لأنك "مهما تكن قوياً، ستبقى أضعف من الثور"... كان لا بد من مقاربات مختلفة لإيجاد الحلول القائمة على مبدأ الإفراط في استخدام القوة. بيّنت أبحاث علمية أجريت أخيراً في الولايات المتحدة الاميركية أن تعاظم السلطة لدى شخص ما، تشوّش من قدرته على الشعور بالآخر.

أجرى عالم النفس الاجتماعي في "جامعة كاليفورنيا" دايخير كيلتنير دراسات تجريبية أظهرت أن الناس الذين يمتلكون "سلطة" يعانون من نقص في التعاطف مع الآخرين، والتكيف مع سلوكهم وفقاً لمتطلباتهم.
ذهب عالم الأعصاب في "جامعة ويلفريد لورير" في أونتاريو بكندا سوخفيندار أوبهي أبعد من ذلك. إذ بينت دراسة معمقة أجراها الرجل أن السلطة يمكن أن تغيّر عملياً من الطريقة التي يعمل وفقها الدماغ بشكل فيزيولوجي بحت.
لماذا يا ترى يحصل هذا النوع من التحوّل في سلوك أغلب البشر حين يُرقّون إلى مناصب أعلى؟

■ ■ ■


أجبرت السلطات الصينية في مدينة شيان شرق البلاد مسؤولين في المدينة على زيارة عدد من السجون لتحذيرهم من إغراءات الفساد.
07 مسؤولاً برفقة زوجاتهم زاروا المنشآت ضمن حملة صارمة ضد الفساد ينتهجها أكبر اقتصادات العالم.
تؤكد هيئة مكافحة الفساد الوطنية في الصين أن هذه الزيارة هي بمثابة "تحذير تثقيفي يسمح لهم بالاطلاع على الحياة خلف القضبان"... ذلك إن سولت لهم أنفسهم يوماً استغلال السلطة لتحقيق مآرب شخصية.

■ ■ ■


لا تشمل أكثر حالات الفشل في القيادة مجرد الاحتيال أو اختلاس الأموال أو حتى الفضائح الجنسية كما قد يظن البعض. الأكثر شيوعاً هو حين يفشل "القادة" في مجال الإدارة اليومية للذات، واستعمال السلطة بشكل أناني خدمة لمصالح شخصية.
كيف يحصل ذلك؟ ببطء... ثم فجأة، من دون أن يشعر به صاحبه. ويتطبع "الشاذ" بسرعة قياسية ليغدو أمراً عادياً مع الوقت.
أصحاب السلطة الذين تأمرهم القوى الأمنية مثلاً بالتوقف نتيجة السرعة الزائدة في القيادة، يتحوّلون مباشرة إلى أشخاص ناقمين على نظام هم أنفسهم من المفترض أن يصونوه، ويبدؤون بالعبارة التي باتت مشهورة "ألا تعلم من أنا؟"
قد يقال الكثير في تشخيص المشكلات الاقتصادية التي يتخبط فيها لبنان. عضوية كانت أم بنيوية أم تراكمية أم فلسفية... سمها ما شئت.
من يأتي أولاً السياسة أم الاقتصاد؟ من يؤثر بمن؟ ولمن الكلمة الفصل؟ لا ينتهي النقاش...
الأكيد أن لا حل جذرياً إلا بإيجاد قادة يخشون من تجاوز ذلك الحد الدقيق الفاصل بين السلطة وإساءة استغلالها. تبدو التجربة في مدينة شيان الصينية أحوج ما نكون إليه في لبنان اليوم، على ألا تكون مجرد زيارة للمنشآت... ومع زوجاتهم كذلك.