صحيح أنه لا يمكن للبنان أن يواجه أميركا. لكن الصحيح أيضاً وأكثر أنه لا يمكن للحكومة اللبنانية أن تنأى بنفسها عن حماية شعبها. ولا أن تتخلى عن واجبها الدستوري والوطني. وواجب الحكومة الآن، يقضي بالدفاع عن اللبنانيين والحفاظ على مدخراتهم ومنع ضرب اقتصاد لبنان واستقراره، والذود عن جماعة لبنانية كاملة يمكن أن تكون مستهدفة من الخارج... هذه هي المعادلة المطروحة حيال القانون الأميركي الذي يستهدف حزب الله. وهذا ما على الحكومة اللبنانية أن تؤديه، وهو واجب. والأهم أنه ممكن ومستطاع وسهل، وهو في متناول الحكومة وحدها.تؤكد أوساط دبلوماسية غربية أن الوفود اللبنانية التي زارت واشنطن، للبحث في القانون الأميركي المقصود، لم تذهب للدفاع عن حزب الله. اكتفت بالاستفسار عن حيثيات القانون، ومحاولة استشراف سبل تطبيقه. علماً أن الزوار اللبنانيين حرصوا على نقل قلق لبناني، من أن يؤدي تنفيذ مندرجات ما صدر في واشنطن، إلى ضرب الاستقرار اللبناني، اقتصادياً أو مصرفياً أو مالياً ونقدياً. غير أن أي آلية جدية للتعامل مع ذلك القانون، لم تولد من تلك الزيارات المتكررة. وتضيف الأوساط نفسها أن زيارة مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون تمويل الارهاب دانيال غلايزر، إلى بيروت في الأيام المقبلة، ستكون في السياق نفسه من نقل توضيحات، لن تبلغ حد التطمينات. وتؤكد أن غلايزر سيحمل إجابة واحدة إيجابية بالنسبة للسلطات اللبنانية، وهي أن نفقات الحكومة اللبنانية، بأي شكل كانت، لا يمكن أن تكون خاضعة لأحكام القانون الأميركي ولا مشمولة بعقوباته. ما يعني، أن أي تحويل مالي صادر عن أي جهة رسمية لبنانية، إلى أي شخص حقيقي أو معنوي، فرداً كان أو مؤسسة، هو خارج نطاق الملاحقة الأميركية. وهو تفسير، في حال صحته، يؤدي على الأقل إلى حل معضلة رواتب النواب والوزراء المنتمين إلى كتلة الوفاء للمقاومة. لكن تبقى معضلات أخرى لا تقل وطأة وقلقاً.
في المقابل، ينظر خصوم حزب الله إلى القانون الأميركي، وتداعياته اللبنانية، على أنه إيذان بمرحلة جديدة كلياً وحاسمة جذرياً. حتى أن بعضهم يجري مقارنة ومماثلة بين صدور القانون 2297 ضد حزب الله في 15 كانون الأول 2015، وبين صدور قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية، في 17 تشرين الأول 2003. يقولون إن المسار سيكون هو نفسه. والتدرج سيصير متطابقاً بين القانونين. وكما انتقل "القانون السوري" من واشنطن إلى نيويورك، ليتحول هناك قراراً أممياً في 2 أيلول 2004، وليصير بعد أشهر قليلة نافذاً على الأرض في لبنان، وصولاً إلى خروج الجيش السوري من لبنان... كذلك، يحلم خصوم حزب الله، بأن القانون الأميركي الجديد، سيتدرج ويتدحرج عبر القنوات نفسها، لينتهي إلى ضرب الجناح العسكري لحزب الله في لبنان.
طبعاً لا تبدو قراءة هؤلاء مطابقة للواقع الزمني بين المرحلتين. ذلك أن كل المعادلات والموازين قد تغيرت وتبدلت، بين لبنان وسوريا سنة 2004، وبين سوريا ولبنان سنة 2016، مع كل ما يرتبط بهذه الوضعية من عوامل إقليمية ومؤشرات دولية. كل مكونات المشهد مختلفة. من حزب الله إلى إيران. ومن روسيا إلى أميركا، انتهاء بعلاقة كل تلك المكونات ببعضها. وهو ما يرسم سياقاً دولياً أشد تعقيداً من اللحظة التي مكنت جورج بوش من إملاء سياساته اللبنانية والسورية والشرق أوسطية، على كل المنطقة والعالم يومها.
غير أنه قبل التعويل على العوامل الخارجية ومعادلاتها، ثمة مدخل لبناني رسمي قانوني وسيادي، للمعالجة. مدخل لم يشر إليه الدبلوماسيون، ولا مصلحة ربما للسياسيين من خصوم حزب الله في الإضاءة عليه. لكنه مدخل أكيد وكاف لحماية لبنان وشعبه. وهو يتلخص بما أشار إليه المحامي علي زبيب، أحد المختصين بالموضوع والعاملين عليه. فالقانون الأميركي يؤكد في فصل أساسي منه، أنه يمكن للرئيس الأميركي أن يبطل مفاعيل هذا القانون وعقوباته، إذا أفاد الرئيس خطياً، بأن الجهة الملاحقة، لم تعد متورطة في أنشطة يحظرها القانون، أو أنها اتخذت، وتستمر في اتخاذ خطوات جدية لوقف تورطها في أنشطة كهذه، أو إذا تلقى الرئيس الأميركي، تأكيدات حكومية موثوقة، بأن الجهة الملاحقة لن تتورط مستقبلاً في أنشطة يحظرها القانون الأميركي المقصود.
هكذا يبدو جلياً، أن ثمة هامشاً واضحاً في من ضمن المنطق الأميركي نفسه، يفتح المجال أمام الحكومة اللبنانية، وأمام رئيس الحكومة تمام سلام شخصياً، المتحدث باسم هذه الحكومة دستورياً، من أجل القيام بالمعالجة الجذرية والحاسمة. إذ يكفي أن يوجه رئيس الحكومة اللبنانية، كتاباً رسمياً إلى الرئيس الأميركي، يبلغه بموجبه أن هذا الشخص، الحقيقي أو المعنوي، قد لحقه ظلم جراء ذلك القانون الذي أقرته سلطات بلاده، وأنه ليس متورطاً بأي عمل إرهابي، أو أنه توقف عن نشاط سابق، أو تعهد بذلك، وأن يطلب منه نقل كتابه هذا خطياً إلى الجهات الأميركية المعنية، حتى تبطل الملاحقة وتسقط مفاعيل العقوبات والحظر. طبعاً ليس مطلوباً من حزب الله أن يستجيب لإجراءات أميركية. وطبعاً ليس مقبولاً أن تخضع المقاومة نفسها لسلسة خطوات تشبه الإذعان لسياسات دولية يدرك الجميع أنها تستهدف وجودها. لكن في المقابل، تملك الحكومة اللبنانية، وتمام سلام شخصياً، كل الأوراق القانونية، للقيام بواجب وطني في الدفاع عن أي مواطن أو مؤسسة لبنانية يستهدفها القانون الأميركي. فهل ستؤدي الحكومة هذا الواجب، وهل يقدم عليه سلام؟! قبل يومين، قرر مجلس الوزراء تكليف رئيس الحكومة متابعة الملف. فليتفضل إذن، هذا هو الحل الأفضل والأكيد، استناداً إلى بيان حكومته، كما استناداً إلى منطق تعزية سلام باستشهاد مصطفى بدر الدين أمس.