في آب الماضي، أطلقت مجموعة «blue force» الإلكترونية هاشتاغ #عالمرة_قبل_الحلوة_معك، تأكيداً على دعم الرئيس سعد الحريري وتعبيراً عن الوفاء لنهج تيار المستقبل. بعد أقل من شهر على هذا الهاشتاغ، الذي لاقى رواجاً كبيراً، مسجّلاً رقماً قياسياً (أكثر من 5 ملايين تغريدة في لبنان والدول العربية)، قابل الحريري «الوفاء» بقرار «صرف عدد ضخم من موظفي التيار»، بحجّة «خفض الإنفاق». المغرّدون الذين عبّروا عن حبّهم للرجل اعتقدوا بأن «طيبته وأصل معدنه» كافيان كي يبقى عندهم «أمل» في الاستمرار، لأنه في النهاية «ما بصحّ إلا الصحيح». غير أن وريث «أبو الفقراء»، وأمام الاستحقاق الجدّي، اختار أن ينجو من أزمته على حساب «الفقراء». وبدلاً من مكافأتهم على تحمّلهم الأزمة المالية ووقوفهم إلى جانب قيادة التيار، فضّل الخيار الأسهل، بالتنصل من مسؤوليته الأخلاقية والإنسانية قبل المالية، والتخلّص من الموظفين الذين ينتظرون منذ حوالى سنة من دون رواتب!
حجز بنك البحر المتوسط الرواتب التي دفعها التيار للموظفين لتسديد قروضهم
أول من أمس، وصلت إلى مسامع الموظفين معلومات تتحدث عن خطّة «تشحيل» ستطال عدداً ضخماً من العاملين في التيار بمختلف مؤسساته. وتبيّن بالفعل أن هذه المعلومات ليست مجرّد شائعات كتلك التي رافقتهم منذ فترة عن قرب الفرج المالي. فقد أكدت مصادر مستقبلية أن «مرحلة قطع الأرزاق» بدأت، مشيرة إلى أن «المعنيين بدأوا أمس تبليغ جزء ممن طالهم القرار، لكن الأرقام الإجمالية لا تزال مجهولة». في المقابل، يتردّد على لسان المستقبليين أن «مجزرة التشحيل ستطال حوالى 350 موظفاً في المرحلة الأولى»، وأن «التعويضات ستقتصر على تعويض الصرف التعسفي»، ما يعني أنها «لن تكون كبيرة، على غرار ما حصل منذ ثلاث سنوات حين أقدم الرئيس الحريري على مثل هذه الخطوة، معوّضاً المصروفين بمبالغ مالية كبيرة». وتوقّعت المصادر أن يكون لهذا الصرف «وقع سلبي، خصوصاً أن الظروف اختلفت، لأن من سيتم طرده من التيار صبر لأكثر من سنة من دون راتب، وهو يرزح اليوم تحت وطأة الديون، وبالتالي فإن التعويضات القليلة التي يجري الحديث عنها لن تسعفه». وعلى عكس المرّة الماضية، فإن الخطّة الإنقاذية لن تطال العاملين من أصحاب الرواتب المتواضعة، بل إن اللوائح ضمّت أسماءً كبيرة ستحدث ضجّة داخل التيار».
منذ يوم أمس، يعيش التيار في حالة من الهلع والتكتّم. الموظفون يشعرون بالعجز والتخبّط. في أروقة التيار، يقول عدد من الموظفين إن «أحداً حتى الآن لم يأخذ على عاتقه إبلاغ عشرات الموظفين بقرار صرفهم، مستصعبين تنفيذ هذه المهمّة نظراً إلى حساسية المرحلة». تركت هذه المعلومات الكثير من البلبلة في صفوف المستقبليين، وهم الذين يشهدون منذ فترة طويلة أياماً سوداء. الجو العام في المرحلة الماضية، بحسب الموظفين، كان «مقيتاً»، ولم يكن في استطاعة أحد أن يتحدّث إلى زميله لأن «النفوس متعبة». حتى إنه لم يكن يمرّ يوم من دون أن تشهد المؤسسات، تحديداً داخل مبنى تلفزيون المستقبل، إشكالات بين الموظفين أنفسهم، أو بين الموظفين والمديرين نتيجة «تعب الأعصاب الذي أصاب الغالبية». هذه الغالبية التي اختارت الصمود حتى الآن، باستثناء قلّة قليلة قررت من نفسها الرحيل بعدما قطعت الأمل بقرب الحل.
التعويضات لن تكون كبيرة وستقتصر على تعويض الصرف التعسفي

حالة الترقب التي يعيشها الموظفون لم تبدأ مع خروج قرار الصرف إلى العلن، بل هي حالة مزمنة بدأت مع بدء الأزمة المالية، حين عاش هؤلاء على نغمة «في معاش … ما في معاش»، والوعود غير الصادقة التي كانت تعطى كمورفين للتهدئة. من يسمع حكايات الموظفين داخل التيار، يهيّأ له أنه يقرأ رواية عن «البؤساء». منهم من طرد من منزله ورمي أثاث منزله في الشارع. قسم آخر، اختار أن يبيع الأثاث ويسكن بيته خالياً، كي يستطيع سداد الأقساط المدرسية لأولاده. وقد وصل الأمر بأحدهم الى اللجوء الى منزل والديه، وترك زوجته وأولاده في منزل أهلها، لأن لا قدرة له على دفع إيجار السكن. الأكثرية في التيار ليس لها باب رزق آخر غير «المستقبل». والأنكى أن بنك البحر المتوسط الموظفين ساهم في حصار هؤلاء. فقد «عمد البنك في إحدى المرات إلى حجز الرواتب التي وضعها التيار في حسابات الموظفين لتسديد قروضهم، ما آثار نقمة واسعة استدعت تدخلاً سريعاً من الحريري لفك هذا الحجز».
الطاقة السلبية المخيّمة لم تنسحب على «البشر» فحسب؛ ففي التلفزيون مثلاً «أصبح البرنامج الإخباري الذي يعمل فيه الموظفون شبيهاً بكهرباء لبنان... ساعة بيجي وساعتين لا». حتى المونتاج «أصبح طلبه من المسؤولين عنه أشبه بالتسوّل، فلا أحد له طاقة للعمل». أما مبنى «سبيرز» حيث المنسقيات، فقد بات مهجوراً إلا من موظفي الأمن على الأبواب. وغالباً ما يقصده الموظفون بهدف «بصمة الحضور» والمغادرة على الفور، حتى لا يسجّل عليهم غياب يوم عن العمل.
انتظر الموظفون في تيار المستقبل فرجاً مالياً وفوقه «حبّة مسك»، فأتاهم الفرج «همّاً يُضاف إلى مصيبتهم». انتظروا من الرئيس الحريري أن يبادلهم الوفاء بالوفاء، فبادلهم إياه بالخذلان، ولا أحد «على راسو خيمة». مع ذلك، ترفض مصادر التيار وضع هذه الخطة في إطار سلبي، مؤكّدة أنها «جزء من الحل»، وأنها «مقدّمة لإعادة ترتيب الوضع التنظيمي والمالي، والتخفيف من المصاريف التي لا حاجة إليها».