كلود مرجي: ترتسم خطّة لتغيير معالم جبيل وتحويلها إلى سوليدير ثانية
منذ بداية عهد زياد حوّاط في رئاسة بلديّة جبيل عام 2010 وحتى اليوم، اختلفت المدينة كثيراً. ارتدت عباءة الحداثة. أصبحت a la mode لتستأهل شعار "جبيل أحلى". أُهمل طابعها التاريخي وحضارة السبعة آلاف سنة. باتت "مدينة الحرف" مقصداً لروّاد السهر أولاً، ومدخّني النرجيلة ثانياً... والسيّاح أخيراً، وأضحت تضيق شيئاً فشيئاً على سكانها.
كل الأملاك العامّة مستباحة، بعدما وضعت المشاريع الخاصّة اليد عليها، وفرضت "خوّات" لدخولها؛ من الشاطئ إلى السوق القديمة مروراً بالساحات العامّة والحدائق. احتلتها طاولات المطاعم وكراسي مرابع السهر. لم يبقَ فيها إلّا منفذٌ واحدٌ إلى بحرها الجميل والغني. ساحة الأونيسكو "العامّة" استبدلت بالمقاهي "الخاصّة"، وبدأ ستف "شارع الثقافة" بالأرضيّات الخشبيّة الغريبة. رصيف الميناء وباحة القلعة الأثريّة تحوّلا مواقف للسيّارات، وكذلك حديقة "الشامي" التي اقتلعت أشجارها وزفتت وتحوّلت موقفاً للباصات. حتى تمثال مارون عبود لم يجد مكاناً له إلّا فوق الحمامات العامّة. الحرقة واضحة على وجوه أصحاب الحرف والمحال القديمة، هؤلاء لا يزورهم سائحٌ إلّا نادراً. والآن ينتظرهم مجمّع تجاري ضخم، يبنيه رئيس بلديتهم شخصياً، بشراكة مع شقيقه نبيل صهر رئيس الجمهوريّة السابق ميشال سليمان.
رئيس بلدية جبيل: صحيح أنني أملك المشروع ولكن أخي هو الذي يديره

الكنيسة تؤجّر الأرض

بدأ التحضير لنصب الـBurgundy Mall، حامل شعار شجرة "جبيل أحلى" في وسط المدينة منذ عام 2011، عندما قدّم الشقيقان حوّاط طلباً لاستئجار أرض من دير سيّدة المعونات، التابع لوقف الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، الذي كان يرأسه في تلك الفترة الأب شربل بيروتي.
وفق النظام الكنسي، على من يرغب في الاستثمار بأرض تابعة للبطريركيّة عليه أن يقدّم طلباً شخصياً، وأن يُتبع باجتماع للمجمع الديري للرهبان، الذين يرفعون بنهايته تقريراً إلى الرئاسة العامّة. حصل ذلك في عهد الرئيس العام الأباتي طنوس نعمة صديق الرئيس سليمان. وبما أن مدّة عقد الإيجار تتخطّى تسع سنوات، وتصل إلى 27 سنة، مع سنتي سماح، يُمكن تجديدها بعد مفاوضات جديدة، أُحيل الملف على الفاتيكان، الذي أجرى تحقيقين قبل الموافقة على العقد. وقّع عليه الأب ميلاد طربيه عام 2014 بعد أسابيع من تسلّمه رئاسة الدير خلفاً لبيروتي.
تبلغ مساحة الأرض 25 ألف متر مربّع، هي عبارة عن بساتين من الموز والليمون قبل المباشرة بحفرها، كان يتم استثمارها زراعياً بريع يتخطّى عشرة ملايين ليرة سنوياً، ويستفيد من محاصيلها بعض المزارعين والدير.
ينفي الأب طربيه وجود أي اعتراضات على العقد خلال فترة دراسته "بسبب جدواه الاقتصاديّة". كما ينفي أن تكون قد مورست ضغوطاً لتمريره بحكم نفوذ المستثمرين، ويقول لـ"الأخبار" إن "آلية الموافقة على عقد إيجار تتخطّى مدته تسع سنوات بحاجة لموافقة الفاتيكان، وهذا ما حصل، وكلّ ما يخالف ذلك من أقاويل هو مجرّد افتراءات، كما أن قيمة الإيجار عادلة".
بحسب معلومات "الأخبار"، ينص العقد الذي وقّعه الأب ميلاد طربيه مع الأخوين حوّاط على سنتين سماح مخصصتين لاعمال الانشاء، ولا تدخلان في احتساب مدة الايجار البالغة 27 سنة. تتصاعد القيمة التأجيريّة كلّ ثلاث سنوات، تبدأ بنصف دولار شهرياً للمتر المربع خلال سنتي السماح الأوليين، أي 6$ سنوياً للمتر المربع، وصولاً إلى 3$ شهرياً في السنوات الثلاث الأخيرة من فترة العقد، أي 39$ سنوياً للمتر. أي بمعدل وسطي عام يبلغ 24$ سنوياً أو 2$ للمتر المربع شهرياً. فيما تبلغ تكلفة المشروع 60 مليون دولار. المموّل الأساسي هو رجل الأعمال الطرابلسي يوسف فتّال، الذي يدير مشاريع تطويريّة عدّة منذ عشرين عاماً في نيجيريا، وهو صاحب مشروع "Tripoli Sea Land"، الذي سعى لبنائه في أرض يملكها عن طريق الضمّ والفرز على شاطئ طرابلس، وحاول الترخيص لنفسه ردم 143 ألف متر مربّع داخل البحر بارتفاع 80 متراً. لكنه سقط بالتصويت، بعدما طرح 16 مرّة خلال عام واحد على جدول أعمال المجلس البلدي في طرابلس، وذلك لما يتضمّنه من مخالفات تصل إلى أربعين مخالفة للأنظمة المرعية الإجراء في طرابلس (http://al-akhbar.com/node/196936).

"سوليدير" الأخوين حوّاط
تتصاعد القيمة التأجيريّة: تبدأ من نصف دولار للمتر وصولاً إلى 3$ شهرياً

تتخوّف الباحثة في السياحة المستدامة كلود مرجي من "سوليدير ثانية" تجتاح مدينة جبيل، هي التي ترشّحت في دورة الانتخابات البلديّة الأخيرة منفردة ضمن حملة "مواطنون ومواطنات في دولة" في وجه لائحة حوّاط مانعة عنه الفوز بالتزكية، باعتبار أن "نهج السنوات الست الماضية لا يبشّر خيراً. هناك خطّة ترتسم لتغيير معالم جبيل، وتحويلها إلى سوليدير أخرى من خلال تغيير هويتها الثقافيّة والاجتماعية والاقتصاديّة، وتهجير أهلها. تبدأ من المسّ بحقوق الناس، واستباحة الأملاك العامّة من شواطئ ومساحات داخليّة ملاصقة للمدينة القديمة بغطاء من البلديّة، قبل أن يضاف إلى معاناة الجبيليين مشروع المول الجديد".
تعبّر مرجي عن خشيتها من المجمّع وتسأل عن المنفعة التي يجنيها أهالي جبيل طالما المستفيدين من أرباحه هما الشقيقان حوّاط حصراً. تذكّر بأزمة السير التي أحدثها الـCity Mall في محلّة الدورة والتعديات على الأملاك العامّة التي تمّت لحلّ مشكلة المرور، والأزمة الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي هجّرت أهالي الأشرفيّة بعد إنشاء الـABC في وسطها. وتحذّر من مخاطره الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة؛ أولاً لأن بناءه يتمّ على أرض غير بعيدة من المدينة القديمة وقد تحوي آثارات. ثانياً لخنقه 10 اتجاهات مرور كونه موجوداً على "نجمة سير" تليها إشارة وقوف ومن ثمّ مدخل المدينة من الأوتوستراد، وكل ذلك على طريق امتدادها لا يتخطّى الـ150 متراً، ما يحتمّ تغيير مسارات السير واستحداث مداخل للمجمّع عبر استملاك مساحات عامّة وخاصّة محيطة به. ثالثاً لتهجيره تجّار السوق القديمة والمدينة الأثرية وأصحاب المحال المواجهة للمشروع. رابعاً كون إيجار المتر المربع المبني الواحد يصل إلى 800$ وهي تكلفة عاليّة على الجبيليين، ما يحتمّ إحلال تجّار محلهم ليسوا من المدينة، ورفع قيمة الأراضي وكلفة المعيشة. خامساً تأجير أرض الوقف بسعر بخس لتنفيذ مشروع بقيمة 60 مليون دولار أميركي تعود أرباحه لرئيس البلديّة وشقيقه، ما يُعتبر صرف نفوذ مخالف للقانون، كونه ينشئ مصلحة خاصة داخل نطاق بلديّته. سادساً لوجود موقف لـ1500 سيّارة في المجمّع ما يخفّف حركة السير في السوق القديمة وتالياً الحركة التجاريّة فيها، ما تعتبره فرصه سانحة لتهجيرهم وتحويل كلّ السوق إلى مطاعم خاصّة تستوفي البلديّة ضرائب منها.
شقيق رئيس البلدية: فضّلنا جبيل لإنشاء المول خدمة لأهاليها!

حوّاط: يحاربوننا بأعمالنا!

لا يجد رئيس بلديّة جبيل في المول أكثر من مشروع تجاري، ويترك التحدث في تفاصيله لشريكه وشقيقه نبيل. يلتبس لديه تحديد مفهوم السياسة والشأن العام والمصلحة العامة، ويقول لـ"الأخبار": "أنا أتعاطى في السياسة لا التجارة التي أتركها لأخي". كأن تضارب المصالح وصرف النفوذ والمنفعة الخاصة تقتضي من رئيس البلدية إجراء شكلياً يقتصر على تسليم ادارة منافعه الشخصية لشقيقه. ولكن ماذا عن مسؤولية رئيس السلطة المحلية عن الآثار الاقتصاديّة والاجتماعيّة المترتبة عن مشروعه الخاص في نطاق سلطته البلدية؟ يعتبر زياد حوّاط أن المشروع لن يضارب على مصلحة الجبيليين، ويتساءل: "هل صفتي كرئيس بلديّة تمنعني من تطوير أعمالي الخاصة؟ أم المطلوب أن أسرق من البلديّة لأعيش كما يفعل كثيرون؟". بالنسبة له تضارب المصالح غير موجود في حالة المجمّع الذي ينشئه "صحيح أنني أملك المشروع ولكن أخي هو الذي سيديره". ولا تعنيه الانتقادات على أداء البلديّة باعتبار أن "صناديق الاقتراع عبّرت عن رأي الجبيليين، 90% من المقترعين صوّتوا لنا تعبيراً عن ثقتهم فينا ورضاهم عن أدائنا".
أمّا بالنسبة الى شقيقه فالهدف من مشروعهما هو "خلق فرص عمل جديدة. كان بإمكاننا إنشاؤه في البربارة أو في جونية حيث تكون أرباحنا مضاعفة، ولكننا فضّلنا جبيل خدمة لأهاليها". ينفي شقيق رئيس البلدية أي ضرر يرتّبه المجمّع التجاري على التجّار لأن ما سيحويه غير موجود في السوق القديمة، إذ "يؤمن مواقف لـ1530 سيارة، و300 وظيفة. ويحتوي على 8 صالات سينما، ونادٍ رياضي. وهناك 3500 متر مربّع مخصّصة للتسلية، و7500 متر مربّع للتجارة بالماركات العالميّة التي لها زبائنها". يؤكّد حرصه على الآثارات، باعتبار أن عمليّة الحفر تتمّ ببطء وبإشراف مديريّة الآثار. أمّا بالنسبة الى أزمة السير فقد "استعنا بشركة إنكليزيّة لدراسة حركة السير في كل المدينة، بغية إنشاء بنى تحتيّة جديدة تستوعب الحركة المتوقعة. نحن نريد أن نكون مقصداً لمن يلبي المجمّع احتياجاته، ولمن يبحث عن التسليّة".
العقد المبرم مع دير المعونات هو الأكبر في تاريخ الرهبانيّة المارونيّة، بحسب ما يقول حوّاط، باعتبار أن الإيجار غالٍ، بمعدّل عام يصل إلى 600 ألف دولار سنوياً أي 25 دولار للمتر سنوياً. ويضيف: "من المعيب الافتراء علينا، لقد دفعنا إيجار الأرض أكثر من قيمة شرائها". ويردّ حوّاط الانتقادات إلى هجوم سياسي ممنهج عليهم باعتبار أن "المعترضين قلّة. هؤلاء لم يجدوا ما ينتقدوا به أداءنا، لذلك يحاربوننا بالـbusiness الخاصّ بنا". ويستطرد قائلاً: "مستثمرون كثر يضعون جبيل على خريطة توسيع أعمالهم، ولو لم نفتتح نحن هذا المول لكان غيرنا قد فعل ذلك".




BYBLOS BURGUNDY MALL

من المتوقّع أن يفتتح الـBURGUNDY MALL عام 2017. تملكه شركة "حوّاط للاستثمار". الشقيقان نبيل وزياد حوّاط، المساهمان الأساسيان فيه، مع المستثمر يوسف فتّال. تبلغ قيمة الاستثمار نحو ستين مليون دولار أميركي، من ضمنها تكلفة إيجار الأرض. وتقوم الفكرة الأساسيّة للمشروع على جعله شبيهاً بسور جبيل القديم، خصوصاً أن تصاميمه الداخليّة مشابهة لشوارع السوق القديم، حيث من المتوقّع أن يستقطب زبائنه من طرابلس وكسروان.
يتألف المجمّع من ثلاث طبقات فوق الأرض، تمتدّ كلّ منها على مساحة تتخطّى 17 ألف متر مربّع، وسيضمّ أيضاً ثلاث طبقات تحت الأرض مخصّصة لمواقف السيارات التي ستتسع لنحو 1500 سيارة. تبلغ المساحة التأجيريّة في كلّ طبقة نحو 9 آلاف متر مربّع، وستخصّص مساحة 8 آلاف متر مربّع للمساحات المشتركة، علماً بأن بدل إيجار المتر الواحد المبني سيراوح بين 600-800$، وقد حُجز نحو 85% من هذه المساحة حتى الآن. سيتضمّن المول محالّ تجاريّة، ومطاعم، ومساحات للعب والتسليّة على مساحة 3500 متر مربّع، إضافة إلى نادٍ رياضي، كذلك خُصّصت مساحة 4500 متر مربّع لإقامة 8 صالات سينما بإدارة EMPIRE CINEMAS، فيما يجري التفاوض مع كلّ من النائب روبير فاضل صاحب الـABC، وشركة LE MALL لإدارة المشروع. واتُّفق مع شركة ERGA GROUP على تصميم المول هندسياً، وهي مملوكة من رئيس بلديّة غلبون إيلي جبرايل، شقيق القيادي في التيار الوطني الحرّ غابريال جبرايل.





تطور بدلات الإيجار

تبلغ القيمة التأجيريّة خلال السنتين الأوليين (فترة السماح) المخصّصتين للمباشرة بالحفر والبناء 150 ألف دولار سنوياً، أي 6$ للمتر المربع الواحد. بين السنوات الثالثة والخامسة ترتفع القيمة الى 250 ألف دولار، أي 10$ للمتر المربع الواحد سنوياً. بين السنوات السادسة والثامنة ترتفع الى 320 ألف دولار سنوياً، أي حوالى 13$ للمتر المربع الواحد. ثم ترتفع بين السنوات التاسعة والحادية عشرة الى 390 ألف دولار، أي حوالى 15$ للمتر المربع سنوياً. بين السنوات الثانية عشرة والرابعة عشرة ترتفع القيمة التأجيرية السنوية الى 460 ألف دولار، أي 18$ للمتر المربع سنوياً. بين السنوات الخامسة عشرة والسابعة عشرة ترتفع الى 530 ألف دولار، أي 21$ للمتر المربع الواحد سنوياً. بين السنوات الثامنة عشرة والعشرين ترتفع الى 600 ألف دولار، أي 24$ للمتر المربع سنوياً. والى 840 ألف دولار سنوياً، بين السنوات الحادية والعشرين والثالثة والعشرين، أي 37$ للمتر المربع سنوياً. وبين السنوات الرابعة والعشرين والسادسة والعشرين ترتفع الى 910 آلاف دولار، أي 36$ للمتر المربع. وبين السنوات السابعة والعشرين والأخيرة من الاستثمار تصل القيمة التأجيريّة إلى 980 ألف دولار سنوياً، أي 39$ للمتر المربع الواحد سنوياً. علماً أن إيجار المتر المربع المبني في المول بحسب تصريحات الحوّاط ستكون بحدود 800$ للمساحات المتوسطة.