خطوة إضافية خطتها السلطات البحرينية، أمس، في مسار تثبيت سياساتها الهادفة إلى قمع المعارضة ومحاولة إنهائها، في مشهد لا يزال مستمراً منذ انطلاق الحراك الاحتجاجي المطالب بالإصلاحات السياسية عام 2011. فقد قررت تلك السلطات تعليق عمل "جمعية الوفاق" والتحفظ على أموالها إلى حين الفصل في الدعوى التي رفعتها وزارة العدل ضدها، فيما أصدرت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قراراً آخر يقضي بحل جمعيتي "الرسالة" و"التوعية"، بزعم تلقّي بلاغات من إدارة التحريات المالية في الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي مفادها قيام المتهمين "بجمع أموال من الداخل والخارج بطرق مخالفة لأحكام القانون المنظمة لذلك".وقد لاقى قرار السلطات البحرينية تنديداً دولياً، جاء أبرزه على لسان واشنطن، إذ أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها بشأن القرار، وقال المتحدث باسمها، جون كيربي: "نشعر بقلق شديد بشأن التحرك المقلق لحكومة البحرين بحل جمعية الوفاق السياسية المعارضة"، داعياً البحرين التي تستقبل الأسطول الأميركي الخامس إلى مراجعة القرار.
واشنطن: نشعر بقلق شديد بشأن التحرك المقلق لحكومة البحرين

بدورها، رأت منظمة "هيومن رايتس فيرست" الأميركية أن تعليق السلطات لعمل "الوفاق" يندرج ضمن "حملة جديدة مثيرة للقلق من قبل الحكومة، تهدف إلى القضاء على ما تبقى من معارضة في البلاد". وقال مدير المنظمة، بريان دولي، إن "حكومة البحرين تبدو أنها مصممة على قتل كل سبل المعارضة السلمية، وهذا مسار خطير، ومن المرجح أن يؤدى إلى تأجيج التطرف وتعميق عدم الاستقرار السياسي".
محامي "الوفاق"، عبدالله الشملاوي، قال إنّ المحكمة أمرت بتعليق أنشطة "الوفاق" وإغلاق مكاتبها، وحددت السادس من تشرين الأول المقبل للنظر في طلب الحل. وكتب الشملاوي على حسابه على موقع "تويتر": "بعد ساعتين من رفع دعوى بوقف نشاط جمعية الوفاق وإغلاق مقراتها، قضت المحكمة الإدارية بشكل مستعجل للوزير (وزير العدل) بطلباته".
وكانت وزارة العدل البحرينية قد قالت، في بيان، إنها تقدمت "إلى القضاء بطلب حل جمعية الوفاق الوطني الاسلامية، وصدر اليوم (أمس) حكم قضائي وبصفة مستعجلة بغلق مقار تلك الجمعية والتحفظ على أموالها وتعليق نشاطها لحين الفصل في الدعوى". وأضاف البيان أن الطلب يعود "لما قامت به الجمعية من ممارسات استهدفت ولا زالت تستهدف مبدأ احترام حكم القانون وأسس المواطنة المبنية على التعايش والتسامح واحترام الآخر، وتوفير بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف والعنف، فضلاً عن استدعاء التدخلات الخارجية في الشأن الوطني الداخلي". جدير بالذكر أنّ الأحزاب السياسية ممنوعة في البحرين، لكن "الوفاق" مسجلة كجمعية، والجمعيات تابعة لوزارة العدل.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعلق فيها الحكومة عمل "جمعية الوفاق"، لكن الرسالة الحالية تبدو شديدة، خصوصاً أنها تأتي بعد يوم واحد على إعادة اعتقال رئيس "مركز البحرين لحقوق الإنسان"، نبيل رجب، الممنوع من السفر، علماً بأنّ السلطات البحرينية كانت قد أطلقت، قبل أيام، سراح الناشطة الحقوقية زينب الخواجة، بعد ضغط دولي ودعوات إلى إطلاق سراحها وابنها الرضيع، وهي مواطنة بحرينية تحمل الجنسية الدنماركية، وقد رُحّلت عن الأراضي البحرينية فور إطلاق سراحها بعدما أوصلت الحكومة رسالة الى السلطات الدنماركية تطالبها بضرورة رحيل الخواجة عن البلاد قبل اعتقالها مجدداً.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعربت عن "قلقها العميق" أول من أمس، إثر إعادة توقيف نبيل رجب، وقالت إنها بحثت المسألة مع حكومة البحرين، فيما قال المدير المساعد لـ"منظمة العفو الدولية" للشرق الاوسط وشمال أفريقيا، جيمس لينش، إن إعادة توقيف رجب "تبدو مثالاً جديداً مقلقاً حول انعدام تسامح البحرين إزاء المعارضة السلمية". وكشفت "منظمة العفو" أن خمسة معارضين، بينهم معتقل رأي سابق، مُنعوا من مغادرة البلاد يوم الاحد لحضور جلسة لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في جنيف. ومثل عدد كبير من المعارضين أمام القضاء البحريني في الاسابيع الماضية، وبعضهم حوكم بتهم ارتكاب "اعتداءات" وصدرت أحكام بالسجن بحق العشرات منهم، وأسقطت الجنسية عن بعضهم.
عملياً، إنّ ما تغيّر جوهرياً أمس تمثّل في أنّ الحكومة بدت كمن سئم مواصلة أسلوبه القديم المدّعي للديموقراطية والإصلاح، فقررت أن تكشر عن أنيابها التي لطالما صرفت ملايين الدولارات لمصلحة شركات العلاقات العامة بهدف إخفائها خلف ابتسامة صفراء في وجه استنكار المجتمع الدولي لانتهاكاتها المستمرة. وجدير بالذكر أنّ وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد، ردّ قبل يومين على خطاب المفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، الذي انتقد قمع البحرين لمواطنيها، مغرّداً: "لا حول له ولا قوة". وأضاف أن دولته لن تضيّع وقتها بالاستماع إلى كلمة الحسين.