بدأت السنة الإيرانية ـــ الأميركية 1978 بزيارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر لطهران، وانتهت بتحوّلات في المشهد الذي يختصر العلاقة بين الدولتين. «ويكيليكس» لخّصت تلك الحقبة بـ5،692 وثيقة، شهدت على أوج العلاقة بين الرئيس الأميركي جيمي كارتر والشاه الإيراني محمد رضا بهلوي، كما نقلت بداية الثورة الإيرانية في 175 برقية تمحورت حول التظاهرات التي شهدتها إيران في ذلك العام، والتي ستبلغ ذروتها بإسقاط الشاه المدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 1979.
جيمي كارتر بدأ زيارته لطهران في 31 كانون الأول 1977 وأنهاها في الأول من كانون الثاني 1978. أعقب ذلك الكثير من البرقيات التي قيّمت هذه الزيارة على مستوى العلاقات الثنائية، انطلاقاً من المجاملات والشكر «الجزيل» الذي أبداه كارتر في برقياته، وصولاً إلى المواضيع التي كانت مدار حديث ونقاش بين الطرفين، خلال الزيارة، والتي تضمنت اتفاقات أبرزها بشأن الطاقة النووية، وأيضاً نقاشات سياسية، أهمّها حول مفاوضات السلام في الشرق الأوسط.
من البرقيات المتبادلة، مثلاً، رسالة من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، أشارت إلى أن الشاه «ركز خلال لقائه الرئيس في 31 كانون الأول 1977، على الشرق الأوسط». ذكرت الوثيقة أن الشاه «أعرب عن شعوره بأنه يجب أن يجري النقاش بشأن قضية الضفة الغربية، مباشرة، بين إسرائيل والأردن، استناداً إلى قرار مجلس الأمن 242 و338». عرض الشاه مساعدته «في إقناع (الرئيس المصري أنور) السادات والسعوديين، بدعم اقتراح أن يشمل مؤتمر القاهرة الأردن، إذا رأت الولايات المتحدة أن هذا الأمر محبذ».

الهاجس الأهم
بالنسبة إلى الشاه كان
النفوذ السوفياتي

ومن المقترحات التي قدمها الشاه «وجوب نزع سلاح الضفة الغربية، على مدى 2-3 سنوات، حتى يتمكن السكان من اغتنام فرصة التعبير عن أنفسهم، في ما يتعلق بعلاقاتهم المستقبلية مع الأردن. كما أنه يجب على إسرائيل الانسحاب من الضفة، باستثناء بعض التعديلات الطفيفة».
ولكن الهاجس الأهم بالنسبة إلى الشاه كان النفوذ السوفياتي. بحسب الوثيقة، فقد أبدى قلقه «من أن تقوم الدول العربية المتطرفة، بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي، بإنشاء هلال أحمر»، موضحاً أنه «رغم أن هذا الأمر مقتصر على سوريا والعراق، ولكن لبنان هو تحت سيطرة سوريا».
بعد الزيارة، عبّر الرئيس الأميركي عن شكره للشاه، بعد اللقاء، «الذي ثبّت العلاقات الخاصة التي وُضعت أسسها في واشنطن». كذلك، أعرب كارتر عن سروره للتوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن التعاون النووي بين الدولتين «الذي لن يحدّد ويعزّز فقط الأهمية الحيوية لأهدافنا المشتركة في الحدّ من انتشار الأسلحة النووية من أجل السلام العالمي، ولكن أيضاً سيفتح الباب أمام حقبة مثمرة من التعاون بين الدولتين في ما يتعلق بتطور وسلمية استخدام الطاقة النووية».
خلال الزيارة التي قام بها كارتر لطهران، التقى ملك الأردن حسين بن عبدالله، لذا ارتأى في ختام هذه الرسالة، الإعراب عن تقديره «لتفهم» الشاه و«للحساسية» التي أظهرها «في سبيل تسهيل اللقاء مع الملك حسين»، مؤكداً أن إضافة هذا اللقاء إلى جدول الأعمال، لم يكن ممكناً إلا بفضله.
والشاه أيضاً كان حريصاً على إطلاع الولايات المتحدة على تحركاته في هذا الإطار، من خلال تقارير عن زياراته للرياض وأسوان ولقائه المسؤولين السعوديين والرئيس المصري أنور السادات، في إطار «جهوده» في عملية السلام.
كذلك، تلحظ إحدى الوثائق نية الشاه دعوة المسؤولين الإسرائيليين إلى طهران لمناقشة الموضوع ذاته، مثنية على هذه الخطوة بطريقة أو بأخرى.
زيارة كارتر كانت محط اهتمام دول الجوار أيضاً والدول الحليفة لإيران وأميركا في ذلك الوقت. على سبيل المثال، «بعد مغادرة الرئيس الأميركي طهران، في الأول من كانون الثاني، اقترب السفير التركي من السفير الأميركي وطلب مناقشة الزيارة، وفق إحدى البرقيات المرسلة من السفارة الأميركية في طهران إلى وزارة الخارجية الأميركية.
السفير الأميركي التقى نظيره التركي، في 3 كانون الثاني، بناءً على طلبه، لينقل «القلق النابع من انطباع أن الولايات المتحدة، بتقوية العلاقات الخاصة مع إيران، تخفض من مستوى حلف بغداد، وعلى الأخص العلاقات الحالية والمستقبلية مع تركيا».
السفير التركي عقّب، تحديداً، على تصنيف الرئيس الأميركي إيران على أنها «جزيرة»، مبدياً اعتراضاً تركياً على المصطلح. المهم في الموضوع، فقد تمكن السفير الأميركي من طمأنة نظيره التركي. قال له: «في الحقيقة، خلال المناقشات التي جرت بين الرئيس (الأميركي) والشاه في واشنطن، شدّد الطرفان على أهمية تركيا والحاجة لإعادة بناء العلاقات الأميركية ـ التركية ورفعها إلى مستواها الصحيح»، ولم يكتفِ بهذه التربيتة الخفيفة على الكتف، فأوضح له أن استخدام الرئيس (الأميركي) لمصطلح «جزيرة»، لا يعني أنها محاطة ببحر من الفوضى.
في الوثيقة ذاتها، إشارة إلى حوادث معادية للأميركيين ظهرت خلال التظاهرات التي نظمت أثناء الزيارة وبعدها وحتى قبلها. ورغم الإشارة إلى أن التظاهرة الرئيسية كانت سلمية ومعادية للنظام، فقد ذكرت البرقية أن «المجموعات المنشقة دخلت في العنف والنشاطات المعادية للأميركيين». ذكرت الوثيقة أن «مسؤولي الشركات الأميركية والمسؤولين الإيرانيين، أصبحوا يرون أنّ من الضروري تحصين الأميركيين في غيتوات».
وأيضاً، تخطّت الوثائق المواضيع السياسية والاستراتيجية إلى المسائل الاقتصادية وواقع الشركات الأميركية في إيران، وكيفية تقوية العلاقات بين البلدين من خلال التقويم الذي كانت تجريه السفارة الأميركية ووزارة الخارجية لهذه العلاقة. مع تقدم الوقت، بدأت الوثائق تأخذ منحى أكثر جدية ارتبط، بشكل خاص، بالتظاهرات وتقارير عن الأوضاع في إيران، خصوصاً في ظل التصعيد الذي كانت تشهد، حينها، والذي أدى إلى إسقاط حكم الشاه في العام 1979.
تضمنت إحدى الوثائق، رسالة من السفارة الأميركية في إيران إلى وزارة الخارجية الأميركية، تطرّقت إلى وضع آية الله الخميني في الإقامة الجبرية من قبل الحكومة العراقية في العراق. ذكرت الوثيقة أن ممثلي «حركة تحرير إيران» أخبروا موظفي السفارة الأميركية بأن الحكومة العراقية وضعت آية الله الخميني تحت الإقامة الجبرية وستسمح فقط لأقربائه بزيارته. بحسب الرسالة، تظن الحركة أنه إما الاتحاد السوفياتي أو الولايات المتحدة قاما بالضغط على العراقيين للقيام بذلك. لكن موظفي السفارة نفوا أي دور أميركي.
وذكر ممثلو الحركة أن المجتمع المتدين في إيران كان متوتراً بشدة جراء ذلك، وأن بعض القادة الدينيين كانوا يفكرون في إصدار أوامر بقتل الأميركيين ومواطني الاتحاد السوفياتي، إذا ما تم التحقق من تدخل أحدهما.