نابولي | هو الملعب الأولمبي في روما، والمناسبة هي نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة بين يوفنتوس الإيطالي وأياكس أمستردام الهولندي في موسم 1995-1996. الإثارة تبلغ ذروتها إثر تصدّي الحارس أنجيلو بيروتزي لركلة ترجيح سددها الهولندي سوني سيلوي، لتسنح الفرصة عندها للاعب الوسط فلاديمير يوغوفيتش، لكي يحسم الأمور. يتقدّم اليوغوسلافي بكل ثقةٍ ويهزّ شباك العملاق الهولندي إيدوين فان در سار، معلناً تتويج فريقه يوفنتوس ملكاً على أوروبا.

في هذه اللحظة، تنهمر دموع فرح «توأم» خط الهجوم جانلوكا فيالي وفابريتسيو رافانيللي، وتنطلق معها احتفالات جماهير فريقهما. وقتذاك، كانت «السيدة العجوز» تعجّ بالنجوم تحت قيادة فنيّة من المحنّك مارتشيلو ليبي.
قرابة ٢٠ سنة مرّت على تلك الليلة. سنواتٌ طويلةٌ حملت معها الكثير من المتغيّرات التي تجعل من نهائي هذا السبت خاصاً جداً بالنسبة إلى إيطاليا ويوفنتوس. كثيرون يرون أن هذا النهائي قد وُلد من رحم المعاناة. هي معاناة بلدٍ لم يعد الزمن يعترف بقوّة كرته التي سيطرت على أوروبا لنحو عقدين من الزمن. فمع المشاكل الماليّة التي تُحاصره منذ عدّة سنوات، خسر الدوري الإيطالي نجومه وضعُفت أنديته لأنها لم تعد قادرة على ترك أيّ بصمة في البطولتين الأوروبيّتين إلا نادراً. نتيجة لذلك، خسر مقعداً مؤهلاً إلى دوري الأبطال لمصلحة الدوري الألماني، وباتت الفوارق بينه وبين الآخرين شاسعة.

من الأزمة إلى الأضواء

لذا، ما حققه يوفنتوس يُعتبر إنجازاً يجب التوقّف عنده، إذ إن غريم برشلونة في النهائي كان يلعب ضمن مصاف أندية الدرجة الثانية الإيطالية قبل أقل من عشرة مواسم. وعلى الرغم من عودته بعد موسمٍ واحد إلى الدرجة الأولى، إلا أن خروجه من أزمته لم يكن بهذه السهولة. لقد عانى «اليوفي» من عدم الاستقرار في البداية، إلى أن وجد ضالته مع أنطونيو كونتي قبل أربعة مواسم. تسلّم القائد السابق للفريق زمام الأمور تزامناً مع افتتاح النادي لملعبه الخاص، وقد استطاع إعادة هيبة «اليوفي» وشخصيته محلياً، لكن خبرته الأوروبيّة خانته، فقاده إلى ثلاثة ألقاب محليّة متتالية قبل رحيله والتعاقد مع ماسيمليانو أليغري.

لأن الإيطاليين يحتاجون ما يفرحهم إثر الخيبات المتكرّرة، تراهم يتغنّون بإنجاز يوفنتوس


نجح «ماكس» منذ موسمه الأول بتحقيق الثنائية محليّاً وبلوغ النهائي الأوروبي، بإمكاناتٍ وميزانية محدودتين مقارنةً بنظرائه ممن بلغوا نصف النهائي، حيث استطاع الفريق قلب كل التوقعات، محققاً مكاسب مهمّة له ولكرة القدم الإيطالية. على الصعيد المالي، وعلى عكس المواسم السابقة، يتوقّع أن تكون ميزانية هذا الموسم إيجابية بفضل عائدات دوري الأبطال. هذه العائدات، إضافةً إلى باقي الموارد الماليّة، وعلى رأسها مداخيل ملعبه الخاص، ستسمح ليوفنتوس بتكريس سيطرته المحليّة والاستمرار في الواجهة أوروبيّاً عبر إمكانية القيام بتعاقدات مهمة. أما على المستوى الإيطالي، فقد بات مشروع يوفنتوس الناجح هذا، والذي كلله التألق الأوروبي، يُشكّل مرجعاً وإلهاماً للفرق الأخرى.
من هنا بدأت العديد من الأندية الإيطالية عملية تشييد ملاعبها الخاصة، إيماناً منها بالفائدة الماديّة والفنّية الكبيرة التي ستجنيها. هو أمرٌ تؤكده بيانات «اليوفي» المالية، إضافة إلى نتائجه الممتازة على ملعبه الجديد.

الكل خلف «اليوفي»

قاريّاً، تشكل انتصارات «السيدة العجوز»، إضافةً إلى ما حققته الفرق الإيطالية في مسابقة الدوري الأوروبي هذا الموسم، نقلةً مهمّة تعزّز من آمال الدوري الإيطالي في استعادة المقعد الرابع المؤهل إلى دوري الأبطال. هذه الاستعادة محكومةٌ باستمرار تحقيق الانتصارات القاريّة والتفوّق أو معادلة النقاط التي ستجمعها الأندية الإنكليزية أو الألمانية في الموسمين المقبلين على أبعد تقدير في تصنيف الاتحاد الأوروبي الخاص بالبطولات الوطنية. هو أمرٌ ليس بالمستحيل طبعاً وسيُسهل حصوله تتويج «اليوفي» باللقب.
لهذا السبب تحديداً، ولأن الإيطاليين يحتاجون ما يفرحهم إثر الخيبات المتكرّرة لكرتهم، تراهم يتغنّون بإنجاز يوفنتوس، إذ إن صحفهم ووسائل إعلامهم، على اختلاف ميولها وانتماءاتها الكروية، تبجّل ما تحقّق حتى الآن، بينما تنقسم جماهير الأندية الأخرى إلى قسمين: قسم يقف خلف فريق «السيدة العجوز»، حاملاً لواء الكرة الإيطالية وكبرياءها وممثلها الوحيد، ويدعمونه لأنهم يأملون استرجاع المقعد الرابع ورؤية فرقهم مجدداً في أهم الكؤوس الأوروبية، بينما يُبدي القسم الآخر إعجابه بالروح القتالية واللُّحمة وجوع الانتصارات الذي يتحلّى به «اليوفي»، مع تأكيد عدم تشجعيهم «لعدوّهم» الكروي.
رغم قوة برشلونة وترسانته الهجومية المرعبة، لم يقلل القائد جانلويجي بوفون من حظوظ فريقه، بل أعلنها صراحةً: «لسنا ذاهبين إلى برلين للسياحة، بل للفوز». ربّما هو يؤمن بالقدر والفأل الحسن لكونه عاد بكأس العالم في آخر زيارة له للعاصمة الألمانية. ولمن يؤمن بهذه المصادفات، إليكم إشارةً أخرى: توّجت إيطاليا بآخر كأسين للعالم في مدينتي مدريد وبرلين، أما آخر فريق إيطالي فاز بدوري الأبطال، فكان إنتر ميلانو في مدريد بالذات. ربّما حان وقت التتويج في برلين أيضاً.