لا يترك حليفا حزب الله، حركة أمل والتيار الوطني الحر، أي مناسبة إلا ويستغلانها أفضل استغلال لإحراجه. كان الحزب يسعى مع التيار والحركة لتخفيف التوتر، تمهيداً لمبادرة تكسر الجليد الذي تزداد سماكته بينهما، فإذا بالتيار يتأخر في المبادرة صوب الرئيس نبيه بري، وإذا بالأخير يرفع سقف تصعيده ضد الجنرال ميشال عون (في مقابلته مع جريدة «السفير» أمس). في المقابل، لم يُطلق عون سهاماً مضادة بنفس القوة النارية التي استخدمها بري، إلا أن الجنرال لم «يقتلع المسمار» العالق بينه وبين رئيس المجلس. فمفتاح تسوية الخلاف بين الرابية وعين التينة، معلّق على التشكيك في شرعية المجلس النيابي الممدد لنفسه، حتى لو كان العونيون مقتنعين بأن هذا الأمر ليس سوى ذريعة يستخدمها بري لرفض انتخاب عون رئيساً للجمهورية. في مقابلته مع الزميل جان عزيز على قناة «أو تي في» أمس، كان عون شديد الهدوء، فوجّه رسائل إيجابية باتجاه بري (بعكس كلام الأخير المنشور صباح أمس). إلا أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح لم يحسم في الوقت عينه، الجدل بشأن شرعية المجلس النيابي، بل استخدم كلاماً حمّال أوجه، ملوّحاً، تلميحاً لا تصريحاً، بعدم انتخاب بري لرئاسة المجلس فيما لو لم يقترع الأخير له لرئاسة الجمهورية. في المحصلة، التوتر على أشدّه بين بري وعون، والمُحرَج واحد: حزب الله. كان الحزب ينتظر مبادرة من عون تجاه بري، وحدّة أقل من رئيس المجلس تجاه الجنرال. لكن لم يكن له ما أراد. يرى الحزب، الملتزم الصمت، أن على الجنرال التعامل مع بري بصفته باباً مستقلاً للرئاسة، وأن على بري أن ينظر إلى الجنرال كضمانة. وينظر إلى وصول عون إلى قصر بعبدا كأولوية لا مجال لمعارك جانبية مع بري تؤخّر تحقيقها. ويريد لهذا الهدف أن يُبصِر النور برضى رئيس حركة أمل. حليفاه يحرجانه، ويصعّبان عليه المهمة. أضيفت إلى العراقيل أمس دعوة رئيس الحكومة تمام سلام إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء. كيف سيتصرف الحزب؟ حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يكشف أيّ من مسؤوليه عن قراره. وهذه الدعوة تزيده إحراجاً، وتفتح المجال واسعاً أمام المشككين بموقفه، كرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ومحاولي عرقلة أي تسوية رئاسية، كرئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة، لممارسة «هوايتيهما».
دعوة سلام إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء تُفاقم من إحراج حزب الله
وفي مقابل التوتر بين بري وعون، تسلك التهدئة مسارها الطبيعي بين الجنرال والرئيس سعد الحريري. ففي مقابلته أمس، وجّه عون رسائل إيجابية عديدة للحريري وجمهوره وكتلته، انطلاقاً من المستوى الشخصي المتصل بالحريري نفسه وبوالده الرئيس الراحل رفيق الحريري، وصولاً إلى إعلان التزام اتفاق الطائف والمطالبة بتنفيذه.
وأوحى عون أمس بأنه يرشّح الحريري لرئاسة الحكومة، بقوله إن الأخير «لديه التمثيل الأكبر ضمن الطائفة السنية، ومن الطبيعي أن يكون موجوداً في رئاسة الحكومة»، لافتاً إلى أن «العلاقة مع الحريري لم تنقطع يوماً». وأكد أن «لا تناقض معه بشأن اتفاق الطائف، وأنا مع تطبيقه بالكامل وتنفيذ التعهدات، ولا خلاف على الميثاقية في الحكومة، ونحن مع الديموقراطية التوافقية ومع التصويت في الحالات الحساسة». وأضاف أن «ردود الفعل السلبية على موضوع التواصل مع الحريري دليل على جديته»، لافتاً إلى أن «هناك بعض التحفظ من قبل بعض الأشخاص وعلى الحريري ونحن علينا أن نساعد على الحل». وأضاف أن «مرحلة محددة الوقت بالتواصل مع الحريري والتصور الزمني هو أن يكون الاتفاق والتفاهم قبل الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، ولمن يتخيّل أنه لا يوجد رئيس قبل نهاية الحرب بسوريا هو يعرقل الوصول إلى نهاية الفراغ الرئاسي، ومبادرة الحريري تأخرت ربما بسبب تدخل دول خارجية، وهذه الصعوبة أزيلت». ولفت إلى أنه تحدث مع الحريري عن قانون الانتخاب، «لكن لم يُتَّفَق على صيغة واحدة». وإذ أكد عون عدم انقطاعه عن عين التينة، قال: «سمعت أشياء كثيرة عن الرئيس بري، لكن طالما أنني لم أسمعها منه شخصياً، فلا آخذها بعين الاعتبار». وأضاف أن «التمديد للمجلس النيابي أمر واقع، ومستمرون فيه، وقلت لبري إنني لم أقصده بكلمة غير الشرعي، بل المجلس بأكمله»، مشيراً إلى أن «انتخاب الرئيس عملية مستقلة وغير مرتبطة بأي سلة، وموقف البطريرك الراعي هو للتنبيه كي لا ترتكب أية تجاوزات». وأكد أن «حزب الله حسم موقفه بدعمي لرئاسة الجمهورية. وكم من مرة يجب أن يقر بذلك؟». وعن الموقف السعودي من انتخابه، قال: «السعودية تركت موضوع الرئاسة للبنانيين كي يقرروا هم، وهناك وقت محدد لمبادرة الحريري، وقد تحصل الانتخابات الرئاسية قبل نهاية الشهر». وأضاف أنه «واثق من تأييد سمير جعجع لي، والراعي ليس ملزماً بتأييدي، وهذا حقه، وشكرنا جنبلاط على مواقفه». وعن ذكرى 13 تشرين الأول، أكد أن «الحريري تمنى علينا عدم افتعال توترات، ولن ننزل إلى الشارع في 13 تشرين الأول، وسيكون للذكرى معنى إيجابي». وفي هذا الإطار، أشارت أوساط سياسية إلى أن «الأجواء بين عون والحريري إيجابية، وأن الأخير كان قد طالب الجنرال باتخاذ مواقف للتهدئة، تطمئن الشارع السني ونواب كتلة المستقبل، بحيث يساعد ذلك على تسويق ترشيحه». ولفتت إلى أن الجو المحيط بعون نصحه بعدم توتير العلاقة مع الرئيس برّي».
في الإطار نفسه، تستمر الحركة السياسية الخارجية التي يقودها الحريري، في محاولة لكسر الجمود الذي أحاط بالملف الرئاسي. ويبقى الصمت عند الحريري سيد الموقف، في ظلّ إبقاء خياره معلقاً بين عدم إعلان تخلّيه عن ترشيح الوزير سليمان فرنجية، ولا المجاهرة بإمكانية أن يكون دعم العماد عون خياراً أول على طاولة تيار المستقبل. ومن الرياض باتجاه موسكو، غادر الحريري في جولة لاستشراف الموقف الدولي حيال مبادرته غير الواضحة بعد. وهو يزور العاصمة الروسية في أحلك الظروف الإقليمية والدولية، ما يدفع إلى التساؤل عن المكاسب التي يُمكن أن يقطفها الرجل من لقائه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وفي انتظار زيارته للعاصمة السعودية الرياض، يبقى التصريح المعلن للحريري عن أن «حزب الله هو المعطّل الأساسي لمبادرات إنهاء الشغور» هو الجوّ السلبي الوحيد الموثق حتى الآن، باستثناء ما أشارت إليه مصادره بأنه «يجب التأكد أولاً من أن الحريري طرح أسماءً محددة خلال لقائه بلافروف»، معتبرة أن «الاستقبال الروسي للحريري، أظهر تقديراً واضحاً لجهوده الرئاسية، حيث سمع كلاماً عن استعداد موسكو للمساعدة متى أرادها رئيس تيار المستقبل». ومن المفترض أن يعود الحريري من رحلته، ليطلع نوابه وكوادر تياره على حصيلة مشاوراته الخارجية، وكذلك الداخلية بعد الانتهاء من زيارة سيقوم بها لبكركي للقاء البطريرك بشارة الراعي، ومن ثم لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى.
وقد بدت لافتة أمس دعوة رئيس الحكومة تمام سلام مجلس الوزراء إلى عقد جلسة يوم الخميس المقبل، خصوصاً أن الأجواء أوحت بتأجيلها إلى الأسبوع المقبل، بعد توارد معلومات عن غياب أربعة وزراء على الأقل. وقد علمت «الأخبار» أن الرئيس الحريري كان قد طلب من رئيس الحكومة عدم عقد جلسة هذا الأسبوع، بناءً على طلب من عون، لأن الأخير لا يريد الظهور بمظهر المعرقل للعمل الحكومي، إلا أن سلام دعا إلى عقد الجلسة، تحت ضغط كل من الرئيس برّي والنائب وليد جنبلاط، وقد أجرى كل من الوزيرين علي حسن خليل ووائل أبو فاعور سلسلة اتصالات نتج منها تحديد موعد الجلسة يوم الخميس. وبينما يرفض أكثر من مصدر في 8 آذار نفي أو تأكيد إمكانية حضور الحزب لجلسة الحكومة، يبدو أنه لا نية لدى سلام أو بري لاستفزاز عون واتخاذ قرارات مهمة في الجلسة التي يتضمن جدول أعمالها عدداً من التعيينات التي تهمّ بري، ومن بينها تعيين مدير عام لوزارة الشؤون الاجتماعية ورئيس مصلحة الأبحاث العلمية.
من جهة أخرى، شهد الصرح البطريركي في بكركي أمس حركة لافتة، حيث عقدت لقاءات شملت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس القوات سمير جعجع وتناولت الملف الرئاسي. وبعد اللقاء قال باسيل إن «صرخة بكركي تأتي في إطار رفض وضع شروط مسبقة لإيصال الرئيس». فيما أكد جعجع أن «مبدأ السلة غير مقبول بالنسبة إلينا جملة وتفصيلاً».




بري: لا رئيس قريباً

عقّب رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره مساء أمس في عين التينة على السجال الدائر حول السلة وانتخاب رئيس الجمهورية، فأكد أن «البعض يقول إن السلة انتهت، وأنا أقول إنها بالنسبة إليّ لا تزال موجودة. هم أحرار في ما يقولون، ورأيي معروف. ألا يعرفون ماذا فيها؟ ليست سلة كما شاع، بل هي جدول أعمال طاولة الحوار، بل ما بقي من جدول الأعمال مما لم ينجز، ولا بند فيها يرتبط بصلاحيات رئيس الجمهورية. جدول الأعمال لا يمسّ صلاحيات رئيس الجمهورية. ثم هل أُسأل أنا عن صلاحيات رئيس الجمهورية بعدما جمدت 67 مشروع قانون أقرت (حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2008) في غياب رئيس الجمهورية؟».
أضاف بري: «هناك من يرى انتخاب الرئيس في يومين. لا أشارك هؤلاء تصورهم».