«بتصحّ الست من الكانسر (السرطان) إذا تعالجت؟». كاد هذا السؤال أن يكون الوحيد الذي سئل عنه الدكتور ناجي الصغير، مدير مركز نايف باسيل للسرطان في المركز الطبّي في الجامعة الأميركية في بيروت، في جولته الأخيرة للتوعية حول المرض في منطقة بعلبك. لم يستغرب الطبيب هذا الأمر، فالخوف من المرض، الذي يسمونه هناك «هيداك المرض» يبرّر سؤال النسوة عن الأمل بالشفاء. فـ«بتصح؟» هو السؤال الصعب الذي يواجهه الصغير بشكلٍ يومي، إن كان في عيادته أو أثناء حملات التوعية أو في الطريق العام. ثمّة خوف يكبر مع الأيام من السرطان الذي صار يضع لبنان في رأس القائمة في المنطقة. وما يعزّز الخوف أكثر هو كثرة الأخبار التي تتسرب ثقيلة، والتي تخبر بوفاة شخصٍ بهذا المرض، في ظلّ غياب أي إحصاء رسمي جديد عن النسب.كم تبلغ نسبة المصابين بأمراض السرطان في لبنان؟ لا أحد، اليوم، يعرف كم يضرب السرطان من السنتمترات في أجساد اللبنانيين. فهنا، في البلد، الذي يذكّر وزير الصحّة العامة فيه، في كلّ حين، أنّه لا بدّ من إعلان حالة طوارئ صحّية بسبب تكاثر الأسباب التي تضاعف من أعداد المصابين بهذا المرض وغيره من الأمراض القاتلة، توقّفت الإحصاءات الرسمية التي تنبئ بهذه الزيادة عند عام 2004. يومذاك، كان آخر تقرير رسمي يصدر عن الدولة اللبنانية، استناداً الى معطيات السجل الوطني الشامل، فيما تبعه في عام 2008 آخر التقارير السنوية الذي نشرته وزارة الصحة العامة على الموقع الإلكتروني، والذي جرى تعديله مرة واحدة عام 2012.
انخفاض نسبة الحالات المتقدمة من 80% إلى 35%

منذ ذلك الحين، لم يصدر شيء رسمي. أخّرت «الأمور اللوجستية» الصدور وبقي الشيء الرسمي عن الموضوع هو أنّ «نسبة حدوث السرطان تبلغ 218 حالة لكل 100 ألف شخص»، حسب ما ينبئنا السجل في آخر «إصداراته».
أما، وقد مرّت أربع سنواتٍ على آخر تقرير «إلكتروني» لما تضمنه السجل من معطيات، ينبئ الواقع بأنّ النسبة زادت. هذا الواقع الذي يخبر عنه أطباء الأورام استناداً إلى دراسات يقومون بها وأخرى عالمية... ولزوّار عياداتهم. وهنا، يتحدّث الصغير عن النسبة «في كل أنواع السرطانات» التي تكمل دربها صعوداً. وإن كان الصغير يعزو السبب إلى «شيء إيجابي»، وهو حملات التوعية التي «باتت أحسن مما كانت عليه منذ عشر سنوات مثلاً، وتصل إلى عدد أكبر من الناس في غالبية المناطق»، إلا أنّ الأرقام التي تتبدل في كل حين «تنذر بالقلق»، يقول. يتحدث الصغير عن «زيادة في كل أنواع السرطانات» وتبدّل تراتبية بعض الأنواع التي تصيب المواطنين. فعند النساء، وإن كان سرطان الثدي لا يزال «يتربّع» على قائمة أنواع السرطانات التي تصيبهنّ، إلا أن ما تغيّر هو المرتبة الثانية، حيث صار سرطان الرئة شائعاً أيضاً لديهنّ ومن ثم القولون، فيما «يتفوّق» سرطان البروستات على غيره من السرطانات لدى الرجال.
وبالعودة إلى سرطان الثدي لدى النساء، يعود الصغير إلى السجل الوطني، كونه المرجع الرسمي، ليقول إن «العدد الإجمالي للمصابات بهذا النوع من السرطان هو حوالى 1800 حالة سنوياً». وهذا رقم مقلق «مرشّح للارتفاع»، كما هو مقلق أيضاً «سنّ الإصابة» بالمرض مقارنة مع بقية دول المنطقة والعالم، فنسبة الإصابة بسرطان الثدي قبل عمر الخمسين تخطّت الـ 50%، فيما هي بحدود الـ 25% في أوروبا وأميركا. ويرجع السبب إلى «أن اللبنانيين يصنفون كشعب فتي وشاب، إضافة إلى عوامل تتعلق بالعائلة وتغير نمط الغذاء». ويمكن إلى هذه الأسباب إضافة «الواقع الحالي الذي ستظهر بوادره بعد سنوات، فالنفايات التي تتنوع ما بين نفايات مصانع وأخرى طبية رح تفوت بالتربة ورح تطلع بكل شي بناكلو». وهنا، يقول متهكّماً «من الممكن أن يستحدثوا جائزة بعد سنوات لطبيب لبناني سيكتشف لا محالة العلاقة بين النفايات والسرطان».
مع ذلك، ثمة أمل يشير إليه الصغير عن ازدياد نسبة الكشف عن الحالات المبكرة من الإصابة بسرطان الثدي، وانخفاض نسبة الحالات المتقدمة من حدود «80% إلى 35%، وهذا أمر يؤثر في استجابة المريض للعلاج». ويرجع الأمر إلى حملات التوعية التي لم تعد محصورة «باليوم الوطني للوقاية من السرطان»، والتي تجول على المناطق لإجراء الصور الشعاعية للمرضى. وهنا، مع هذه الإيجابية، لا ينسى الصغير الإشارة إلى أمرٍ مهم وهو «ضبط ظاهرة التصوير الشعاعي، حيث صار كل مستوصف أو جمعية أو مركز يعلن عن وجود صورة ماموغرافي للثدي».