شهدت المحادثات اليمنية اليمنية تقلبات سريعة في اليومين الماضيين، حملت إنفراجة ثم انتكاسة راجعت حظوظ اقتراب بلورة اتفاق شامل. فبعدما تسربت الأخبار من العاصمة الكويتية عن قرب الوصول إلى اتفاق يقضي بتأليف حكومة توافقية مع إقالة نائب الرئيس المعيّن أخيراً علي محسن الأحمر وإبقاء عبد ربه منصور هادي رئيساً لمدة 45 يوماً من دون صلاحيات، بالتزامن مع تشكيل لجنة أمنية تتسلم السلاح الثقيل وتشرف على الانسحاب من المدن، نفت حكومة هادي تلك الأخبار، واصفةً إياها عبر وكالة «سبأ» التابعة لها بـ«الشائعات» التي ترمي إلى خلق عراقيل أمام المفاوضات. ومن جهته، أكد المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ الأطراف عبر موقع «تويتر» أنه حان الوقت لتقدم الأطراف الحلول بعيداً عن معادلات الربح والخسارة.ويوم أمس، بدا لقاء وفد صنعاء بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني يزيد من تلبّد الأجواء، حيث قالت مصادر مطلعة على سير اللقاءات إن الزياني مارس ضغوطاً على أعضاء الوفد لقبول شروط الطرف الآخر.
المشهد المذكور يطرح تساؤلات عدة حول الجدية لدى طرفي الأزمة في الوصول إلى حل شامل لها. وإذا توافرت الجدية المطلوبة، فهل تمتلك الوفود في الكويت قدرة النزول عن سقوف الحد الأعلى المتمثلة بأوراق القوة لكل منها؟ وما هو الحدّ الأدنى غير المسموح بتجاوزه الذي يُعدّ تفريطاً بالمكتسبات؟
في البداية، يجب الإطلالة من جديد على الأهداف التي شنت السعودية حربها على اليمن من أجلها. تلك الأهداف كانت تقضي بإنهاء وجود «أنصار الله» من الشمال وحصرهم في جبال مران وعدم الاعتراف بهم وبكونهم مكوناً سياسياً رئيسياً في البلد، بالإضافة إلى إعادة «شرعية هادي» إلى صنعاء وممارسة صلاحياته منها.
بعد مضي سنة وشهرين على الحرب، أفشل الجيش واليمنيون هذه الأهداف، بالتزامن مع تسبب استمرار الحرب في استنزاف جيش السعودية واقتصادها، بالإضافة إلى صورتها التي تشوهت أمام الرأي العام على خلفية مجازرها في اليمن.
في المقابل، حددت «أنصار الله» وحليفها «المؤتمر الشعبي العام» أهدافهما بإحباط أهداف العدوان وقد نجحا في ذلك، مع دعوتهما الدائمة إلى حوار وطني يفضي إلى حكومة شراكة وطنية تمثل مكونات الشعب اليمني.
وأجرت الأطراف اليمنية والسعودية برعاية أممية وإقليمية عدداً من الحوارات في سلطنة عمان ومؤتمرين في جنيف، إلا أن تلك الحوارات كانت أقرب إلى اختبار القوة للطرف اليمني منه إلى الوصول إلى اتفاقات شاملة. وفي كل مرة كان الطرف اليمني يستجيب لدعوات الحوار حرصاً منه على وقف إراقة الدماء، وحتى لا يتهم بعرقلة الحلول والتفاهمات.
اعترفت الرياض بـ«أنصار الله» كإحدى أبرز القوى اليمنية

بعدما تأكد للسعودية أن آلتها العسكرية ومنظوماتها الإعلامية والسياسية وصلت إلى طريق مسدود بعدم القدرة على تحقيق أي من أهدافها، تخلّت عن حالة الإنكار واتجهت إلى البحث عن مخارج سياسية لإنهاء العدوان مع إدراكها صعوبة الاستمرار به. على الأثر، لجأت إلى محاورة «أنصار الله» على الحدود بين البلدين، ومن ثم انتقل الحوار بشكل موسّع إلى الكويت، مع الاستمرار في العدوان ولكن بوتيرة مخفّضة، لإبقائه مع الحصار والمعاناة الانسانية أوراقاً تحصّل عبرها أكبر قدر ممكن من المكاسب.
وافق «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام» على تطبيق قرار الأمم المتحدة 2216 ولا سيما البند المتعلق بسحب السلاح الثقيل وبالانسحاب من المدن، مترافقاً مع تأليف حكومة وفاق وطني تشرف على ذلك البند، متمسكين برفض تنفيذه تحت السلطة الحالية. ويبقى مصير هادي وإبقاؤه لأسابيع منزوع الصلاحيات حتى يجري الاتفاق على نائب يحل محله.
ويحذر المراقبون من خطوة كهذه (القبول ببقاء هادي) خوفاً من تملّص السعودية في المستقبل من مسؤولية العدوان ومن التزام دفع تعويضات الحرب وتبعات ذلك على المستويين الإنساني والدولي. في هذا الإطار، تحاول الأمم المتحدة إيجاد مخرج باعتبار إبقاء هادي 45 يوماً منزوع الصلاحيات مسألة شكلية، وتطرح بدل تحميل السعودية مسؤولية الحرب الإعداد لمؤتمر دولي لإعادة الإعمار.
في حال موافقة وفد صنعاء على البقاء المؤقت لهادي حتى ولو شكلاً، سيُعدّ ذلك تنازلاً ولكنه يبقى ضمن سقف معقول بهدف وقف النزيف، وهذا التنازل لن يلامس الحد الادنى.
في المحصلة وفي ضوء النقاشات السياسية التي يسلك الاتفاق المنتظر طريقها، الأكيد أن السعودية تنازلت عن هدف القضاء على حركة «أنصار الله» واعترفت بها كإحدى أبرز القوى اليمنية، وهي تتفاوض معها حالياً على حكومة ستشارك فيها الحركة اليمنية ويبقى الحجم الذي ستتمثل به ليتحدد لاحقاً.
أما المماطلة التي تشهدها المحادثات، فهي تعود إلى إغراق الرياض هذه الجولة وأي جولة مقبلة بالتفاصيل والعراقيل عبر حلفائها اليمنيين، ومن أبرز الأمثلة على هذا الأداء ما يجري في ملف قضية الأسرى والمعتقلين، إذ إن وفد الرياض رفض أمس لليوم التالي تقديم إفادته بخصوص كشوفات المعتقلين التي قدمتها لجنة الأسرى والمعتقلين المشكلة من الوفدين.