تكشف الدفعة الجديدة من مراسلات الدبلوماسية الأميركية التي نشرها موقع «ويكيليكس» يوم أمس عن الكثير من التفاصيل التي تُسهم في تكوين صورة أوضح حول التحولات التي زخر بها عام 1978، والذي وصفه الموقع بأنه «ذو أهمية استثنائية على مستوى المتغيرات الجيوبوليتيكية». وتستعرض المراسلات تلك، بالكثير من التفصيل، بداية التحول الدراماتيكي الذي شهدته العلاقات الأميركية-الفيتنامية، من علاقة الصراع الدامي والمرير والطويل بين الاحتلال الأميركي وحركة المقاومة الشعبية الشيوعية، إلى علاقة «الشراكة» والتحالف.
في برقية صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية بتاريخ الأول من كانون الثاني 1978، بعنوان «علاقات الولايات المتحدة وتايلاند بفيتنام»، موجهة إلى سفارات الولايات المتحدة في كوالالمبور وسينغابور ومانيلا وبورت مورسبي (عاصمة بابوا غينيا الجديدة)، تحض الخارجية الأميركية سفاراتها تلك على «تقدير» التغير في الموقف الفيتنامي الرافض لـ«المساعدات» الأميركية وللعلاقات الاقتصادية مع واشنطن.
«أُسكت الموقف الفيتنامي (الرافض) للمساعدات الأميركية؛ وبرأينا، يشير ذلك إلى قرار بالتخلي عن الجدالات التقليدية (بهذا الشأن)، لمصلحة مقاربة أكثر براغماتية»، تقول الرسالة التي تتضمن أحاديث للسفير ريتشارد هولبروك، تقع في السياق نفسه، وتشير إلى «أدلة»، تتمثل باستطلاع للرأي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، يفيد بأن الرأي العام الأميركي يؤيد إرسال المساعدات الغذائية إلى فيتنام. وتشير الرسالة أيضاً إلى أن «الاهتمام الفيتنامي برفع الحظر التجاري (المفروض على البلاد أميركياً) برز بقوة» خلال محادثات رسمية وغير رسمية مع دبلوماسيين أميركيين، حيث أوضح دبلوماسي فيتنامي رفيع (هاين) أن بلاده «مهتمة بمضمون علاقتها بالولايات المتحدة، أكثر منه بالشكل»، وأن الطابع «الإشكالي» للعلاقات تلك لا يلغي الحاجة إلى «حل مرض» لها.
وترى الخارجية الأميركية في رسالتها أن الموقف المتغير لفيتنام لا يعني أن الأخيرة تخلت عن وجهة نظرها القائلة إن الولايات المتحدة «مدينة لها بالمساعدات، مهما كانت تسميتها»، إنما هي «أدركت حقيقة أن التزام الولايات المتحدة بتقديم المساعدات، قبل (تسوية) العلاقات معها، هو أمر غير وارد؛ وأن من الحكمة، نظراً إلى الوضع الاقتصادي الحالي المزري (لفيتنام)، أن يسعى الفيتناميون إلى الحصول على المنافع التي قد يجلبها لهم رفع الحصار والتجارة مع الولايات المتحدة والاستفادة من تكنولوجيتها». وتتابع الرسالة بثقة: «لا شك لدينا في أن الفيتناميين سيعودون للمطالبة بالمساعدات، بشكل أو بآخر؛ فأصدقاؤهم، هنا وهناك، يرفعون الصوت مطالبين بمساعدات إنسانية غذائية في إطار الاستجابة للكوارث». وتستنتج الخارجية الأميركية في رسالتها أن الفيتناميين «يُظهرون مرونة متزايدة في إطار السعي إلى الحصول على أقصى قدر من المساعدات الاقتصادية من مختلف الدول»، وأن المطالبة بتعويضات عن أضرار الحرب من الولايات المتحدة كانت «اللعبة الافتتاحية المتوقعة»، وأن «الأمر نفسه يبدو صحيحاً، وإن بدرجة أقل، بالنسبة إلى مفاوضات فيتنام مع تايلاند».
واللافت أن الخارجية الأميركية تصف المتغير الذي طرأ على علاقتها بفيتنام بـ«التغير التكتيكي»، أكثر منه «ليونة» مستجدة على الموقف الفيتنامي؛ وتحض الخارجية في رسالتها سفاراتها المعنية على النظر إلى التطور هذا على خلفية النشاط الدبلوماسي الفيتنامي المتنامي تجاه دول جنوب شرق آسيا، والهادف إلى بناء أو تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول تلك، التي «وإن لم تكن عدوة سابقاً، فإنها كانت تنظر بعين الحذر إلى فيتنام موحدة شيوعية».