وبهية الحريري وأحمد فتفت وسليمان فرنجية وكل نواب الكتائب. رغم ذلك، لا مكان للضغينة في قلوب الحدتيين، فما كاد يُلفظ اسم رئيس مجلس النواب نبيه بري حتى بدأت إحدى النساء العونيات بالتصفيق قبل أن تلكزها صديقتها فتنفجرا بالضحك. تمرّ اللحظات ثقيلة على رئيس البلدية جورج عون، فيسارع الناشط العوني جورج حداد إلى تهدئة الأعصاب المنتظرة منذ 26 عاماً عبر تسلُّم الميكروفون وتعداد أصوات عون مخترعاً النكات مع كل صوت. كان يمكن ملاحظة حدّة السلبية تجاه النائب سامي الجميّل الذي تعمّد استفزازهم، فقابلوه بالمثل صارخين: "سوسو مرتو شجعتو". تصل الكاميرا إلى قائد الجيش العميد جان قهوجي، فيسارع أحد العونيين إلى تخيل مشهد الأخير يلقي التحية أمام رئيسه في بعبدا: "ضربة إجرو رح تكسر البلاط". وما إن بلغت الأصوات الـ65 حتى انطلقت الحفلة البرتقالية، نساء ورجال وأولاد يقفزون بشكل جنوني، وآخرون يبكون غير مصدقين، فيما تلاقيهم حشود إضافية كانت لا تزال مختبئة إلى حين إعلان النتائج. حضرت صورة كبيرة لبشير الجميّل يحمل رشاشاً مكتوب على طرفها "Delta Force" أحاطتها أعلام التيار والقوات من الجانبين، وبدأت "صواني" البقلاوة تجول بين المحتفلين تزامناً مع الشمبانيا والمفرقعات. الحضور القواتي كان لافتاً في البلدة التي تشتهر بعصبيتها العونية والتي شهدت في الانتخابات البلدية الأخيرة معركة كسر عظم بين القوات والتيار.
في الحدت هتف العونيون إيجاباً لنواب القوات وسلباً للنائب سامي الجميّل
الاحتفالات في بلدات بعبدا ما لبثت أن انتقلت إلى طريق "قصر الشعب"، حيث اختلطت الدموع بالشامبانيا والزغاريد، خصوصاً مع استعادة تاريخ ظن كثيرون أنه لن يعود أبداً. في مركزية التيار الوطني الحر، يجلس "أبو ربيع" على أعصابه. وفور تأكده من فوز الجنرال برئاسة الجمهورية ينطلق بفانه نحو الزلقا، إلى المكان نفسه الذي شهد قبيل 26 عاماً المهرجان الشعبي الكبير. يقف الفان الذي اشتهر في عام 1989 بنقل العونيين إلى بعبدا، إلى جانب الطريق وتخرج منه مكبرات الصوت والفنان توفيق تنوري. يتطلب فهم مدى اشتياق التيار للانتصار مراقبة عائلة "أبو ربيع" أمس: الأب السبعيني يقفز ويرقص ويدبك ويضحك ويصرخ ويبكي أمام السيارات بمفرده وكأنه يملك العالم كله بيديه ويستمد قوته من عون الذي يجلس في منتصف قميصه. "أم ربيع" تلوّح بإشارة التيار للمارّين وتتحمس مع خطوات زوجها فتلاقيه راقصة وسط الساحة غير آبهة للسيارات المتكدسة وراءها. فيما ربيع، منظم النشاط، على طريقة والديه، يسير رافعاً يديه، محاولاً إخفاء دموعه، مرة بالاستدارة لرشّ الشمبانيا، ومرة أخرى لإشعال المفرقعات. هنا تجوب الإعلام القواتية البلدة بخفر ويقتصر وجودها على علم أو اثنين بعيداً عن مكان الاحتفال. وعندما يغيب القوات، يحضر السيد حسن نصر الله بقوة في الأحاديث المتبادلة. الكل مقتنع بأن حزب الله هو الحليف الوفي، وإذا كان من شكر، فلا يفترض إلّا أن يكون لرجال المقاومة ووعدهم الصادق. وهو ما يذيعه الميكرو لاحقاً وسط تهليل برتقالي مصحوب بدقّ على الطبل. مدير مكتب نائب رئيس الحزب للشؤون الإدارية، جو بو جودة، ترك المركزية أيضاً ليشارك بلدته فرحتها بعيداً عن زحمة المكتب، وقد تولى بنفسه توزيع البقلاوة والبيتيفور على المارين. في الجديدة، تجمهر الأهالي أمام مكتب النائب إبراهيم كنعان، أو ما يعرف بـ"البيت الأبيض"، حيث تولت تانيا، زوجة كنعان، الاحتفال مع الأهالي بـ"اليوم المجيد". في جلّ الديب، اشتعلت الساحة الرئيسية في البلدة رقصاً وفرحاً مع منسق هيئة قضاء المتن هشام كنج. وفي الضبية، كان هناك احتفالان: الأول لهيئة التيار في البلدة بقيادة عبدو لطيف أُقيم عند الطريق الرئيسية، والثاني لمجموعة "عونيون" أمام مكتبهم. وكان لافتاً رفع صورة كبيرة لعون وجعجع أمام المنزل الذي عانى من ممارسات القوات، منزل القيادي الشمعوني جوزيف عبود. عند السابعة، توحدت الاحتفالات والمواكب على الأوتوستراد لتسلك طريقها نحو ساحة الشهداء حيث الاحتفال الكبير. هكذا، صالح التيار الوطني الحر والجمهور العوني قصر بعبدا أمس بعد جفاء 26 عاماً، والقائد العسكري الذي أخرج منه ليل 13 تشرين الأول 1989 بالقوة عاد إليه بالبزة الرسمية في 31 تشرين الأول 2016 بقوة شعبه.




جدعون وجنوده الـ 300
خلال أيام نفيه، كان ميشال عون يعيد على مسامع شبابه قصة جدعون وجنوده الثلاثمئة (قصة من الانجيل) لرفع معنوياتهم وحثهم على المواجهة. جدعون انتقى جنوده من بين الآلاف بعد أن امتحنهم بأخذهم للشرب من النهر، وكان أن صرف الذين جثوا على ركابهم للشرب وذهب الى الحرب بمن رفعوا الماء بأيديهم وهم واقفين يراقبون ما يدور حولهم. بالأمس، يقول عونيو بيروت المعارضون لقيادة التيار الوطني الحر، «غاب جنود جدعون عن الاحتفالات الرسمية برئاسة الجمهورية وتم الاستعاضة عنهم بوجوه وأسماء جديدة». هكذا انقسمت الأشرفية الى جزئين: عونيو بيروت احتفلوا بالانتصار أمام مكتب القيادي السابق زياد عبس في شارع السيدة لينتقلوا ليلا الى جانب تمثال المغترب اللبناني حيث أطلقوا نحو 300 علم بـ»الصواريخ» وعصروا 50 سحارة ليمون ليوزعوها على المارة. كذلك انتقل بعضهم إلى ساحة الشهداء حيث الاحتفال الرسمي للتيار الوطني الحر. الجزء الثاني كان مع نائب رئيس التيار الوطني الحر نقولا صحناوي، واحتفل في ساحة ساسين لينتقلوا بعدها الى بعبدا ثم ساحة الشهداء. كل المساعي لتوحيد الاحتفالين باءت بالفشل نتيجة رفض صحناوي انضمام الباقين اليهم حتى لنهار واحد. رغم ذلك، جال عونيو بيروت في الأشرفية والرميل والصيفي والمدور، بكوا وتعانقوا وشربوا كأس «فخامة الرئيس لشعب لبنان العظيم، لا من أجل لفت نظره بل لأننا معنيون بما تحقق في هذا النهار ولأننا الأحق بهذا النصر ولا يمكن لأحد أو للخلافات الحزبية الادارية منعنا من الاحتفال، ولأننا باحتفالنا هذا أردنا «فشّ خلقهم» وختم مرحلة طويلة من النضال داخل التيار الوطني الحر تكللت بانتصار قضيتنا».