قد يصغر العالم إلكترونياً قدر ما يشاء ويتطور التواصل لتصبح الاتصالات بتقنية الأبعاد الثلاثة منتجاً يومياً مثل الهاتف الخلوي، ولكن يبقى الانتقال الجغرافي اليومي إلى العمل، إلى دار الحضانة أو إلى ملعب كرة القدم، يحتم وسيلة نقل قد تكون عامّة أو خاصّة طبقاً للحاجة ولمستوى تطور كل اقتصاد. وسائل النقل في تطور مستمرّ. أخيراً كشفت "مرسيدس" عن سيارتها المستقبلية الباهرة التي تنقل ركابها بذكاء سلس ومن دون أي تدخل بشري مباشر باستثناء تجهيزها بالإحداثيات المطلوبة. واليوم يتوقع كبار الخبراء والمستثمرين في القطاع، وعلى رأسهم مؤسس شركة Tesla، المستثمر الشهير إيلون موسك، أن تصبح السيارات الآلية وسائل معتادة على طرقنا بحلول عام 2020.

الذكاء الصناعي يتزايد

عموماً تعيش السيارات السياحية المخصصة للطبقات الوسطى، نقلات تكنولوجية لافتة. فبحسب دراسة لأستاذ المعلوماتية في جامعة Technical University الألمانية مانفريد بروي، تبلغ كلفة تجهيزات البرامج والإلكترونيات في سيارات اليوم 35%، بعدما كانت 20% فقط قبل عقد واحد. والاهم هو أن هذه التجهيزات الإلكترونية أضحت مسؤولة عن أكثر من 90% من أوجه الابتكار والتطوير في السيارات.
ونحن نتحدث هنا عن سيارتك الاعتيادية التي تُستخدم لتأدية الوظائف اليومية، ولكن أضحت تنفذها بأسلوب خاص يتماهى مع ثورة الهواتف الخلوية والاتصالات اللاسلكية.
غير أن السيارة تبقى حتى اليوم في كثير من الأسواق سلعة تؤدي وظيفتها الأولية، أي النقل. يُرصد ذلك في البلدان التي في طور النمو وفي أوج الطلب على السيارات، وعلى رأسها الصين والهند، ولكن يُرصد أيضاً في اقتصادات هجينة مثل لبنان.

الحالة اللبنانية

هنا الموضوع معقّد نسبياً، نظراً لاختلاف طبيعة الطلب على السيارات، وما تتطلع إليه كل شريحة اجتماعية من هذه السلعة المعمّرة. غير ان الاكيد هو أن السيارة تبقى ضرورة ملحة للحالة اللبنانية التي تئنّ من غياب النقل المشترك الفعال. والبيانات المسجّلة خلال السنوات الماضية، وإن تُظهر تراجعاً نسبياً، تؤكّد أن النمط في السوق اللبنانية هو في صالح السيارات من جميع الفئات السعرية وبالتالي درجات الفخامة.

تتصدّر السيارات الكورية لائحة السيارات الجديدة المطلوبة بنسبة 35% من المبيعات الإجمالية


يبقى هذا الاقتصاد رغم كل مشاغله ومصاعبه على المستوى الاجتماعي، قبلةً ثابتة لتجارة السيارات التجارية. صحيح أن حركة الإتجار بهذه الآليات هدأت نسبياً خلال السنوات الثلاث الماضية بعد فورة القروض الاستهلاكية بنهاية العقد الماضي، إلا أن الطلب يبقى قوياً، ويُمكن رصد ذلك في على مستوى السيارات الجديدة، والمستعملة على حد سواء. خلال الأشهر الأربع الأول من العام الحالي، تراجع عدد السيارات الإجمالية، الجديدة والمستعملة، التي تم تسجيلها بنسبة 1% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي - وبنسبة أكبر تصل إلى 11% لدى المقارنة ببيانات عام 2012 - إلا أن السوق تبقى بهوامش كبيرة صامدة أمام التحديات المالية والمعيشية التي يعيشها المجتمع، ويُترجم هذا الصمود طلباً على السيارات الفخمة والصغيرة في آن.
يحتفي لبنان بغرامه بأفخمها وأكثرها أناقة وإثارة للأحساسيس، فبحسب البيانات الجمركية المتوفرة شكّلت ألمانيا - البلد المشهور بدقته وتفوقه في الصناعة عموماً وفي نحت السيارات الجذابة تحديداً - مصدر 28% من السيارات التي استوردها لبنان عام 2014، قيمتها 300 مليون دولار؛ وهي أعلى نسبة على الإطلاق، تليها في المرتبة الثانية الولايات المتحدة بحصة 17% ثمّ اليابان بنسبة 14% فكوريا في المرتبة الرابعة بنسبة 11%.
وهذا التوزّع ثابت نسبياً. فخلال الفصل الأول من العام الحالي، استورد لبنان سيارات بقيمة 235 مليون دولار، منها 26% من ألمانيا و16% من الولايات المتّحدة.
وتعكس هذه النسب قيمة الآليات عند الاستيراد، ومن المعروف أن السيارات المستعملة التي يستوردها لبنان - بشرط ألا يفوق عمرها 8 سنوات - تكون إجمالاً من الطراز الفخم المتوسط التي تروق للطبقة الوسطى إجمالاً. أما جمهور السيارات الصغيرة الموفّرة للوقود والتي تأتينا من شرق آسيا فهو يُركّز إجمالاً على السيارات الجديدة، التي عادة ما تكون بأسعار مناسبة إجمالاً.
وهنا، توضح بيانات جمعية مستوردي السيارات في لبنان، أن عدد السيارات الجديدة التي بيعت خلال الأشهر الأربع الأولى من العام الحالي بلغ 10741 سيارة مسجلاً تراجعاً طفيفاً بلغ 0.4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ومثل العادة، شكّلت السيارات الصغيرة التي تقلّ قيمتها عن 15 ألف دولار، أكثر من 90% من السيارات الجديدة المباعة، ووفقاً للتعبير الذي يستخدم قسم الأبحاث في بنك "عوده" فإن "توجّه الطلب في السوق صوب السيارات الصغيرة ناجم عن غياب النقل العام المدمج والفعال، إضافة إلى المنافسة القوية بين الماركات المختلفة".

كوريا تتصدر

وتتصدّر السيارات الكورية لائحة السيارات الجديدة المطلوبة بنسبة 35% من المبيعات الإجمالية، مع العلم أن المبيعات من هذه السيارات تراجعت بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي، وبلغت 3740 سيارة.
تُسجّل هذه البيانات في وقت يُفترض أن تكون فيه الخيارات الاستثمارية للمستهلك بعيدة عن السلع المعمرة التي تفرض التزاماً ائتمانياً على فترة قد تفوق خمسة أعوام نظراً لعدم استقرار الأوضاع المحيطة بلبنان وبالتالي إمكان تأثيرها عليه؛ غير أن الجميع مستعد لهذا المشوار لضمان أن مشاويره الباقية ستنجح وسينتقل ليصل وبكامل أناقته إلى الموعد المرتقب أو إلى لقاء العمل المنشود، أو فقط للتنزه في يوم مشمس.