قد لا تشبه الحرب السورية حروباً سبقتها. مفهوم «عدو عدوي صديقي» والقتال بالوكالة وأيضاً بالتعاضد، ودعم العدو الذي يمكن تأجيل قتاله لوقت لاحق، إضافة إلى الآمال المفرطة بالامكانات والخيارات، دفع الساحة السورية إلى تعقيد غير مسبوق. يندر، في هذه الساحة، وجود حليفين يتقاطعان في المصالح والأهداف والاستراتيجيات، من دون أجندات خاصة، مع كثرة الحلفاء ضمن المحور الواحد بين المحورين، إن صحت تسمية المحور... كل خطة استراتيجية يجري تبنيها من طرف، تصطدم بالحليف قبل العدو، وتمنع تنفيذها بالكامل. النتيجة هي استمرار الحرب، بلا افق منظور.مع ذلك، السمة العامة للحرب السورية لم تتغير مع تغير الظروف والامكانات، وربما أيضاً الأهداف الآنية. النظام السوري وحلفاؤه في موقف دفاعي، برغم تفعيلهم للدفاع الهجومي، في مقابل المحور الآخر على تناقضاته، في موقف هجومي، مع كثرة الخيارات وتعددها.
مع ذلك، أيضاً، يمكن الاشارة إلى جملة من النتائج، التي لا يمكن المجادلة حولها كثيراً: الاستيلاء على سوريا، كما كان ملحوظاً وموشكاً عام 2012، لم يعد قائماً؛ منعة الدولة السورية وحلفائها، وتحديداً بعد التدخل العسكري الروسي المباشر والمحدود، بات في مكان آخر تماماً؛ وكلاء الولايات المتحدة الاقليميون أثبتوا فشلهم ما اضطرها للتدخل المباشر، أو شبه المباشر؛ روسيا باتت أكثر التصاقاً بحلفها مع الدولة السورية وحلفائها التقليديين، وتقلصت بفعل الضرورة والتقارب العضوي في المصالح، المسافة التي تفصل بينهما...
أيضاً مع ذلك، وبرغم كل التطورات، لا تراجع أميركيا عن الأهداف الابتدائية: اسقاط هوية سوريا بلا اسقاط مؤسساتها، عبر استسلام وتنازل، وإن بتسوية، للرئيس السوري بشار الأسد، الذي أفشل وحلفاؤه تحقيق الأهداف الأميركية حتى الآن، ومرة تلو أخرى مع تغيير الاساليب المتبعة لدفعه للاستسلام.
يتأكد يوماً بعد يوم أن لا تفكير جدياً بحل تفاوضي في سوريا

كما يبدو، الإدارة الأميركية الحالية، وأيضاً اللاحقة، في غير وارد التراجع عن هذا الهدف. لدى واشنطن كل الوقت لاستخدام كل الخيارات المتاحة، ولا ضرورة للتراجع، فالحرب ليست في المدن الأميركية أو على تخومها، ولا مجازفة في حال فشل خيار اتباع خيار آخر، فيما الحرب بالنسبة للطرف الآخر، هي حرب وجودية، لا مكان ولا قدرة للخسارة فيها.
الورقة الأهم في يد الاميركيين في تحقيق الأهداف، هي ورقة الجماعات المسلحة. هي الوسيلة الأكثر نجاعة، من جانبها، للضغط على الرئيس الاسد، ودفعه للاستسلام... وكونها الورقة الاهم، فأميركا غير قادرة ولا تريد أن تتنازل عنها ما لم يكن في جعبتها، مسبقاً، إمكان تحقيق الهدف: اسقاط الأسد. أي تسوية خارج إطار هذا الهدف، تعني أن واشنطن لن تقدم هي كما لن ترضى للاخرين، بضرب هذه الجماعات، وتقليص حضورها وفاعليتها، ناهيك بطبيعة الحال عن اجتثاثها.
التطور الأخير في الساحة السورية، هو «التوتر» بين الأميركيين والروس، واتهامات متبادلة وتهديدات، في أعقاب انهيار الهدنة وشبه انهيار الأمل الاميركي بالتوصل الى تحقيق الأهداف من خلال الحل التفاوضي مع الروس. أعقبت التوتر تهديدات غير مسبوقة، وصلت إلى حد التلويح بتبعات سلبية وإمكان شن عمليات عدائية داخل الأراضي الروسية... وتبع ذلك رفع اللهجة والتهديد بقطع الاتصال بين الجانبين، وتسريبات عن إمكان تدخل اميركي عسكري اكثر مباشرة في الساحة السورية، وأقله تعزيز الدعم العسكري «للمتمردين» بأسلحة نوعية، تكون قادرة على مواجهة روسيا وحلفائها و«نقل الجنود الروس بالتوابيت إلى موسكو»، بحسب تعبير كتابات أميركية.
إلا أنّ التوتر، وما تبعه من تهديدات لفظية أميركية، لا يعني بالضرورة أن يجد تعبيراً ميدانياً، برغم كل الحديث التصعيدي والتلويح بخيارات عسكرية ودعم تسليحي للجماعات المسلحة. كلام الرئيس الاميركي باراك أوباما، عن الحاجة إلى «التعقل» بشأن ارسال قوات الى سوريا، إشارة إلى أنّ المواقف الاميركية التصعيدية جاءت نتيجة اختلاف رؤى في الادارة نفسها، اكثر من كونها رد فعل على موقف روسيا المتعنت، وفشل الديبلوماسية الاميركية في انتزاعها من محورها. إلا أنّ ذلك لا يعني، بالضرورة، أن الأميركيين لن يقدموا على خطوات تصعيدية، وان اقل دراماتيكية مما يبدون في تصريحاتهم وتسريباتهم، وقد تجد تعبيرها المباشر ميدانياً، عبر الجماعات المسلحة.
هل تدفع الولايات المتحدة المسلحين إلى جولة جديدة من التصعيد؟ سؤال لا يخلو من وجه واعتبار. لدى واشنطن، أقله بدافع السجال والخلافات الداخلية في الادارة نفسها، رغبة في تسويق انجاز ميداني ما للمسلحين، لتسويقه كنصر سياسي، لكن ما هي خيارات الطرف الاخر، وهل يمكن أن يسكت، وكيف يمكن أن يرد؟
القدر المتيقن أنّ المواجهة مستمرة. ويتأكد يوماً بعد يوم، أن لا تفكير جدياً بحل تفاوضي في سوريا، وأقله قبل تثبيت عهد الادارة الأميركية المقبلة. ما نعيشه ليس الا تقطيعا للوقت... بالنار. السؤال المنطقي، لماذا لم تحافظ أميركا على الهدنة وبالتالي على الوضع القائم، ما يوفر على السوريين بعض قتل وتدمير، بانتظار فرصة حل، حين تحزم الادارة الأميركية المقبلة أمرها؟! الجواب ربما يكمن في وهم بعض صقور الإدارة الحالية، بأن خصوم واشنطن قد يستسلمون.