لم يعد الأمر يتعلق باستنساخ تجربة الديمقراطية السعودية في الدول العربية الأخرى، أو تحقيق ما عجزت آلة الحرب الإسرائيلية ــــ الداعشية عن فعله بحزب الله. تضاءل حجم الخصم وتغيّر عنوانه واسمه وشكله. بات اللواء المتقاعد أشرف ريفي هو الداء الذي يشكو رئيس تيار المستقبل سعد الحريري منه. من يقارن الصفعة السياسية التي وجهها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي للحريري سابقاً بالصفعة الشعبية التي يوجهها ريفي للحريري اليوم يكوّن انطباعاً أولياً عن ملامح الوجه الذي يحاول الحريري إخفاءه بأقنعته الرمضانية المختلفة. ما حصل كان أشبه بتشكيل النائب هاني قبيسي لائحة ضد اللائحة المدعومة من الرئيس نبيه بري في النبطية، أو خروج أحد الإشتراكيين عن طاعة الرفيق البيك. وهذا ما لا يحصل، ببساطة، في الحياة السياسية اللبنانية: حين حاول صهر الرئيس أمين الجميل السابق ميشال مكتف أن «يفتح على حسابه»، صار همّ آل الجميل أن يكون مكتف الأخير في استطلاعات الرأي لا النائب سامي الجميل الأول. أما القوات اللبنانية فلم يستفزها شيء في السنوات العشر الماضية أكثر من ظاهرة حنا العتيق، عندما كان صديق الأخير، الياس باسيل، يمسك بكل خيوطها. وفي التيار الوطني الحر فعل العماد ميشال عون كل ما يلزم دائماً ليطمئن أنه ما من عونيين من دون عون. واللافت أن القوى السياسية تتفهم بعضها بعضا وتحترم شروط اللعبة.
خصوم الحريري السابقون لم يسعوا إلى تحطيم صورته كما يفعل ريفي اليوم
فالخارجون من التيار «استكتبوا» في بضعة مواقع إلكترونية، لكن لم يُصر إلى إعادة توزيرهم أو جمعهم في إطار سياسي موحد مدعوم من خصوم التيار، كذلك فوجئ «الحنون» بالأبواب العونية موصدة في وجهه. ورغم بحث العونيين والقوات المضني عما «يُنكي» الكتائب فإنهما لم ولن يستخدما ورقة مكتف. وما سبق كان واضحاً طبعاً في تضامن خصوم الحريري معه لإعادة الإبن الضال إلى رشده.المشكلة في انتفاضة ريفي أنها لا تزال مجهولة المنشأ بالنسبة للحريري الذي لا يعلم أين طبخت ولا أين تنتهي. ففي وقت يصطف فيه خصوم الحريري، من ميقاتي إلى الوزير السابق عبد الرحيم مراد، في صف السفارة السعودية، يخرج ريفي ليقول إن «الخارجية» السعودية شيء وقرار المملكة شيء آخر. ومن كان يقول إن غالبية الأبواب السعودية مقفلة في وجه المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي، يلاحظ من حصص الغذاء الرمضانية التي توزعها مكاتبه للمحتاجين أن أبواباً إماراتية تفتح له، وهناك في الكويت وقطر من هم مستعدون دائماً لتمويل من يدغدغ «المشاعر السلفية». ويؤكد المطلعون على العلاقات السعودية ــــ اللبنانية أن عاطفة الجيل السعوديّ السابق الجياشة لمصيفهم الجبلي حكمت علاقتهم بلبنان، أما اليوم فحقد الأمراء السلفيين على حزب الله يتحكم في نظرتهم إلى لبنان، حيث لا يجدون من «يفشّ خلقهم» أكثر من ريفي. الجيل الجديد لم يسمع ببحمدون ولا سحرته عاليه أو بولونيا وبرمانا؛ كل ما يعرفه أن لبنان بلد يسيطر حزب الله عليه ويجب تضييق الخناق عليه. واللافت أن ريفي يتحدث في مقابلاته من جهة أخرى عن نية الولايات المتحدة وأوروبا إجراء انتخابات نيابية في لبنان كأنه يجلس في دوائر صناعة القرار الأميركية. والجدير ذكره في هذا السياق أن أرشيف ريفي يبين أداء الرجل أدواراً أمنية مهمة سابقة لارتباطه بالرئيس رفيق الحريري بكثير، فهو على سبيل المثال كان حاضراً في صفقة الإفراج الاشتراكيّ عن أسرى دير القمر غداة الانسحاب الاسرائيلي من الجبل بعدما كلفت قوى الأمن الداخلي تنظيم خروجهم. ولا أحد يعلم كيف اختير الضابط الذي يشاع أن عائلته كان تدين بولائها للرئيس رشيد كرامي لإنقاذ القوات من ورطتها، لكن الخلاصة تفيد بأن وضعه في سلة جهاز أمني معين في غير محله. وهو ما يدفع الحريري إلى «الجنون»، أولاً وأخيراً.
من يعرف ريفي في قوى الأمن الداخلي ثم في وزارة العدل يعلم أن وضع يده على بلدية طرابلس ستتبعه إعادة هيكلة لكل ميزانية البلدية بحيث يشرف بنفسه على قوائم توزيع نحو ألف مساعدة اجتماعية شهرياً، وألف مساعدة مرضية، وأكثر من ألف مساعدة تربوية. في وقت أقفلت فيه جميع مكاتب تيار المستقبل الخدماتية في المدينة. ومن استفادوا من غطاء ريفي في قوى الأمن الداخلي لبناء غرفة مخالفة فوق سطح منزلهم سيبنون الآن شقة. وفي ظل حاجة الحريريين الماسة لسمسرات المشاريع الكبيرة لن يستطيعوا كبح أنفسهم أو مقاوليهم ليبقوا في موقع المتهم بالاستفادة المادية من هذه المشاريع، فيما ريفي يحتفل شعبياً بإنجازها. ولا شك أن برنامج وزير العدل المستقيل سيكون حافلاً بمحطات يومية ترسخ زعامته الطرابلسية وتوسعها. ففوز الحريري بمجلس بلديّ هنا أو هناك لا يقدم أو يؤخر بشيء لعدم معرفته بماهية البلدية فعلياً. أما ريفي فقادر على تحويل بلدية مثل طرابلس إلى منجم ذهب لا ينضب.
الحريري لا يملك الأسلحة لمواجهة ريفي الـ»باقي ويتمدد»، ولا المقاتلين. فرئيس تيار المستقبل لا يجد من هو قادر على مزاحمة ريفي سواء وسط نوابه السابقين أو الحاليين أو المستقبليين: واحد يصلح فقط لإحياء ليالي عود رمضانية، واحد يتمسكن ليتمكن أبناؤه من التوسع في أعمالهم أكثر فأكثر، واحد ينزوي في لجان المجلس النيابية مبتعداً عن كل أوجاع الرأس الشمالية، وكل الآخرين لزوم ما لا يلزم. جدياً أحمد فتفت عاجز عن الفوز بختم مختار في الضنية بقوته الذاتية، النائب قاسم عبد العزيز يتمتع بحضور شعبي لكنه طبيب لا تعنيه المشاكل السياسية من قريب أو بعيد. كاظم الخير إسم على مسمى. ولا يبقى في الساحة بالتالي غير بدر ونوس الذي يستحيل على الحريري نفسه أن يتعرف عليه لو رآه عرضاً في الشارع. كان هناك خالد ضاهر يمكن الحريري أن يستقوي به على ريفي، فخسره رئيس المستقبل قبل أن يخسر ريفي. ومن يدقق بخارطة الشمال يلاحظ وقوف ريفي على قدميه في طرابلس وتحالفه مع نائبين قويين في عكار وعدة شباب متحمسين في المنية والضنية، فيما يحمي رئيس حزب القوات سمير جعجع ظهره في المقلب الشمالي الآخر. أما الحريري فيتكل على تيار مشتت هزيل تنخر المجاعة عظام مسؤوليه، ولا يجد في صفوفه نائباً قوياً يتكل عليه أو حتى رئيس بلدية.
مصيبة الحريري لا تقف عند هذه الحدود: خصومه السابقون لم يسلبوه أو يحاولوا سلبه ماكينته كما يفعل ريفي اليوم فيما الحريري عاجز عن تقديم اللازم لهؤلاء لإبقائهم في صفه. خصومه السابقون ما كانوا يعلمون بنقاط قوته تنظيمياً لاستقطابها كما يفعل ريفي اليوم، ولم يسعوا أبداً إلى تحطيم صورته وهالة القداسة المحيطة به. ويكفي في هذا السياق قراءة ما تحفل به صفحات التواصل الاجتماعي الشمالية بحق «جبن الحريري وخوفه» و»نومه في سرير الأسد» و»بيعه المبادئ» لتكوين انطباع عما تواجهه «الحريرية» فعلياً. وما يشاع هنا في أوساط ريفي عن رفضه لقاء الحريري لمجرد التقاط صورة واشتراطه علانية عودة الحريري إلى «الثوابت» أولاً ليس تفصيلاً أبداً. واستراتيجية ريفي تقوم على التصعيد السياسي بموازاة الانفتاح الشخصي، فهو يهجم على ميقاتي ظهراً ويستفيد من إفطار الصفدي عصراً ليختلي برئيس الحكومة السابق. ومن يعرف ريفي يعلم اتقانه إبقاء جميع الخطوط مفتوحة خلافاً لما يوحي به. وفي مقابلته مع موقع «المدن» القطريّ يختصر ريفي المبادرة الحريرية بأنها صفقة تجارية بين الحريري وفرنجية وبري وجنبلاط، مؤكداً الشائعات عن قراءته للغيب ورؤيته الأموات عبر تأكيده أن «عظام رفيق الحريري كانت تهتز في القبر حين دخل الشاغوري بيت الوسط». والشاغوري هذا هو رجل الاعمال الزغرتاوي جيلبير الشاغوري، الذي أدى دور الوسيط بين الحريري والنائب سليمان فرنجية.
أما الأهم من هذا كله فهو إيجاد قائد الجيش العماد جان قهوجي أخيراً شخصية سياسية «وازنة» تتبنى ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية وتطحش به، ولا أحد يعلم من يقف خلف إحراق ترشيح قائد الجيش عبر جعله بنظر الحريري أقله مرشح ريفي. والخلاصة تفيد بعدم معرفة الحريري كيف يمكنه الاستيقاظ من الكابوس الذي انفجر في وجه أحلامه الوردية. ولا شك أن استمرار ريفي وتجاهله الضغوط المختلفة التي يمكن أن تمارس عليه يهددان الحريرية على نحو مخيف فعلاً. فالزعامة الحريرية تضخمت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحكم الفوز بمقاعد الشمال النيابية، بعدما كان حجم الحريري الأب معظم مقاعد بيروت ومقعدا صيداويّا. ومن هنا بالتحديد يظهر التهديد الأكبر لمشروع «المستقبل»، منذ انتخابات 2005 النيابية، وخصوصاً أن ريفي يجاهر باختلاف أولوياته في ما خص رئاستي الحكومة والجمهورية عن أولويات الحريري.




«اللواء» يُهدّد: الاتحاد لطرابلس، وإلّا...

يتألف اتحاد بلديات الفيحاء من أربع بلديات: طرابلس، البداوي، الميناء والقلمون. والغلبة وسط هؤلاء هي لتحالف تيار المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي. فرئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين هو الأكبر سناً بين مرشحي البلديات الأربعة، ويكفيه تأمين صوت واحد إلى جانب صوته للفوز بفارق السن برئاسة الاتحاد. إلا أن مصادر الوزير المستقيل أشرف ريفي تتحدث عن إيصاله رسالة واضحة للرئيس ميقاتي بوجوب قيامه بما يلزم لفوز رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدين، المحسوب على ريفي، برئاسة الاتحاد. ونقلت المصادر عن ريفي تهديداً واضحاً لميقاتي بعدم وجوب تحميل نفسه أمام الطرابلسيين مسؤولية خسارتهم الاتحاد لمصلحة الميناء أو القلمون أو البداوي نزولاً عند رغبة سياسييهم، نكاية بوزير العدل. وأشارت المعلومات إلى نية رئيس بلدية طرابلس الانسحاب فوراً من جلسة القائمقامية في حال أقدم أي رئيس بلدية على الترشح ضده، ليبدأ فوراً إجراءات سحب طرابلس من اتحاد بلديات الفيحاء بحيث تستمر البلديات الثلاث، من دون عاصمة الشمال ويفقد الاتحاد بالتالي قيمته.