لا يمكن عزل ما جرى على طاولة الحوار من عرض للإصلاحات وإنشاء مجلس الشيوخ والمراوحة في بحث قانون الانتخاب، عن مسار سياسي يطاول في مكان ما التحالف بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. يبدو، للوهلة الاولى، أن البحث في الاصلاحات ورئاسة الجمهورية يتعلق بإطار وطني وشأن سياسي عام، ويبدو أيضاً أن التحالف بين التيار والقوات يعيش فترة هدوء واستقرار، حتى يكاد يظن أنه يحتاج الى دفع جديد لإبقائه على قيد الحياة.لكن الواقع أن ثمة مؤشرات عن وقائع جديدة تتوقف عندها الجهات الحريصة على التحالف العوني ــــ القواتي والمعوّلة عليه وعلى ضرورته.
أولاً، ثمة شعور ومعلومات باتت متداولة في الإطار الضيق بأن ما يطرح من إصلاحات حالياً، لا يتعلق فقط بموضوع رئاسة الجمهورية ووضعها على سكة التنفيذ قبل الانتخابات أو بعدها. انطباعات بعض السياسيين المعنيين أن التحالف، رغم كل الاستهدافات التي تطاوله بين حين وآخر، لا يزال يشكل إزعاجاً كبيراً للمستقبل والرئيس نبيه بري وحزب الله. هذا الازعاج أدى الى ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية والى عدم الضغط في المقابل لسحب ترشيحه، واستطراداً الى تجميد ملف رئاسة الجمهورية. وكل ما يقال عن نقاشات اليوم وحوارات ثنائية أو موسعة، لا يوحي باحتمال موافقة الاطراف السياسيين المعنيين على الوصول الى رئاسة الجمهورية من خلال هذا التحالف. والخشية أن يتكرر من خلال بعض الحوارات الحالية حول النفط والحكومة وبعض الملفات العالقة، ما حصل حين أعطي تيار المستقبل وزارة الداخلية والعدل، ولم يعط في المقابل أي شيء في رئاسة الجمهورية. القصة لا تتوقف هنا، إذ يدور بحث جدي في مرحلة ما بعد الرئاسة، أي تشكيل الحكومة. عملياً، يراهن هذا التحالف على أن تكون الحصة الأكبر فيها (إن لم يكن كلها) له، لكن شكوكه هو في أن تهضم القوتان السنيّة والشيعية والدروز "بلوكاً" مسيحياً بهذا الحجم. تقول المعلومات إن البحث جدي، وخصوصاً ان المعلومات تتحدّث أيضاً عن دينامية في المشاورات بين المستقبل وبعض الاطراف حول عودة الرئيس سعد الحريري الى ترؤس الحكومة إذا تم الاتفاق على صفقة رئاسة الجمهورية: حكومة ما قبل الانتخابات النيابية وما بعدها أيضاً. فتركيز المستقبل اليوم وداعمو عودة الحريري، في وجه محبّذي عدم ترؤسه الحكومة من داخل التيار، على استثمار هذه العودة سياسياً ومالياً الى أقصى درجة، لأن أي سنة جديدة تمر على الحريري خارج لبنان وخارج السراي تعني مزيداً من الإفلاس السياسي... والمالي، علماً بأن الصفقات المالية الاخيرة التي تتم، إنما تتم على أيدي بعض رجال الاعمال المقرّبين من حلقاته ومستشاريه، وباتت متداولة الى حد كبير في الوسط السياسي.
ثانياً، ثمة إصرار من جانب معظم القوى السياسية المعارضة لتحالف الطرفين على تأكيد أن هذا التحالف لم يربح في الانتخابات البلدية، ولم يحقق واقعاً جديداً على الارض. رغم كل الارقام والاحصاءات، ورغم الطابع البلدي والعائلي لبعض المناطق، ومع الاعتراف بأخطاء حصلت في تشكيل اللوائح، ومن ضمنها الحدت على سبيل المثال، هناك من يصرّ على أن التحالف لم يستطع إثبات وجوده. والعودة الى هذا المنطق تعني قراءة مستقبل التحالف النيابي بين الطرفين من هذه الزاوية، لتبيان أن الطرفين لن يحققا فوزاً خارقاً في الانتخابات النيابية، مهما كان شكل القانون. لكن التيار والقوات في صدد تفعيل النقاش حول قانون الانتخاب، وهما لم يتمكنا حتى الساعة من تحقيق خرق على مستوى تقريب وجهات النظر بينهما حوله. فالقوات متمسكة بقانون المختلط، لكنها أيضاً منفتحة على إدخال تعديلات عليه. وقياديّو التيار الوطني لا يبدون متحمّسين لهذا القانون (بقدر ما المستقبل والاشتراكي أيضاً لا يريدانه) رغم أن نواباً في التيار يؤيدونه. وليس كلام رئيس التيار الوزير جبران باسيل بعد الحوار حول الارثوذكسي والنسبية إلا تعبيراً عن هذا الموقف. لكنّ الطرفين ملزمان بالوصول الى موقف موحد، خصوصاً أن في الأحزاب المسيحية مَن يقول إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يرفض التصويت على القوانين المطروحة، ولو حصل مشروعه المختلط على أعلى نسبة من الاصوات، لأنه مع الإبقاء على قانون الستين، ما يعني أنه يفترض بهما التسريع في المفاوضات للخروج بالحد الأدنى من التوافق على مشروع أو فكرة جديدة تخرجهما من مأزق القانون.
تستمر القوى السياسية في إطلاق السهام على هذا التحالف، حتى إنها تراهن على أنه لن يصمد حتى الانتخابات النيابية المقبلة بفعل تحالفات كل من طرفيه، أو بسبب الاختلافات الجوهرية بين منطق القوات اللبنانية الرافض لسلاح حزب الله، ورؤية التيار الوطني الحر والعلاقة مع الحزب كحليف في ورقة التفاهم وكداعم أساسي لترشيح العماد ميشال عون. بعد مشروع استعادة الجنسية، لم ينتقل التحالف الى خطوات سياسية استثنائية، ما خلا أنه أرسى إنهاء الصراع المسيحي الداخلي. لكنه اليوم يحتاج الى نقلة نوعية، والى تزخيم حضوره المشترك في ملفات أساسية حيوية، وهي كثيرة وعاجلة، يدرك أنها ضرورية، استعداداً لمرحلة الانتخابات النيابية على الأقل، ما دام يعترف بكثرة خصومه وأعدائه، وكثرة مشاريعهم الهادفة الى تطويقه.