لعلكم تابعتم في الإعلام التتابع السريع والمفاجئ للأحداث. فبعد سقوط طاغية تونس بعشرة أيام، انطلقت ثورة مصر واحتشد في القاهرة وحدها أربعة ملايين يطالبون بإسقاط أكبر وأعتى وكلاء الكفر العالمي في المنطقة وقبل أن يسقط اشتعلت الثورة في اليمن وقبل أن تحسم الأمور في اليمن قامت الثورة في ليبيا، وإنها ستحسم لمصلحة المسلمين قريباً، بإذن الله، رغم جنون نظام القذافي في قمع الثوار.وقبل أن تحسم الأمور في ليبيا قامت ثورة عمان وحددت بلاد الحرمين موعداً للخروج بتاريخ 11 مارس، هذا فضلاً عن المظاهرات في الجزائر والمغرب والأردن ولبنان.

فالحدث هائل وعظيم جداً والواقع والتاريخ يظهران أنه سيشمل معظم العالم الإسلامي والأمور بفضل الله تسير بقوة نحو انفلات ديار الإسلام من الهيمنة الأميركية، فقلق أميركا من سلسلة الثوارت في المنطقة كبير جداً، وقد عبرت عنه وزيرة الخارجية بقولها: نخشى أن تقع المنطقة بأيدي الإسلاميين المسلحين. كان هذا قبل أن تصل الأوضاع إلى ما وصلت إليه بعد أن انطلقت ثورة مصر، فمصر هي بوابة السد، وسقوطها سقوط باقي الطواغيت في المنطقة وبداية عهد جديد للأمة بأسرها.
لا يصح أن نبقى منهمكين في أفغانستان سعياً ليكون تحرير الأمة من قِبلها

ورغم ذلك إلا أن الظرف العالمي لم يسمح للغرب بالوقوف مع مبارك إلى أن سقط بفضل الله ثم ها هو موقفهم من ثورة ليبيا يتسم بنقاط الضعف التي اتسم بها تعاملهم مع ثورة مصر وهو ما دعا كثيراً من الكتاب والمفكرين في الغرب إلى توجيه النقد للساسة بأنهم ظهروا وكأنهم متفرجون ولم تكن قراراتهم على مستوى الأحداث، ما أظهر للعالم ضعف الغرب وتراجع دوره في العالم.
فهذه الأحداث اليوم هي أهم أحداث لأمتنا منذ قرون، فطوال القرون الماضية والأمة تعيش في ذيل الأمم ويعتدى على دينها ومقدساتها وهي في سبات الغفلة (الجهاد الأفغاني والجهاد اليوم) إلى أن قامت قبل قرابة عقدين محاولات من بعض أبناء الأمة للخروج من التيه عندما وقعت أحداث سوريا والجزائر ومصر واليمن إلا أن تلك المحاولات فشلت في تحقيق أهدافها لأسباب عديدة أرجو الله أن يوفقني لبيانها في مقال خاص بها. ولكن بغض النظر عن الظروف التي اعترت تلك التحركات، فهي لم تكن بضخامة تحركات اليوم وإن كانت تحركات اليوم تهددها مخاطر عدة، ولا سيما بعد نجاحها من ناحية الانزلاق في هاوية الحكم بغير ما أنزل الله، ولا سيما في البلاد التي تحتكم منذ سنين طويلة للدساتير الوضعية؛ فالحفاظ على تحركات المسلمين اليوم وضبط مسارها يتطلب جهداً واهتماماً بالتأصيل الشرعي والآثار المترتبة على تطبيق الشريعة من جهة والدساتير الوضعية من جهة أخرى آخذين في الاعتبار أهمية الترفق مع أبناء الأمة الذين وقعوا تحت التضليل لعقود بعيدة.
إن هذا الواجب العظيم واجب التوجيه والإرشاد المرتبط بمصير أمتنا إلى الآن لا يجد من يسده بتوجيه واعٍ منضبط بكامل قواعد الشريعة، وقد سبق أن طالبت في خطاباتي بأن ينتدب الصادقون في الأمة من أنفسهم عدداً من العلماء والحكماء ويشكلوا مجلس شورى يتابع قضايا الأمة ويقدم لها التوجيه والرأي
والمشورة. لكن بعد مرور هذه المدة ودخول الأمة في هذه المرحلة المصيرية أصبح لازماً علينا أن نقوم نحن بهذا الواجب ونسد بقدر استطاعتنا هذا الثغر العظيم الذي أصبح من أوجب الواجبات بعد الإيمان لتتحرر الأمة بإذن الله ويعود للدين مجده.
ولا شك أن الواجبات على المجاهدين كثيرة كثيرة إلا أنه يجب أن يكون لهذا الواجب العظيم الحصة الكبرى من جهودنا حتى لا نبخسه حقه ونعرض انتفاضة الأمة اليوم لما تعرضت له الثورات ضد الاحتلال الغربي سابقاً.
كما ينبغي استحضار مسألة مهمة، هي أن ساحة الجهاد في أفغانستان واجب في ذاتها لنقيم فيها شرع الله، ولكنها بالدرجة الأولى سبيل للقيام بالواجب الأكبر تحرير أمة من مليار ونصف واستعادة مقدساتها. فبينما نحن نجاهد في أفغانستان استنزفنا رأس الكفر إلى أن بلغ درجة من الضعف مكنت الشعوب المسلمة من استعادة بعض الثقة والجرأة انزال عنها الضغط القاهر الذي كان يحبط من يفكر بالخروج على وكلاء أمريكا في المنطقة بأنها القوة العظمى وتستطيع إهلاك من تشاء وتثبيت من تشاء فقامت على أيديهم هذه الثورات الشعبية الواسعة والتي يتصف سوادها الأعظم بمحبته للإسلام، في حين أننا في أفغانستان لسنا أمام ثورة شعبية شاملة وإنما أمام مدى واسع لحركة مجاهدة وإن الغالب على الظن لدى كل متابع للأحداث مطلع على التاريخ أن تلك الشعوب الثائرة ستغير الأوضاع لا محالة، فإن ضاعفنا جهودنا بتوجيههم وتفقيههم ولم نتركهم لأصحاب أنصاف الحلول مع الاعتناء بحسن تقديم النصح لهم ستكون المرحلة القادمة بإذن الله هي إعادة الخلافة، علماً أن التيارات الداعية إلى أنصاف الحلول كالإخوان مثلاً قد انتشر فيها الفهم الصحيح، ولا سيما في الأجيال الجديدة، فرجوعها إلى الإسلام الحق هي مسألة وقت وكلما ازداد الاهتمام بتوضيح المفاهيم الإسلامية، قصرت المدة، وقد تحدث أحد موجهي الأسئلة في الانترنت للشيخ أبي محمد حفظه الله وهو من الإخوان عن وجود تيارات تحمل الفهم الصحيح للإسلام داخل الإخوان كما ورد في كثير من وسائل الإعلام بأن هناك تياراً سلفياً له ثقل داخل الإخوان.
وبناءً على ما تقدم، فلا يصح بحال أن نبقى منهمكين في جبهة أفغانستان سعياً على أن يكون تحرير الأمة من قِبلها، فجبهة أفغانستان قد آتت ثمارها بكسر هيبة الكفر العالمي، ولا نعني بذلك أن نوقف الجهاد فيها، وإنما نعني أن تكون جل جهودنا منصرفة إلى الاتجاه الذي يظهر أو يغلب على الظن أنه هو السبيل لتحرير الأمة وكما ذكرت المؤشرات قوية من الواقع والتاريخ أن ثورة الشعوب المسلمة إن أضيئت بإدراك حقيقة التوحيد هي الطريق لإعادة الخلافة بإذن الله.
فيجب أن نسعى في زيادة الانتشار الإعلامي المبرمج والموجه وأن تكون جهودنا في توجيه الأمة مدروسة ومستقرة على خطة محددة نتشاور جميعاً عليها حيث إن المرحلة مهمة جداً وخطيرة ولا تحتمل التباين الظاهر بين توجيهاتنا ومبدئياً يظهر لي أن خطوات المرحلة القادمة هي الآتي:
1 ــ مرحلة التدافع مع النظام، وهي مرحلة الأخذ على أيدي الشعوب وتشجيع تمردها على الحكام وذكر أنه واجب شرعي فنركز سهامنا على إسقاط الحكام دون إدخال أي مسائل خلافية (الكمُون)؟
2 ــ مرحلة ما بعد إسقاط الحاكم وهي مرحلة التوعية وتصحيح المفاهيم.
3 ..........................
ونظراً لسعينا في سد هذا الثغر وإعداد خطة لتوجيه الأمة (الدقيقة) فيجب استنفار جميع الطاقات التي لديها قدرات بيانية نثراً أو شعراً مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً ونفرغها تماماً لتوجيه شباب الأمة وإرشادهم ونترك إدارة العمل في أفغانستان ووزيرستان للطاقات التي لديها قدرات إدارية وميدانية وليس لديها قدرات بيانية.