يبدو أن النار السعودية فوق رؤوس اليمنيين لم تبلغ ذروتها بعد. منسوب حمّام الدم اليمني سيبقى إلى ارتفاع، إذ إن المملكة حسمت خيارها، هي تريد للحرب أن تستعر أكثر، على الأقل حتى نهاية هذا الشهر، موعد لقاء جنيف بين الفرقاء اليمنيين.«مؤتمر الرياض» لم يقدم في ختامه إلا صيغة محدثة لعناوين «عاصفة الحزم». هو جدّد تأكيد شرعية عبد ربه منصور هادي وحكومته، وطالب «أنصار الله» بالانسحاب من المناطق التي تنتشر فيها «اللجان الشعبية» والجيش اليمني، وتسليم مراكز السلطة والسلاح، إعادة العمل بالمبادرة الخليجية، وأخيراً - وهنا النقطة الأخطر - دعا إلى إعادة هيكلة الجيش وتأسيسه.

والمعنى واضح عند هذه النقطة: فرط عقد الجيش الحالي وإعادة تأليفه بما يلبي الرغبات السعودية. البيان الختامي للمؤتمر، جمع الأضداد اليمنية من أجل شرعنة استمرار العدوان السعودي على اليمن. لم يترك المؤتمر الباب موارباً حتى لطروحات أخرى، إذ قررت السعودية في استعراضها جمع بعض شتات القادة اليمنيين والذهاب بعيداً في عدوانها.
الجيش و«اللجان الشعبية» جهّزا العدة والعديد لإنهاء سيطرة «القاعدة» في المكلا

وبالحديث عن هؤلاء القادة، إن الشخصيات الـ 401 التي شاركت في المؤتمر ربما اتفق جلّهم على خصومة «أنصار الله»، لكنهم يفترقون في رؤيتهم لليمن. في «مؤتمر الرياض» وحدهم «الإخوان المسلمون» والسلفيون حضروا كأحزاب في وقتٍ غاب فيه الآخرون. حضر جلّهم بخجل عبر مندوبين من الصف الثاني. «الحراك الجنوبي» لم يمثل بأي قيادي بارز، حتى الرئيس السابق علي سالم البيض الموجود في الرياض لم يشارك، ولو شرفياً، رغم تقديمه الولاء لآل سعود أخيراً. خلال المؤتمر، تشابك هؤلاء وتعاركوا أكثر من مرة، بعضهم رفع الصوت ضد هادي وحقيقة شرعيته، فيما طالب الجنوبيون بحق تقرير مصير الجنوب، واتهم «الإصلاح» «الاشتراكي» بمحاباة «أنصار الله». وبطبيعة الحال، كل تلك الأحداث لم يظهرها الإعلام الخليجي.
لم يعكس هذا المؤتمر إلا تخبط السعودية في المستنقع اليمني الذي رمت بنفسها به. ولا حاجة للتذكير بتحقيقه «صفر» إنجازات في غارات العدوان الذي لم يتمكن من إنشاء منطقة حاضنة لشرعية هادي في عدن، ولم يستطع إيقاف تقدم الجيش و«اللجان الشعبية» التابعة لـ«أنصار الله» في الجنوب، بالإضافة إلى فشله في تدمير القدرة العسكرية للجيش اليمني أو «أنصار الله». وبالعكس تماماً، أصبح «أنصار الله» يحكمون السيطرة على معظم المناطق الاستراتيجية في الجنوب، وزاد التضامن والالتفاف الشعبي حول خيارات الجماعة. كذلك، إن قضية «أنصار الله» أصبحت أكثر قبولاً لدى المجتمع الدولي، ويؤكد مصدر قيادي في «أنصار الله» في هذا السياق، أن سلطنة عمان وروسيا فقط، كانتا على تواصل مع الجماعة، فيما يفتح عدد كبير من السفارات الآن قنوات الاتصال بها.
المجتمع الدولي يرى أن التحرك بات واجباً. فالسعودية استهلكت مفعول عمليتها أكثر من اللازم، والحصار على اليمن، إذا استمرّ، سيتحول إلى قنبلة موقوته في بلاد الفقر والمآسي الاجتماعية و«القاعدة» ومتفرعاتها، القتل والتدمير الممنهج صار فاضحاً ووحشياً حيث كسر كل القواعد الإنسانية.
وقبل «مؤتمر الرياض»، اتفقت واشنطن وموسكو على وجوب عقد مؤتمر لحلّ الأزمة اليمنية، ربما قررا عدم إعلانه قبل «مؤتمر الرياض» منعاً لإحراجها.
هنا يأتي دور المبعوث الدولي، الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، فدعوته إلى مؤتمرٍ للحوار في جنيف نهاية الشهر المقبل قد يكون مخرجاً للرياض من مأزقها اليمني. يعلم المبعوث الدولي أن السعودية سترفض مشاركة «أنصار الله» في المؤتمر، يدرك أنها سترفع السقف عالياً وتضع شروطاً يصعب تحقيقها، لكنه يعلم أن الأطراف كافة ستبدأ بتقديم التنازلات رويداً رويداً مع اقتراب موعده.
جنيف لن تكون الحل الموعود، لكنها ستكون الطريق لفتح ثغرة في جدار التعنت السعودي في الحرب على اليمن. «أنصار الله» كانوا واضحين جداً، يعكسون في موقفهم مدى سعيهم إلى إنقاذ بلدهم رغم الجراح والدم والمجازر التي ارتكبها النظام السعودي في بلادهم.
قالوا إنهم على استعداد للذهاب للحوار تحت مظلة الأمم المتحدة، عدم مشاركة المعتدين على اليمن في الحوار، وفتح طاولة النقاش من حيث انتهى في صنعاء بناءً على اتفاق «السلم والشراكة» وليست «المبادرة الخليجية».
سيقال الكثير وستعقد اجتماعات عدة قبل موعد جنيف، لكن في الميدان اليمني، سيكون هناك نار تلتهب في أكثر من مكان. إذ إن «أنصار الله» قررت أخيراً الرد على العدوان السعودي بالمثل، ما يعني أنه لن يكون هناك سكوت بعد الآن على الضرب والتفرج. مصدر قيادي في «أنصار» الله يؤكد لـ«الأخبار» أن الجيش و«اللجان الشعبية» سيتحركون على الحدود حيث سيقصفون أي هدف سعودي متاح.
في الساعات القليلة الماضية فقط، تمكن الجيش اليمني من السيطرة على 10 مواقع سعودية استراتيجية في جيزان وعسير وقتل أكثر من 90 سعودياً بين ضابط وجندي. ذلك ليس سوى البداية كما يؤكد المصدر، يضيف: «ستسمعون كلما سنحت الفرصة أخباراً طيبة تثلج قلوب اليمنيين».
وما يدور في ذهن الرياض حول حضرموت ليس في غفلة عن «أنصار الله»، حيث يؤكد القيادي أن السعودية تسعى إلى تهيئة الأرضية في حضرموت - سواء عبر قوات خاصة أو حلفائها - لإنشاء مقرّ للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، في سيناريو شبيه بما جرى في عدن حين انتقل إليها من صنعاء قبل أشهر. هذا الأمر لن يتحقق وفق القيادي في «أنصار الله»، إذ يؤكد أن الجيش و«اللجان الشعبية» جهّزا العدة والعديد للتوجه قريباً إلى المكلا لإنهاء سيطرة «القاعدة» عليها وإنهاء حلم هادي في الحصول على أي رقعة أرض في اليمن.
مع تقدم الأيام، تبدو «أنصار الله» أكثر ثقة في النفس. يرى قياديوها وعناصرها أن الأمور تسير لمصلحتهم على الأرض رغم المجازر السعودية المؤلمة. هم يعلمون أن السعودية خسرت الحرب والإعلان الرسمي سيأتي عاجلاً أو آجلاً. بوادر الهزيمة السعودية تتجلى، وفق المصدر القيادي، الذي يكشف عن رسائل غير مباشرة تصل إلى الجماعة من حين إلى آخر من أمراء آل سعود، «يعبرون فيها عن مواقفهم من عهد الملك سلمان».