اشتاق الرئيس سعد الحريري إلى النائب عُقاب صقر، النائب الزحلاوي الذي اختفى من دون سابق إنذار، بعدما شغل الناس «بصراخه» وتصريحاته السياسية على منابر تيار المستقبل. فجأة قرر الرجل الابتعاد عن الضوء. انغمس في الأحداث السورية ولعب أدواراً في مستنقعها، قبل أن ينسحب تدريجياً من الحياة السياسية اللبنانية ويتجه نحو عزلة شبه تامة عن كل محيطه السابق. لكن يبدو أن دور الرجل لم ينته بعد. آخر المعلومات الواردة من منزل الرئيس الحريري في وادي أبو جميل تفيد بأن رئيس تيار المستقبل فاتَح صقر أخيراً بضرورة العودة إلى لبنان، ليس من باب مجلس النواب الذي هجره منذ سنوات، ولا من بوابة زحلة التي لم ترَ وجهه منذ خمس سنوات، بل من باب المؤتمر العام للتيار، المقرر عقده الخريف المقبل، حيث وُعد صقر بتولّي المسؤولية الإعلامية في التيار الأزرق!لم يكُن النائب الحريري يتصوّر في أسوأ كوابيسه أن ينحو تياره منحى دراماتيكياً بهذا الشكل. كل شيء بات اليوم في غير موضعه منذ خُلع رئيس تيار المستقبل عن «عرش» حكومته. ليس تياره اليوم، وتحديداً في عامَي 2015 و2016، هو نفسه في الأعوام التي سبقت. لم تبقَ منه إلا ثابتة واحدة: الجسم التنظيمي ينهار، وإن كان قد أفلح حتى الساعة في الحفاظ على ما تبقى من الهيكل. في ظل تأكيد الرئيس الحريري على مبدأ «الإصلاح والتغيير والمحاسبة» داخل المؤسسات، يحنّ الرجل إلى "الزمن المجيد"، ما قبل 2009، زمن الأصوات العالية لـ"أبواق" ثورة الأرز ومنظريها وإعلامييها ومثقفيها.
رفض فارس خشّان عرض الحريري بحجة أنه مهدّد أمنياً وفضّل البقاء في باريس
البيت المستقبلي يحتاج إلى «ثورة» تكسر الروتين، وتعيد ضبط الإيقاع الداخلي وتحدّ من النشاز داخله، ولذلك يريد الرئيس الحريري لتياره أن يستلهم بحلّته الجديدة من مبادئ الذين ساهموا في رفع أسمه عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فما الذي يخطط له الرجل؟ بحسب معلومات «الأخبار»، أسرّ «الشيخ سعد» أخيراً في جلسة مع الدائرة المقربّة منه بعزمه على استعادة أبرز الوجوه الإعلامية في تيار المستقبل، والتي رفعت في زمن ما من منسوب التجييش، وساهمت في شحن شريحة واسعة من الجمهور المستقبلي. وعندما سئل الرئيس الحريري عن الخيارات المتاحة، أجاب «فارس خشان وعقاب صقر». لم يدخل المقربون من الحريري في نقاش طويل معه، لعدم فهمهم الأهداف التي تقف خلف قرار الرجل، وخصوصاً أنه لا يفوّت فرصة إلا ويؤكد فيها أنه بحاجة إلى وجوه جديدة تنشل تياره من الوحل. آثر هؤلاء الصمت قبل أن يفاجأوا بعد يومين من الجلسة بأخبار جديدة نقلها اليهم الحريري. «لقد رفض خشّان الفرصة التي منحته إياها. قال لي: أنا خائف على حياتي، ولن أعود إلى لبنان... حياتي مهدّدة بسبب المحكمة الدولية، كما أنني رسمت مساراً لي ولعائلتي ونحن مرتاحون هنا في باريس ولن أغامر بحياتي وحياة عائلتي». لم يكن هذا الرفض بالنسبة إلى الرئيس الحريري بمثابة خيبة، وخصوصاً أن هناك من قَبِل العرض. ففي موازاة هذا الرفض، تسلّح الحريري بالخيار الثاني، وأعلن أمام الجالسين أنه اتفق مع النائب عقاب صقر على العودة نتيجة اتفاق يقضي بإعطاء صقر موقعاً إدارياً داخل التيار. وبحسب مصادر مستقبلية بارزة «فإن تفاصيل الاتفاق تتمحور حول تأمين عدد من الأصوات داخل المكتب السياسي المنتخب تصوّت لمصلحة النائب عقاب صقر فتعيّنه على رأس هيئة الإشراف على الإعلام داخل تيار المستقبل». وليس ذلك فحسب، فمن ضمن الاتفاق أيضاً أن «يخلف صقر المستشار الإعلامي للرئيس الحريري هاني حمود في المهمات الموكلة إليه داخل صحيفة المستقبل، فيتنازل حمود لصقر عن رئاسة تحرير الجريدة على أن يتسلمّ بسّام النونو، ابن عمّة حمود، إدارة التحرير بدلاً من منسق التيار في البترون وجبيل جورج بكاسيني». يحكى الكثير داخل التيار عن عودة صقر في حال كان الظرف مؤاتياً. وقد أشار مستقبليون إلى أن «قرار استعادة صقر من الخارج يعود إلى أنه نجح في تحقيق خطوة إعلامية سياسية ناجحة، من استقطاب الإعلاميين وصولاً إلى الخطاب السياسي. كذلك فإنه من الأصوات التي تلقى صدى عند الجمهور المستقبلي». وبما أن المستقبل هو في إطار «الإعداد للمزيد من المواجهة السياسية مع حزب الله»، لذا فإن «صقر هو الأنسب لهذه المرحلة بصفته ماكينة إعلامية قائمة بحدّ ذاته، أولويته في الحياة إرضاء الرئيس سعد الحريري». ورأت المصادر أن «الاستنجاد بمقومات صقر يعود إلى شعور الرئيس الحريري بأزمة حقيقية عند الفريق المحيط به». مع ذلك، لا تستبشر المصادر خيراً من هذه العودة، نتيجة اقتناعها بأن «أزمة إعلام تيار المستقبل باتت بنيوية. وقبل صقر، حاول كثيرون (كالراحل نصير الأسعد) انتشال جريدة المستقبل من واقعها المرير، لكنهم فشلوا». لكن الحاجة إلى «وجوه إعلامية تشكل عنصر مواجهة في وجه الطرف الآخر تفرض عودة صقر قريباً".