لا جدال في أنّ سوريا هي التي تقف وراء الزيارات المتكررة للمسؤولين الإسرائيليين لروسيا، مهما كانت عناوينها مخالفة لذلك. ليس صدفة في العالم السياسي الذي تندر أو تنتفي فيه الصدف، أن يتكثف الحراك الإسرائيلي نحو موسكو، بعد التدخل الروسي في سوريا، فيما كان نادراً، أو حتى غائباً، قبل هذا التدخل.أدركت تل أبيب جيداً، منذ أن بدأ التدخل الروسي، أنّ موسكو باتت لاعباً أساسياً في سوريا، بمعنى أنها باتت جزءاً مركزياً ورئيسياً من القوى الاقليمية المحيطة بها. وأدركت أيضاً أنّ ترتيب مستقبل سوريا، وأيضاً مرحلة ما قبل الترتيب، يمرّ حكماً عبر الارادة الروسية. من هنا، جاء السعي الملحّ نحو تمتين العلاقات بين الجانبين، مع رهان على التأثير في موقف موسكو لتحقيق المصالح الإسرائيلية، أو في حد أدنى، تقليص الأضرار حولها.
تراهن إسرائيل على عدم وجود عداوة بين الجانبين

أيضاً لم يكن بعيداً عن إدراك تل أبيب أن الولايات المتحدة لا ترغب – في الحد الأدنى ــ اتباع سياسة الصدام والتصدي لروسيا في سوريا. فكان لزاماً عليها، أي إسرائيل، أن تتبع سياسة مشابهة لسياسة الاميركيين. فالمصلحة أن لا تصطدم بروسيا في سوريا، وأن تحاول جذبها إلى جانبها. روسيا كما تراها إسرائيل، وهي كذلك، معبر وممرّ لأي صيغة لسوريا، ومن خلال التعامل الايجابي معها، قد يقود إلى تحقيق المصالح الإسرائيلية. إلى جانب ذلك وبالتوازي، تبقى المساعي الإسرائيلية الحثيثة أيضاً مع الجانب الأميركي، المؤثر كذلك في الساحة السورية.
التفسير القائم على النتائج التكتيكية لزيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الرابعة إلى موسكو خلال عام واحد، التي تخللتها زيارة الرئيس الاسرائيلي ايضاً، إضافة الى الوفود العسكرية الإسرائيلية الرفيعة بشكل دوري، هي محاولة قراءة عاجزة عن إدراك وتفسير الحراك الإسرائيلي المكثف نحو روسيا. لا يمكن لمجرد «التنسيق» العسكري حول الطلعات الجوية ومنع الاحتكاك في السماء السورية أن يفسر هذا الحراك، وإن كان في جزء منه مخصّصاً لمثل نتائج تكتيكية كهذه.
المسعى الإسرائيلي، الاستراتيجي، مرتبط بمجمل الساحة السورية وتطوراتها، ومستقبل سوريا ونظامها المقبل، ضمن التسوية التي تسعى إليها الاطراف وتتجاذب حولها. تسعى تل أبيب إلى أن يأتي كل ذلك متوافقاً مع مصالحها، وفي حد أدنى أن لا يكون متعارضاً معها. هذا ما شدد عليه نتنياهو في السابق وما زال، ومن بينها الموقف الصادر في 28 نيسان الماضي، تعليقاً في حينه على اتفاق وقف اطلاق النار في سوريا: «كل اتفاق حول سوريا يجب أن يلبّي مصالح إسرائيل»، لافتاً فقط الى الجزء المعلن من هذه المصالح، التي يعبّر عنها إسرائيلياً بـ«الخطوط الحمراء»، وذلك عبر تشديده على أن «كل اتفاق (حول مستقبل سوريا) يجب ان يشمل وقف عمليات إيران المعادية لإسرائيل من سوريا، ونقل السلاح الى حزب الله، وفتح جبهة ضد إسرائيل في الجولان». أما الاجزاء غير المعلنة، فيمكن استشرافها من المعلن، إذ لا يبعد انها ترتبط بهوية النظام المقبل في سوريا وموقفه من إسرائيل ومحور المقاومة، وضمان بقاء الجولان في قبضتها، بعد التسوية معها.
وإذا كان الاعلام العبري لا يتطرق، بشكل تفصيلي، إلى العلاقات والمساعي الإسرائيلية والزيارات البينية ونتائجها الاستراتيجية مع روسيا، ويحرص على التفصيل في النتائج التكتيكية، إلا أنّ صحيفة «يديعوت احرونوت»، في تعليق نادر، أشارت ايضاً بتاريخ 28/04/2016، ونقلاً عن «محافل رسمية إسرائيلية»، إلى أنّ «التدخل الروسي في سوريا منح إسرائيل فرصة ذهبية من خلال دور موسكو الحاسم في التحديد النهائي لمستقبل سوريا، إذ يسود الاعتقاد تل أبيب بأن بوتين سيحرص على أن يتم ذلك بشكل لا يفضي إلى الإضرار بمصالح إسرائيل».
هل يمكن لإسرائيل أن تراهن على ذلك؟ نعم بلا جدال، بغض النظر عن النتيجة النهائية لهذه المساعي. الزيارات المتكررة والمواقف المتكررة، وتنمية العلاقات، وشبه إقامة للمسؤولين العسكريين الإسرائيليين في موسكو، كلها تخدم هذا الاتجاه.
تراهن إسرائيل، في مساعيها، على عدم وجود عداوة بين الجانبين، بل بعبارة أدق، وجود صداقة بينهما. وهي ترى أن ما يجمع تل أبيب بموسكو أكثر بكثير مما يفرقهما، رغم العلاقة الخاصة القائمة مع الأميركيين. كذلك يراهن الإسرائيليون على أن المطالب في سوريا، كما يرونها هم في حد أدنى، لا تتعارض مع المصالح الروسية فيها، الامر الذي يتيح لهم، ويدفعهم أكثر، إلى السعي المكثف لدى الروس، وبوتيرة عالية جداً.
يضاف إلى ذلك جهود إسرائيلية غير مسلط الضوء عليهاً كثيراً، هي رديفة للزيارات والمحادثات المعلنة والمغلقة بين الجانبين، وتحديداً ما يتعلق بمجالات تعاون من أنواع اخرى، تطلبها موسكو وتحرص تل ابيب على تفعيلها وتنميتها، خدمة لأهداف جلب روسيا إلى جانبها، إذ يكشف مصدر إسرائيلي مسؤول لصحيفة «يديعوت احرونوت» أنّ الرئيس الروسي يراهن ايضاً على تعزيز التعاون مع إسرائيل في الكثير من المجالات الاقتصادية، وأيضاً في مجال «الامن الاقليمي» والتعاون في المجال التقني والتكنولوجي وغيره.