اذا سلك تبنّي الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية طريقه نحو التطبيق العملي، فهذا يعني، بكل بساطة، ان حزب الله ربح معركة الرئاسة. ومهما كانت التبريرات التي سيعطيها الافرقاء السياسيون، الذين سينضمون الى المسار الجديد في حال ترتيب كل آلياته المؤدية الى انتخاب عون، فان حزب الله، وباختصار شديد، سيكون الوحيد الذي سيفوز في هذا المسار، ومن دون ان يقدم اي تنازلات عن موقفه منذ ان حل الشغور الرئاسي في ايار عام 2014.لكن من المبكر الكلام عن نضج ظروف انتخاب عون رئيساً، برغم كل الاجواء المحيطة بالفريقين المعنيين، او عن تسويات نهائية او حتى عن ضمانات حقيقية لما تسمى "تسويات"، لا توحي تفاصيلها الاولية بانها صيغت في شكل كامل، سواء جاء ترشيح عون رسمياً من كافة الافرقاء، بناء على مبادرة داخلية فقط، او بغضّ نظر اقليمي، وسعودي تحديداً، وهذا لا يبدو متوافراً حتى الان.
سيكون حزب الله على موعد في العهد الجديد مع "تسويات" بالمفرق

في عام 2008، صيغ اتفاق الدوحة برعاية اقليمية ودولية. حينها لم تكن اوضاع سوريا كما هي عليه اليوم من انهيار وحروب مدمرة، وكانت مصر لا تزال مؤثرة وفاعلة اقليمياً، ولم تكن علاقات السعودية وايران قد وصلت الى هذا الحد من القطيعة. مع ذلك، لم تتمكن هذه الدول من رعاية اتفاق الدوحة لفترة طويلة، ولا استطاعت ضمان عدم انهياره امام اول استحقاق جدي، حين دخلت البلاد في ازمة سياسية مفتوحة، وتمكن حزب الله من فرض ايقاعه وحيداً. حينها، للتذكير، لم يكن حزب الله يريد العماد ميشال سليمان رئيساً، على عكس ما هو عليه موقفه من تأييد لوصول عون الى بعبدا. لذا، يكون ضرورياً التساؤل، إذا خاضت القوى السياسية، وعلى رأسها الحريري، غمار الانتخابات الرئاسية من دون تغطية اقليمية ودولية، ولا سيما من جانب السعودية، فمن الذي يضمن استمرار هذه "التسوية". واذا كان اتفاق الدوحة، بكل امتداداته الاقليمية والدولية قد سقط من دون اي رادع، فأي مسؤول لبناني قادر على ان يتحدث عن تسوية مضمونة خارج كل الاطر الاقليمية والدولية المعتادة، وقادرة على ان تعيد الاستقرار الى لبنان بكل مفاعيله.
كما يمكن طرح مجموعة من الاسئلة والملاحظات، في ضوء مباشرة الحريري اتصالاته واحتمال قبوله تبني ترشيح عون. فأي تطور من هذا النوع، بتوافق داخلي فحسب، يعني ان كل الاطراف سلمت جدلا بأنها وصلت الى مأزق كبير، وانها تحتاج الى هذه النقلة النوعية كي تحد من خساراتها المتراكمة على اكثر من صعيد منذ سنتين ونصف سنة، لكنّ هذا التطور لا يؤكد ان ثمة تسوية بالمعنى الحقيقي للكلمة، لان التسوية تفترض تنازلات وتقديمات متبادلة. وهذا الامر لم يحصل حتى الان. فالحريري، وبعد مسار طويل من انهيار وضعه الداخلي وتشتّت كتلته سياسياً، وسوء ادارة فريقه لملفات سياسية ومالية واعلامية، فضلا عن وضعه المأزوم سعودياً، لم يعد في موقع القادر على وضع الشروط وتقديم عروض والحصول على تنازلات، الامر الذي يدفعه الى اتخاذ خطوات فردية من دون الاحاطة بكل اطرها. ولا تشذ القوى السياسية الاخرى عن هذا الواقع، علما ان موقفها من عون شخصيا وسياسيا معروف، ولا تحبذ وصوله الا مكرهة، وهي وان قبلت السير بهذا الطريق فلانها تريد ايضا الحد من هزائمها المتراكمة. في هذه الصورة يبدو حزب الله وحده خارجها، لان الحريري على قاب قوسين من ان يرشح مرشح حزب الله، وان الحزب لم يقدم على اي تنازل ولم يجر اي تسوية في ما يتعلق بترشيح عون، على عكس ما كان يفترض الحريري حين رشح النائب سليمان فرنجيه، واعتقد ان حزب الله سيلاقيه في منتصف الطريق، لانجاز اتفاق مرضٍ.
اما التسوية، فهي قد تأتي لاحقا، وهنا تكمن العقدة، اذ إن وصول عون الى قصر بعبدا لن ينهي الازمة السياسية، لا بل يمكن القول ان هذا الانتخاب، قد يصبح الخطوة الاولى في عملية سياسية شاقة ومعقدة، لان حصيلة ما يجري حاليا، ملء الفراغ الرئاسي فحسب، من دون اي افق مستقبلي. فلائحة التحديات طويلة، تبدأ بتأليف الحكومة (مهما كان اسم رئيسها) ولا تنتهي بقانون الانتخاب. فاذا كانت حكومة الرئيس تمام سلام قد احتاجت الى 11 شهرا لتأليفها، وإلى أشهُر اضافية للبيان الوزاري، فكيف يمكن لحكومة العهد الاولى مع كل المناورات السياسية المتوقعة ان تكون عملية سهلة. علما ان اول عقبة حقيقية ستواجهها، ستكون مع قانون الانتخاب والانتخابات النيابية المقبلة. كل ذلك ، سواء عبّر عنها بكلمة تسوية او سلة، لا يمكن وضعه جانبا في الكلام عن تبني الحريري لعون رئيساً، من دون تسوية شاملة، ما يعني ان سلسلة الازمات ستكون طويلة ومفتوحة على كل الاحتمالات. لكن الاهم هو ان هناك طرفا لا يزال خارج كل هذه الاتصالات، فحزب الله لم يخض في اي تسوية حتى الساعة. واذا تمكن الحريري من السير بخطوة ترشيح عون، فسيكون الحزب الخارج من المعركة الرئاسية رابحا، على موعد في العهد الجديد مع "تسويات" بالمفرق، لان الرئاسة ستكون اول العنقود فحسب.