كل كلمة ينطق بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أصبحت «قيد المتابعة». قبل يومين، قال لقناة «سي أن بي سي» التلفزيونية: «لا نريد أن يكون بضعة لبنانيين السبب في تسميم صورة لبنان وتشويهها في الأسواق المالية». هذا الكلام أدرجته كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها أمس ضمن «مواقف سلامة المريبة والملتبسة»، مشيرة إلى أن الأميركيين يمارسون سياسة الابتزاز والضغوط المتعددة، وبينها الضغوط المصرفية على المقاومة وجمهورها، «وقد وجدت الادارة الاميركية في بعض القطاع المصرفي اللبناني ضالتها لتحقيق سياساتها».خلف هذا الهجوم تقع مجموعة مواقف وسلوك استدعت تصعيد اللهجة ضدّ سلامة، إذ تقول مصادر قريبة من الحزب إن «بعض المصارف أغلقت أو جمّدت الحسابات العائدة لمؤسسات اجتماعية وتربوية قبل أن ترسل الملفات المعللة لهيئة التحقيق الخاصة طبقاً لما ورد في الإعلام رقم 20، بل هي تعمل اليوم على إرسال ملفات إلى الهيئة». وتشير إلى أن «عشرات الحسابات باتت مقفلة عملياً، إذ لا يمكن تحريكها رغم أنه لا يحق لأي مصرف أن يقوم بهذا الأمر طالما أن هيئة التحقيق الخاصة لم تمنحه الإذن بإقفال الحسابات أو عدم إقفالها».
في رأي الحزب، إن هذا السلوك مخالف للمادة الثانية من الإعلام رقم 20 التي تنص على أن «كل من يخالف القانون سيتعرّض للملاحقة أمام الهيئة المصرفية العليا»، لكن هذا الأمر لم يدفع سلامة إلى التحرّك ومعاقبة المخالفين، وخصوصاً أن ثاني أكبر مصرف لبناني هو بين بضعة مصارف أقفلت حسابات، فيما تراجعت مصارف أخرى عن محاولتها.
ويأتي موقف حزب الله غداة جلسة عقدتها صباح أمس هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان خُصّصت للمداولة بالملفات الواردة من أحد المصارف في إطار تطبيق الإعلام الذي يفرض على المصارف والمؤسسات المالية إبلاغ الهيئة قبل إقفال أو تجميد أو الامتناع عن فتح حسابات تدّعي المصارف أنها خاضعة للقانون الأميركي الرامي إلى «منع تمويل حزب الله دولياً».
«لبنان والمهجر» هو من بين بضعة مصارف أقفلت حسابات، فيما تراجعت مصارف أخرى عن محاولتها

مداولات أعضاء الهيئة، وفق مصادر مطلعة، كانت سريعة ومن دون نقاش واسع، ما يوحي بأن هناك اتفاقاً مسبقاً بينهم على المعايير التي ستُطبق لتنفيذ مضمون الإعلام رقم 20. وقد نتج من هذا الاتفاق تحييد حسابات نواب حزب الله والمؤسسات الخيرية المشتبه في ارتباطها به. وبحسب مسؤول في مصرف لبنان، فإن الهيئة «ستتصرف بعقلانية وبانفتاح تجاه تطبيق القانون الأميركي وبمسؤولية تجاه الشيعة في لبنان»، مشيراً إلى أن قرارات هيئة التحقيق الخاصة لن تكون «رمادية»، بل هي ستمتنع عن الإجابة خلال مهلة 30 يوماً إذا تكوّن لديها الاقتناع لإقفال الحساب أو الامتناع عن فتحه، أو ستطلب من المصارف عدم إقفال الحساب.
اللافت أن بعض المصرفيين رفضوا اعتبار الإعلام ملزماً للمصارف في ما خصّ فتح الحسابات وإقفالها وتجميدها، إذ قال رئيس مجلس إدارة البنك اللبناني السويسري تنال الصبّاح لـ«الأخبار» إن «قانون النقد والتسليف لا يعطي مصرف لبنان هذا الحق».
في الواقع، لم تتوقف الهواجس والأسئلة والاستفسارات منذ صدور القانون الأميركي في 18/12/2015، وصدور مراسيمه التطبيقية في 15 نيسان 2016، إذ طغت الضبابية على القانون ومراسيمه التي تهدف إلى منع ولوج حزب الله إلى النظام المالي العالمي، لكنه لم يحدّد إذا ما كان القانون ينطبق على المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي يديرها الحزب، مثل المؤسسات التربوية والطبية والعاملين فيها، ولم يحدّد إذا كان الأمر ينطبق على الحسابات المستخدمة حصراً لتمويل نشاطات حزب الله أو المستخدمة بصورة شخصية من أفراد في الحزب يتقاضون رواتبهم من الحكومة اللبنانية.
كل هذه التوضيحات كانت مطروحة للنقاش خلال الأسابيع الماضية، وخصوصاً بعدما أصدر مصرف لبنان التعميم 137 الذي يطلب من المصارف تطبيق القانون الاميركي وإبلاغ هيئة التحقيق الخاصة بالحسابات المقفلة أو المجمدة أو تلك التي امتنعت عن فتحها للزبائن المشتبه فيهم. عندها اعتبر حزب الله أن سلامة «نكث» بالوعد الذي قدّمه لهم بمنع إغلاق حسابات الليرة، ومنع التعسّف ضدّ الزبائن... ثم جاءت معالجة المشكلة ببيان أصدره سلامة من باريس ثم كرّسه في لقاءات عديدة مع نواب من حزب الله ومع جمعية المصارف وفي الجلسة التي عقدتها هيئة التحقيق الخاصة في 26/5/2016، إذ أصدرت الإعلام رقم 20 «توضيحاً لتعميم مصرف لبنان رقم137 المتعلق بأصول التعامل مع القانون الأميركي حول منع ولوج حزب الله إلى المؤسسات المالية الأجنبية وغيرها، وتداركاً لحصول أي إجراء أو تدبير تعسفي من شأنه الإضرار بمصالح المودعين والعملات، سيما عند إقفال حساب أي منهم والامتناع عن فتح حسابات لهم أو عدم التعامل معهم، كل ذلك بصورة غير مبرّرة أو بحجة تفادي التعرض للمخاطر».




كتلة الوفاء: لن تنالوا من جمهور المقاومة


قالت كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها أمس إن سياسة الابتزاز والضغوط المتعدّدة التي تعتمدها الادارة الاميركية مع دول وقوى مختلفة تلتزم مواقف مناوئة لسياساتها، «لن تنفع إطلاقاً في ليّ ذراع حزب الله وتغيير مواقفه الرافضة للاستبداد والظلم اللذين تمارسهما الادارات الاميركية عن سابق قصد وإصرار عبر دعمها الاستراتيجي المتواصل لإسرائيل التي تمثل نموذج الكيان الارهابي في العالم، وعبر استخدامها وتوظيفها لفصائل الارهاب التكفيري وحماية الدول الاقليمية الداعمة لهذه الفصائل».
هذا يعني أن الإدارة الأميركية «لا توفر فرصة للنيل من المقاومة وجمهورها، وقد وجدت في بعض القطاع المصرفي اللبناني ضالتها من أجل تحقيق سياساتها». وأكدت الكتلة أن هذا الاستهداف الجديد للمقاومة وجمهورها «سيبوء بالفشل»، إلا أنها حمّلت «الحكومة والمصرف المركزي» مسؤولية «حماية سيادة لبنان واستقراره النقدي والاجتماعي». وأضافت: «الموقف الأخير لحاكم المصرف المركزي جاء ملتبساً ومريباً، وهو يشي بتفلت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية، ولذلك فإننا نرفضه جملة وتفصيلاً. وعلى الجميع أن يدرك أن جمهور المقاومة ومؤسساته التربوية والصحية عصيّ على محاولات النيل منه من أي كان مهما علا شأنه».