قد يكون سؤال "أين الرئاسة؟" الذي طرحه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في الساعات الأخيرة، معبّراً عن نظرته إلى ما يطرح حالياً من أفكار ومواضيع داخل الحكومة وعلى طاولة الحوار وفي الخلوة المرتقبة للحوار الوطني في مطلع آب المقبل.تداخلت في الأيام الماضية مجموعة من الملفات التي يطرحها أركان الحوار والقادة السياسيون، إن في جلسات مجلس النواب لمناقشة قانون الانتخاب أو في نقاشات الحكومة أو في الاجتماعات السياسية كجسّ نبض ومقدمة لطرحها على طاولة الحوار. وتكثفت العناوين وفق ما هو متداول: مجلس شيوخ وقانون انتخاب لا تعرف بعد هويته، انتخابات مبكرة، مداورة في وظائف الفئة الأولى، اللامركزية الإدارية، وصولاً إلى فتح ملف النفط، من حيث لم يكن يتوقعه أحد، وكأنه جاء في الوقت الملائم لتكتمل صيغة التفاوض والمقايضات على كل ما هو مطروح.
بين كل هذه العناوين الجذابة، التي يسلّم الجميع بمن فيهم التكتل بضرورة مقاربتها وبحثها، لا يتقدم موضوع رئاسة الجمهورية، ولا يتصدر أياً من الملفات المطروحة، رغم أنه يفترض أن يكون بنداً وحيداً للنقاش بعدما أكمل الشغور الرئاسي عامه الثاني. وقد تكون خشية عون المزدوجة في ألّا تكون العناوين المطروحة للنقاش هدفاً في حد ذاته، بل لتضييع البوصلة الحقيقية نحو ضرورة إجراء انتخابات رئاسية أولاً وآخراً، وأن يكون الوقت الضائع مساهمة في محاولات التخدير المزمنة، وترحيل الرئاسة إلى السنة المقبلة في أقل تقدير.
أسئلة عون عن حيثية الرئاسة تقابلها تساؤلاته عن العراقيل التي توضع أمام انتخابه، رغم الإشارات والتصريحات من وزراء وسفراء، وهي لا تجد بالنسبة إليه بعد أجوبة مقنعة عن الغاية من هذا الفراغ ومن رفض مجيئه رئيساً للجمهورية. لكنها تطرح في المقابل أسئلة عن الغاية الراهنة من فتح ملفات وخلوات يدرك المشاركون فيها أنها لن تخرج بقرارات نهائية ولا قدرة لها على بتّ مثل هذه الملفات الحساسة التي تحتاج إلى وقت طويل لدراستها وإلى قرار "كبير" بحسمها، وكل ذلك غير متوافر حالياً.
أمام تكتل التغيير والإصلاح، بحسب مصادره المطلعة، وفقاً لذلك أولويات مختلفة إن لم يحن الوقت بعد لانتخاب رئيس الجمهورية، فإذا مرّ أيلول من دون رئيس للجمهورية فهذا يعني ضرورة التعامل مع القضايا الآنية وفق ما تفرضه المواعيد والأجندات المطروحة:
أولاً، ثمة تسليم مطلق بعقم الحكومة وعملها، لكن التكتل مضطر للتعامل معها وفق مستويين: عدم الاستقالة منها بسبب ظروف الوضع الداخلي والحاجة إلى مظلة "شرعية"، ولعدم إحراج حليفه حزب الله بتعطيل الحكومة وإغراقه في أزمات داخلية في غنى عنها. أما المستوى الثاني، فهو تعطيل الحكومة حين تدعو الحاجة وحين تكون مبررات التعطيل مستندة إلى سعي بعض الأطراف لعرقلة التكتل ومشاريعه والتفرد بمشاريع وقرارات من جانب واحد.
لن يترك التكتل الحكومة، كما لن يترك الحوار الوطني، لأن أحداً اليوم لا يمكن أن يتحمل خياراً من هذا النوع والتخلي عن الحوار في وقت حساس داخلياً وإقليمياً. لكن التكتل يريد أن يراعي الأطراف المشاركون في الحوار رغبته في إعطاء الأولوية لرئاسة الجمهورية وتغليب البحث فيها على ما عداها، مع الاعتراف بأهمية الملفات المطروحة للنقاش وحيويتها.
ثانياً، يتعامل التكتل مع الانتخابات النيابية المقبلة بجدية مطلقة، بعدما سلّمت جميع القوى المحلية بعدم التمديد للمجلس النيابي، وهذا أمر قاطع لا رجوع عنه. لكن القرار الداخلي صار معززاً أيضاً برغبة أميركية وأممية جرى التعبير عنها ديبلوماسياً للمعنيين مباشرةً بضرورة إجراء الانتخابات البلدية والنيابية. وبعد إجراء الانتخابات البلدية، صار الانتقال حتمياً إلى النيابية، ووفق ذلك يدخل التكتل في حوارات حول قانون الانتخاب. سقفه الأول والأعلى هو المشروع الأرثوذكسي، أما الورقة الثانية التي يحتفظ بها، فهي مشروع النسبية مع 15 دائرة، ويتمسك بهذا الأخير كورقة نقاش أساسية. ما عدا ذلك لا يقترب التكتل من المشاريع المطروحة، ولا سيما المختلط منها، ولو كان الذي يطرحه حليفه في إعلان النيات حزب القوات اللبنانية مع المستقبل والتقدمي الاشتراكي. التفاهم مع القوات يسير بخطى ثابتة، ولا سيما في موضوع رئاسة الجمهورية، وفي تثبيت المصالحة على الأرض. لكن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى قواسم مشتركة، ولم يقترب التكتل بعد من مشروع القوات، وغالب الظن أنه لن يقترب. لكنه يدرك أن الانتخابات على الأبواب، وقد بدأ التحضير داخل التيار الوطني الحر لها داخلياً لاختيار المرشحين للنيابة، قبل قرار الحسم الأخير الذي يفترض أن يكون لعون. من هنا سيخوض التكتل الانتخابات حكماً، ولو جرت على أساس قانون 1960 إذا كان تغييره والاتفاق على غيره مستحيلاً، علماً أن التعويل لا يزال على ضرورة تبديله. لكن التكتل لن يغامر بعدم الاستعداد لخوض الانتخابات إذا ما اقترن القرار الدولي بإجرائها بتجاهل تغيير القانون الذي اعتمد في الدوحة. وحسابات التكتل تصبّ إيجاباً في خانة تعزيز حصته ولو تمت على أساس قانون 1960، لذا سيكون التفاهم لاحقاً (بعد حسم ترشيحات التيار داخلياً) مع القوات على أساس توزيع المقاعد والحصص والمعارك، إذا قررت القوات أيضاً السير في الانتخابات على أساس 1960.
ثالثاً، لا تزال التعيينات الأمنية قضية مركزية لا رجوع عنها، وخصوصاً لجهة تعيين قائد جديد للجيش. لن يقبل التكتل التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي تنتهي مدة ولايته الممددة في 30 أيلول سنة جديدة، ولا سيما إذا تأكدت له معطيات ترحيل الرئاسة والذهاب إلى انتخابات على أساس 1960. ولا يمكن وفق ذلك التسليم أيضاً بالتمديد لقائد الجيش خلافاً لما يرغبه التكتل، الذي لن يقبل أن تسرب عملية التمديد قبل آب المقبل كما حدث السنة الفائتة. النقطة الثانية هي أن التعيينات الأمنية سلكت طريقها في قيادة الجيش، أي في المجلس العسكري والمخابرات، وسيتم أيضا تعيين رئيس جديد للأركان خلفاً للواء وليد سلمان الذي لم يعد يجوز قانوناً التمديد له، بعدما أنهى 43 سنة خدمة في الجيش، وقد بدأت القوى السياسية المعنية تتداول اسم خليفته، وهو الأقدم تراتبية بين الضباط الدروز. لذا، إن خيار التكتل الأول، الذي بدأت تشاركه به قوى سياسية أخرى، بحسب معطيات مصادره، رفض التمديد سنة جديدة لقهوجي، وأن سلمان لن يغادر وحيداً وزارة الدفاع.