إذا وقف رجال أعمال التيار الوطني الحر في صف، ورجال أعمال القوات اللبنانية في صف آخر، فسيبلغ طول الثاني ضعف طول الصف الأول. الفارق أن القوات تعيش في الظل فيما يملأ صخب العونيين الأقضية. في القوات، أقصى رئيس الحزب سمير جعجع غير المسلّمين بأوامره منذ سنوات، فيما يدشّن العونيون الآن فقط بيت الطاعة الحزبيّ. ولا شك في أن التداول نيابياً ووزارياً بأسماء رجال الأعمال العونيين كشف الأقنعة عن وجوههم، فيما لا يزال رجال أعمال القوات يتصبّحون عند زعيم ويتغدّون عند آخر ويتعشّون عند ثالث.في كسروان، ثمة رجلا أعمال عونيان هما روجيه عازار وأنطوان عطاالله يجري تداول اسميهما كمرشحين محتملين إلى الانتخابات النيابية، فيما هناك أربعة رجال أعمال يدورون في فلك القوات، أبرزهم رئيس بلدية عشقوت ألكسندر رزق. وهو كان يصنّف كتائبياً، لكن العجز التاريخي للرئيس أمين الجميل عن الحفاظ على أصدقائه جعله أقرب إلى القوات اللبنانية. وينتمي رزق الى أكبر العائلات العشقوتية، وهو أحد ورثة أحد أبرز رجال الأعمال اللبنانيين فؤاد رزق الذي توزعت أعماله من شركة ينابيع لبنان (صنين) إلى أكبر شركات المقاولات والبناء في السعودية، مروراً بفندق «مزار أنتركونتيننتال».
الرئيس السابق لجمعية الصناعيين والرئيس الحالي للمؤسسة المارونية للانتشار نعمة افرام لا يمكن وضعه في خانة القوات اللبنانية تماماً. لكنه أقرب بالتأكيد إلى معراب منه إلى أيّ مرجعية سياسية أخرى، رغم صداقته مع الوزير جبران باسيل وعلاقته الوطيدة بالعميد المتقاعد شامل روكز. وقد ذهب رئيس القوات سمير جعجع في استرضائه إلى حد «كسر خاطر» العماد ميشال عون في انتخابات بلدية جونية الأخيرة، حين دعمت القوات لائحته ضد اللائحة المدعومة من التيار. وافرام (يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية) مساهم رئيسي في شركة «سنايديرو الشرق الأوسط» (يرأس مجلس إدارتها وزير القوات اللبنانية السابق روجيه ديب) المتخصصة في تجارة المطابخ والخزائن ومفروشات المكاتب. وهو عضو مجلس إدارة في 4 أو 5 شركات تعنى بتسيير شؤون شركة «اندفكو» التي يرأس مجلس إدارتها عمه شفيق افرام. وتنتج هذه الشركة منتوجات «سانيتا» بكل أشكالها: علب الكرتون والنايلون والبلاستيك وورق الحمام وغيرها. كذلك فإنه مساهم رئيسي في مصرف الإسكان وشركة غاز لبنان ونحو عشر شركات كبيرة أخرى. ورغم انكسار أسطورة آل افرام في الانتخابات البلدية الأخيرة وخسارتهم رئاسة اتحاد بلديات كسروان الذي سيطر عليه محامي شركاتهم نهاد نوفل لسنوات طويلة، فإن العلاقة الوطيدة التي تجمع افرام ورزق برئيس حزب القوات تكسر شبح العزلة العائلية الكسروانية التي يعاني منها جعجع.
الثالث في هذه «الرباعية» هو المسؤول القواتي الكسرواني شوقي الدكاش. وكان بعض «المعقّدين» يأخذون عليه قبل بضع سنوات أنه مجرد «شوفير كميون». لكنه كبر كثيراً وتوسعت أعماله في السنوات القليلة الماضية، بما حجز له مقعداً في قائمة رجال الأعمال.
نقيب المقاولين مارون الحلو، بدوره، يضع قدماً في معراب وأخرى في السوديكو لدى حزب الوطنيين الأحرار. وهو كان يحسب ضمن كبار رجال الأعمال الذين يمكن جعجع الاتكال عليهم في حال دقّ الخطر المالي أبوابه. إلا أن تسريبات «الأحرار» تشي بتعيينه قريباً في المنصب الحزبيّ الثاني بعد رئيس الحزب.
تبدو بلدة مزيارة الزغرتاوية أشبه بمصرف لمعراب رغم النفوذ الكبير لفرنجية

في المتن الشماليّ، لا رجال أعمال أو أثرياء يتصدرون صفوف القوات اللبنانية. فالمرشح إدي أبي اللمع ومسؤول جهاز التواصل (مع الرابية) ملحم رياشي يصنّفان في فئة «المعترين»... ولكن في حال صودف وجود مناضل قواتيّ عتيق ورجل الأعمال سركيس سركيس في صالون جعجع وكان هناك كرسيّ واحد، فلا شك في أن «الحكيم» سيبقي المناضل واقفاً ليُجلس سركيس. والأخير أصرّ على تجربة حظه مع غالبية سلالة آل الجميل، قبل أن يقتنع باعتناقهم جميعاً مبدأ الأخذ من دون مقابل. لذلك، هو اليوم أقرب إلى رئيس حزب القوات.
وفي السياق نفسه، هناك المرشح عن المقعد الكاثوليكي ميشال مكتف. ورغم أن الاعتقاد السائد هو أنه متفرغ للعلاقات العامة السياسية، إلا أنه يقود امبراطورية أعمال مصرفية وسياحية وعقارية ضخمة جداً. وهو اليوم أقرب إلى القوات منه إلى أي طرف سياسي آخر في قوى 14 آذار.
في الأشرفية، لا يسع ناشطي القوات اللبنانية الكاثوليك مجرد الحلم بالنيابة أو الوزارة بحكم حرص معراب على طمأنة الوزير ميشال فرعون. والأخير يمكن تصنيفه، بارتياح، ضمن أول عشرة رجال أعمال يؤدون وظائف سياسية في أوقات فراغهم.
أما في زحلة، فـ»وجه السحّارة» القواتية هو رئيس مجلس إدارة شركة «سيدة زحلة للباطون الجاهز والزفت» إبراهيم صقر، الذي يدير في الوقت نفسه «شركة غاز الصقر لتخزين وتعبئة وتجارة الغاز والمازوت والبنزين». وهناك أيضاً رجل المطاعم الأول جورج سماحة، والمهندس جهاد النداف الذي يملك ويدير أكثر من عشرة مشاريع تجارية ضخمة تشمل أكثر من ألف متجر، علماً بأن الوزير القواتي السابق سليم وردة لم يكن مناضلاً ولا مقاتلاً، بل رجل أعمال أيضاً. ومن الدائرين في فلك القوات، في عروس البقاع أيضاً، قائد «ماستر شيبس» ميشال ضاهر، وصاحب «سي سويت» سيزار المعلوف، ورئيس مجلس إدارة ومدير عام شركة كهرباء زحلة أسعد نكد.
من البقاع إلى الشمال، تبدو بلدة مزيارة الزغرتاوية أشبه بمصرف لمعراب. فرغم النفوذ الكبير للنائب سليمان فرنجية في البلدة، لا يكاد يخلو منزل فيها من متموّل متعاطف مع القوات اللبنانية. وأبرز هؤلاء حبيب الشدياق وجوزف التكتوك وجو خوري. وكان رجل الأعمال الزغرتاوي دونالد عبد قد تقدم الصفوف القواتية لبضع سنوات قبل أن يقفل خلافه مع الشدياق أبواب معراب في وجهه، فينتقل إلى الرابية لبناء علاقة مع باسيل بوصفه قنصل لبنان الفخري في سيراليون. وحتى نقيب المهندسين في الشمال والقياديّ في القوات ماريوس البعيني هو رجل أعمال أولاً وأخيراً.
وفي البترون مجموعة رجال أعمال من الساحل يشتهون كرسي النائب أنطوان زهرا، من بينهم جاك طربيه الذي يتقدم صفوف رجال أعمال القوات وينشط في مجالي تجارة السيارات وقطاع الفنادق في منطقة المعاملتين. أما في جبيل، فيعتبر رئيس بلدية الفيدار رودريغ باسيل أحد أبرز رجال الأعمال القواتيين، وهو يوسع حيثيته الخاصة باستمالة رؤساء مجالس بلدية عدة.
وبعيداً عن المناطق، لا يكاد يمر يوم من دون أن «تصطاد» دائرة رجال الأعمال في القوات التي يرأسها جورج مفرج رجل أعمال جديداً. ومفرج متفرغ، على نحو شبه كامل، لرصد هؤلاء و»الشبك» معهم ووضع القدرات القواتية في تصرفهم. ورغم تفاوت حرارة العلاقة بين وقت وآخر، لا يمكن تقديم صورة كاملة عن رجال أعمال القوات اللبنانية أو المقربين منها، من دون ذكر عضو المؤسسة المارونية للانتشار شارل حاج الذي يدير شركات عدة في لبنان والخارج، وكذلك الأخوين ريمون وتيودور رحمة اللذين يبدوان قريبين من فرنجية تارة ومن جعجع طوراً. وهما كانا من أوائل المتعاونين مع السفارة الأميركية في بغداد التي قصداها كموظفين، وساهما لاحقاً في توظيف مئات المقاتلين القواتيين السابقين في بغداد قبل أن يعودا إلى بيروت رجلي أعمال يديران أكثر من ثلاثين شركة كبيرة تعمل في قطاعات الاتصالات والنفط والعقارات. ولا شك أخيراً في أن كرسي النائب إيلي كيروز، الذي كان ناشطاً في القوات اللبنانية قبل أن يكون نائباً عن بشري، سيذهب بسرعة إلى رجل الأعمال المكسيكي كارلوس سليم في حال انتابت الأخير يوماً رغبة في أن يكون نائباً في المجلس النيابي اللبنانيّ. وفي حال لم يعجبه كرسي كيروز، فستتخلى النائبة ستريدا جعجع عن كرسيها الخاص إرضاءً لنزوات رجال الأعمال. فرضى رجال الأعمال أهم من رضى الوالدين في هذه الأيام.