عادت جبهات حلب إلى الاشتعال بعد يومين على انقضاء «الهدنة» المؤقتة، من دون أيّ ترقبّ لموعد اجتماع دولي مقبل، من شأنه إحياء التهدئة. ومع إعلان الفصائل المسلحة تباعاً عن تحضيرات تجري لجولة معارك تهدف إلى «فك الحصار» عن مدينة حلب، يتابع الجيش السوري وحلفاؤه قضم المناطق في الريف الجنوبي. فبعد استعادة كتيبة الدفاع الجوي أول من أمس، سيطر الجيش على تلّتي أُحد (بازو) ومؤتة الواقعتين جنوب مدرسة الحكمة، وهو ما يعني فرض سيطرة نارية على طرق إمداد المسلحين المتمركزين في مشروع 1070، التي تشرف عليها التلة وعلى أي هجوم نحو «الكليات». ومن المتوقع أن تستدعي اندفاعة الجيش التي تعزّز الطوق المفروض جنوب غرب المدينة، رداً من جانب المجموعات المسلّحة خلال الأيام القليلة المقبلة، خاصة مع حديث مسؤولين في «جيش الفتح» وغيرهم عن انطلاق قريب لمعركة «فك الحصار». وبالتوازي مع اشتباكات شهدتها جبهات عدة أحياء في حلب، بينها بستان الباشا وصلاح الدين، ألقى الجيش السوري مناشير فوق الأحياء الشرقية تدعو المسلحين إلى إخلائها وإلقاء السلاح «قبل فوات الأوان».
موسكو: تجديد الهدنة الإنسانية غير مطروح حالياً
ومع الاشتعال التدريجي للميدان، تبدو المبادرات الديبلوماسية الداعية إلى التهدئة خارج الحسابات في الوقت الحالي، رغم ما يجري من اتصالات أوروبية للتوصل إلى «هدنة إنسانية» مماثلة لسابقتها المنتهية، وإبقاء واشنطن على قنواتها مفتوحة مع موسكو، عبر اتصال وزير الخارجية جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف أمس، لبحث الوضع السوري، وفق ما نقلت وزارة الخارجية الروسية، التي أوضحت أن لافروف أبلغ كيري أنه يجب على الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها بـ«فصل جماعات المعارضة المعتدلة عن الإرهابيين»، مشيراً إلى أن «الخبراء سيواصلون البحث عن سبل للتوصل إلى تهدئة في مدينة حلب».
وفي انتظار تبلور النشاط الديبلوماسي المصري الساعي لإقرار مشروع «هدنة» جديد في مجلس الأمن، ستبقى «الظروف غير متوافرة» لتجديد اجتماعات لوزان، وفق ما أوضح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، خاصة في ضوء «اقتراب الانتخابات الأميركية». كذلك، رأى أن «مسألة تجديد الهدنة الإنسانية غير مطروحة» حالياً، موضحاً أن إقرار هدنة جديدة يتطلب «أن يضمن خصومنا التزام المجموعات المعارضة للحكومة (السورية) بسلوك مقبول، بعدما حالت هذه المجموعات دون تنفيذ عمليات الإجلاء الطبية». وانتقد موقف «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن، الذي «يفضل انتقاد دمشق وموسكو على ممارسة نفوذه فعلياً على المعارضة والفصائل المقاتلة» من أجل ضمان استمرار الهدنة. وفي السياق، أعرب المتحدث باسم الكرملن، ديميتري بيكسوف، عن شكّ بلاده في «إمكانية فصل الجماعات الإرهابية عن جماعات المعارضة المعتدلة، أصلاً»، وهو ما يثير «تساؤلات حول إمكانية إعلان تهدئة جديدة أخرى». وأشار إلى أن الجماعات المسلحة في حلب واصلت خلال جميع أيام التهدئة استهداف نقاط التفتيش والرصد، والهجوم على الطرق الرئيسية، وبينها طريق الكاستيلّو، مشدداً على أن كل ذلك «لا يشجع على أي توقف أو على بدء أي عمليات تقديم المساعدة الإنسانية». وعلى صعيد متصل، نقلت وكالة «انترفاكس» الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، قوله إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيزور موسكو في الـ28 من الشهر الجاري، لعقد محادثات مع نظيره الروسي لافروف.
وفي إطار حملة الدول الغربية ــ ضمن المنظمات الدولية ــ ضد موسكو وحلفائها، دعت أكثر من 80 منظمة تعمل في مجالات حقوق الإنسان والإغاثة، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى إخراج روسيا من «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، بسبب «حملة القصف التي تشنّها في سوريا». ووقّعت المنظمات، ومن بينها «هيومان رايتس ووتش»، على الدعوة التي أطلقت قبل الانتخابات التي تجرى على 14 مقعداً في المجلس، الجمعة المقبل. وعلى صعيد آخر، أفادت وكالة «سانا» بأن حوالى 50 مدنياً من قاطني الأحياء الشرقية لمدينة حلب تمكنوا من العبور باتجاه الأحياء الغربية، حيث «قامت وحدات من الجيش السوري باستقبالهم وتأمينهم». وأوضحت أن الجهات المعنية في المحافظة «قدمت جميع المساعدات اللازمة للمواطنين... وتم نقلهم إلى مركز إقامة مؤقتة، مزوّدة بجميع الاحتياجات الأساسية».