اختصر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، على غريمه القوي النائب الفتحاوي محمد دحلان، طريقاً طويلة من العمل، كان الأخير قد قرر البدء بها. مشاركة الأول في جنازة شمعون بيريز وتصرفاته مع معارضيه، قبل الجنازة وبعدها، سحبت البساط من تحت رجليه. وفيما كانت المنظومة الإعلامية التابعة لدحلان، الذي يطلق على نفسه «التيار الإصلاحي في فتح»، تجهز لحملة كبيرة هدفها إسقاط السلطة وشخصياتها إعلامياً، أنهت تعزية عباس الحاجة إلى تلك الحملة.وفق مصادر مقربة من مكتب دحلان، ربما يُستكمل جزء من الحملة التي كان من المقرر أن تنطلق عبر المواقع والصحف ووسائل التواصل، وجُمعت من أجلها كمية من الوثائق التي تدين عباس وعائلته في قضايا فساد كانت وجوه إعلامية بارزة وقريبة من «أبو فادي» ستتولى نشرها.
هكذا لعب «الحظ» لعبته مع دحلان، فبعيداً عن كون الرئيس الراحل ياسر عرفات هو من ابتدع «سُنّة» المشاركة في التعزية بقادة إسرائيل، علت موجة السخط كثيراً على «أبو مازن»، فيما كان لحركة «حماس» يد مساعدة في ذلك، ليس بالانتقاد المباشر فحسب، بل بالسماح لأنصار دحلان بتنظيم مسيرة في غزة حرقت فيها صور «أبو مازن» أمام الكاميرات.
وقدمت «حماس» المساهمة الثانية بالتمهيد لعودة حكومتها لاستلام الحكم في غزة وفرط العقد مع حكومة التوافق، وذلك عبر دعوة نواب الحركة إلى دراسة عودة حكومة إسماعيل هنية إلى العمل.
أما خارج غزة، فكانت جهود ما تسمى «الرباعية العربية» (مصر والسعودية والأردن والإمارات) الرامية إلى ردم الهوة بين دحلان وعباس قد وصلت إلى طريق مسدودة. المصادر تؤكد أن دحلان «كان هادئاً ومتساهلاً أمام اللجنة العربية، وأبدى إيجابية كبيرة على عكس عباس الذي كان يشعر بأن غريمه يُجهز فعلياً كي يخلفه في السلطة، بالطريقة نفسها التي جُهز فيها عباس كي يخلف أبو عمار عندما استحدث منصب رئيس الوزراء رغماً عن أنف الختيار».
ستُفتح من أجل المؤتمر بوابة معبر رفح البري المغلق غالبية السنة

بعد ذلك، ظهر صدى إخفاق جولة التفاوض في الصحف المصرية التي فتحت النار على عباس، حتى جاء الخلاف المصري ــ السعودي الأخير، ليفسح المساحة لمرشح الإمارات في رئاسة السلطة. والآن، تكشف المصادر في حديث إلى «الأخبار»، عن أن دحلان انتهى من التجهيز لمؤتمر عربي جامع «على أعلى المستويات السياسية» سيناقش الواقع الذي تعيشه «فتح»، والمستقبل الذي ينتظرها ما بعد عباس. وسيفتح من أجل المؤتمر خصيصاً بوابة معبر رفح البري المغلق غالبية أوقات السنة، يوم غد وبعد غد (السبت والأحد)، كما أكدت «هيئة المعابر» في غزة في وقت متأخر أمس.
خلال فتح المعبر، سيخرج ما يزيد على مئة مشارك من غزة، جلّهم من الشخصيات السياسية والأكاديمية وبعض النواب، لحضور المؤتمر المقرّر أن يقام في مدينة العين السخنة السياحية بدءا من الأحد ولمدة ثلاثة أيام مقبلة، وفضلاً عن أن الجهة المنظمة للمؤتمر هي «المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط»، المعروف بتبعيته لكبار شخصيات الدولة المصرية المقربة من جامعة الدول العربية وأخرى من جهاز «المخابرات»، فإن اللافت في المؤتمر الذي سيقام في فندق «كايرو سي» أنه سيحضره عدد كبير من الشخصيات المصرية والعربية.
وسيكون لرئيس جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، حضور مركزي، إضافة إلى مساعد وزير الخارجية المصري، والرئيس السابق لديوان الرئيس الأسبق حسني مبارك، مصطفى الفقيه، بجانب عدد كبير من الشخصيات الأكاديمية التي تشغل مناصب حكومية مرموقة، ما يعني أن المؤتمر سينقل «الطموح الدحلاني» إلى مرحلة الاعتراف والرعاية العربية الرسمية.
مع أن خبر المؤتمر ليس جديداً، فإن ما يجعله أكثر أهمية هو تحوله من مؤتمر بحثي تحت عنوان «النخب الشبابية» إلى مؤتمر حركي لـ«التيار الإصلاحي»، وخاصة مع المشاركة الكثيفة لأنصار دحلان من غزة والضفة ومخيمات اللجوء، في ظل أن عقده في الضفة مستحيل، وفي القطاع سيُفهم أنها خطوة حمساوية لزعزعة «فتح»، لكن هذا التوسع مثّل عبئاً حرم شخصيات فتحاوية كثيرة المشاركة، خشية تصنيفها مباشرة على دحلان وما يتبع ذلك من قرارات عقابية كقطع الرواتب.
هذه المشكلة عالجها دحلان برمي الكرة في سلة جامعة الدول العربية، التي تبنت التواصل مع الشخصيات ودعوتها، تحديداً عبر «مركز آدم لحوار الحضارات»، الذي يديره النائب السابق والخارج من صفوف «حماس»، عماد الفالوجي. وكان من المفترض أن يعقد المؤتمر بداية عبر «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية» الذي يترأسه عماد جاد، ثم نقلت الرعاية إلى «الشرق الأوسط» الذي يترأسه اللواء المتقاعد أحمد الشربيني.
مقابل ذلك، لا يبدو أن عباس سيجلس مكتوف الأيدي برغم أنه لا يجد سبيلا لدى الرياض للضغط على القاهرة حاليا، لكنه على المستوى الداخلي أخرج من جيبه ورقة استحداث منصب نائب الرئيس، وربما يشهد المؤتمر الحركي السابع لـ«فتح» بروتوكول تقديم ناصر القدوة إلى هذا المنصب، في ظل الفرص العالية للقدوة بالحصول على إجماع فتحاوي لهذا المنصب، لكن القدوة، الذي يحظى بقبول دولي، سيواجه مشكلة في الحصول على دعم من «الرباعية العربية» أولا، كما سيواجه مشكلة ثانية في تقديم أوراق قوة لدى «حماس».