وضع الرئيس تمام سلام الهجمات الانتحارية الأربع في القاع أمس في سياق استمرار الحرب في سوريا وتداعياتها «التي لا يرشح منها سوى المزيد من الاضطراب في كل اتجاه». بعد استجماعه منذ الصباح بضعة معطيات من الأجهزة الأمنية، لم يشأ الإسهاب في تفسير الهجمات تلك، في ظل غموض لا يزال يحوط بما حصل، وتكثر من حوله التكهنات. بيد أن رئيس الحكومة طرح بضعة تساؤلات: هل استهدف الانتحاريون القاع بالذات، وهي المرة الأولى التي تقع في دائرة الإرهاب، أم كانوا في طريقهم إلى مكان آخر قبل افتضاح تحركهم؟ هل هم سوريون أم غير سوريين؟ يعتقد بأنهم أتوا من وراء الحدود اللبنانية ـ السورية. إلا أنه يلاحظ أنها ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها لبنان على نحو كهذا «رغم السلاح الأمضى الذي نستعمله وهو جهوز الجيش والأجهزة الأمنية والتنسيق في ما بينها، ما يعيق الاعتداءات الإرهابية ويكشف يوماً بعد آخر مزيداً من خلاياهم. اللافت أيضاً أن تغلغل هؤلاء في الداخل اللبناني بات يصطدم بالإجراءات المتشددة للجيش والأجهزة الأمنية، ما يمنع اعتداءاتهم».
إلا أن البعد السياسي في اعتداء البارحة، في رأي سلام، «أكثر صعوبة عندما يجعل الهجمات الإرهابية تستهدف الجبهة الداخلية وتحاول ضعضعتها. طبعاً الحوار الثنائي القائم بين تيار المستقبل وحزب الله الذي امتصّ فتائل المواجهة المذهبية، أتاح للجسم اللبناني ولا يزال تحمّل مزيد من الضربات من دون أن ينزلق إلى أخطارها وأهدافها. الخطر لم يُزَل تماماً، لأن الاستهداف لا يزال قائماً. ما نتوخاه من استمرار هذا الحوار استيعاب تلك التداعيات وتحييد لبنان عنها».
لن أتردّد في الاستقالة عندما أشعر بأنها واجب وضرورة

يضيف: «كل ذلك في كفة، والتدهور العام في البلاد على مستوى إدارة شؤونها في كفة أخرى. ناهيك بالشلل الذي يضرب في كل اتجاه. لا رئيس للجمهورية، لا مجلس نيابياً يجتمع، بينما السلطة الإجرائية تتعثر. لم يكفنا الإرهاب كي نعمد من تلقائنا إلى نحر أنفسنا».
إلى أي مدى يثق بالحوار السنّي ـ الشيعي، العالق بين ثنائية استمرار الاجتماعات بلا توقف والتصعيد السياسي والإعلامي من فوق السطوح؟ يقول: «لا خيار لنا سوى التمسك بهذا الحوار. التخلي عنه يعني استبداله بصدام. مَن يسعه الذهاب إلى مجازفة كهذه؟».
على أن سلام لا يتردد في القول إن حكومته أضحت أبرز نقاط الضعف في الاستقرار الداخلي: «بل يبدو أننا ذاهبون إلى مزيد من التدهور. استقال وزير، تلاه ثانٍ، وربما غداً وزير ثالث. بتنا اليوم في ما هو أدهى. في ما مضى كان الملف يفتح وبالكاد يغلق كي يفتح من بعده آخر. اليوم تهبط علينا كل الملفات دفعة واحدة ولا يعثر أي منها على طريق إلى الحل، بل نجد أنفسنا عدنا إلى الصفر في ملف اعتقدنا أننا عالجناه كملف النفايات أخيراً. كل ذلك ناجم عن الشغور الرئاسي. بُحّ صوتي وأنا أقول إن سلبيات الشغور تأتي بطيئة، تدريجاً، وتتراكم ولا تسقط دفعة واحدة».
يضيف: «الآن صرنا في السنة الثالثة من غياب رئيس للجمهورية كما لو أن أوان استحقاق هذا الشغور بدأت تداعياته تتساقط علينا. وهذا ما حملني على وصف حكومتي بأنها حكومة الفشل. هل يجوز أن لا تخضع حكومة للمحاسبة والمساءلة في مجلس النواب؟ هل يعقل أيضاً أن الحكومة متفلتة من رقابة المجلس الذي منحها الثقة كي تحكم ويحاسبها في الوقت نفسه، فإذا هي تمارس السلطة في غياب أي دور له؟ هل أذكّر بما قلته على أثر الشغور إن القرار السياسي لم يعد داخلها، بل بين أيدي القوى السياسية، ولذا دعوت إلى تحييدها عن صراعات الأفرقاء، وحصر دورها بتسيير شؤون الإدارات والمواطنين؟ يبدو أن التنافس والتقاسم هو الغالب اليوم».
يقول رئيس الحكومة: «ها هو ملف النزوح السوري الذي يفترض أن تكون الحكومة متفقة على معالجة واضحة له، كلٌّ يشدّه إلى حيث يريد ويطرح اقتراحات وحلولاً له. كل طرف صار يريد بت ملف النازحين تبعاً لرؤيته ومصالحه من خارج مجلس الوزراء، رغم أننا كنا أعددنا قبل سنة ونصف سنة خطة لمواجهة وزر هذا الملف على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية. حاولنا في الفترة الأخيرة تعويم مناقشتها في ضوء التطورات المستجدة على هذا الملف، إلا أن كلاً من الأفرقاء يجرجر الملف إلى حيث يريد هو».
ماذا يتوقع من الإنتاجية والفاعلية التي يأمل في تحقيقها في الجلسات المقبلة لمجلس الوزراء ما دامت المشكلة في نزاعات الوزراء: «بكل موضوعية أصبح مجلس الوزراء بالنسبة إليّ كابوساً. كل جلسة كابوس في ذاته من جراء التعثر والتطويل في المناقشة من باب الترف السياسي وتضييع الوقت، كما لو أن آلة الحكم تسير على نحو سليم ووفق سرعتها، وكما لو أن ثمة رئيساً للجمهورية، فيما الواقع سوى ذلك تماماً. المشكلة في القوى السياسية التي اجتمعت في حكومة ائتلافية، يجعلونها اليوم ساحة نزاعات. ما يجري في مجلس الوزراء مزاجي. تارة تجد القوى السياسية متعاونة، وطوراً تتعمد العرقلة تبعاً لمقاييسها ومنافعها ومصالحها. حاولنا معالجة الآلية الدستورية في عمل مجلس الوزراء. تساهلت في هذه الآلية التي حملت البعض على توجيه اللوم إليّ على أنني تخليت عن جزء من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، والبعض الآخر لامني بذريعة أنني أتعرّض لصلاحيات رئيس الجمهورية. على أي حال، وإن في ظل الآلية المعتمدة حالياً في مجلس الوزراء لجهة التصويت واتخاذ القرارات والتوقيع، الوضع غير طبيعي. من دون انتخاب رئيس للجمهورية لن تستقيم الممارسة الديموقراطية نظراً إلى دوره كشريك أساسي في الحكم، ومع القوى السياسية. حتى ذلك الوقت سنظل نتنقل من تدهور إلى آخر».
هل لا يزال خيار تصريف الأعمال في حسبانه؟
يقول رئيس الحكومة: «تصريف الأعمال يعني استقالة. عندما أتوصل إلى اللحظة التي تشعرني بأن الاستقالة لم تعد تخلياً بل واجباً وضرورة، لن أتأخر دقيقة واحدة في تقديمها. سبق أن لوحت بالاستقالة في ما مضى من جراء ظروف وأحداث اعتقدت بأن الاستقالة هي المخرج والحل. بالفعل هددت بالاستقالة، وهو تهديد موجه إليّ أنا أولاً. عندما يُنتخب رئيس للجمهورية وتؤلف حكومة جديدة وندخل في مرحلة جديدة سيقال عن حكومتنا إنها الأسوأ والأفشل والأكثر فساداً في تاريخ لبنان».