1

■ شكل صدور رواية «الطلياني» لشكري المبخوت رئيس «جامعة منوبة» مفاجأة في الوسط الأدبي التونسي، كيف تنظر إلى فوزها بـ «بوكر 2015»؟
بابتهاج طبعاً، خصوصاً بعدما سمعت رأي لجنة التحكيم وما علّلت به اختيارها. هذا التعليل عندي أهمّ من اختيار «الطلياني» بحدّ ذاته. فمن المبهج أن تجد قرّاء يقظين يعرفون الرواية وأسرارها، فيقدّرون جهدك واجتهادك حقّ قدرهما في لغة واضحة لا مجاملة فيها. وعلاوة على ذلك، اعتبرت هذا الاختيار بحدّ ذاته، اعترافاً أدبيّاً مهمّاً وأنا أطرق بـ «الطلياني» أوّل مرّة باب الرواية باعتبارها أكثر الأجناس الأدبيّة خطورة في علاقتها بالمعنى والحقيقة والحريّة.

2


■ عرفت كباحث أكاديمي، وظهورك الروائي كان مفاجئاً. منذ متى بدأت الكتابة الروائية؟ وما هو موقعها في اهتماماتك العلمية؟
أنا أيضا فاجأتني، إلى حدّ ما، عرائس الكتابة الروائيّة حين أخذتني من شواغلي العلميّة والإداريّة. انقدت إلى عالم التخييل الروائي طائعاً راضياً. فقد رأى بعض أصدقائي من متذوّقي الكتابة وفنون القول مخايل هذه العرائس في بعض ما كتبت من أعمدة صحافيّة. لذلك لم أر في هذا «الانتقال» إلى الرواية، إن صحّت العبارة، انقطاعاً عن اهتماماتي الأخرى وضروب القول التي خبرتها في البحث العلميّ أو الكتابة الصحافيّة أو الخربشات الشعريّة أو المقالات الثقافيّة. الرواية على غير ما قد يُتوهّم ليست مجرّد لعبة فنيّة بل هي أخطر من ذلك. إنّها رهان على اختبار الفنّ وقدرته على قول الحقيقة. فأنا مثاليّ في الرواية أؤمن بأنّها إصغاء إلى نشيد حرية الكائن الخافت أو الهادر. إصغاء تقدّم من خلاله معرفة لا يمكن لأصناف القول العلميّ أن تقولها. إنّها أعلق بدواخل الإنسانيّة المرعبة الفاتنة وتردّدات الإنسان وتهويماته وبحثه عن معنى وجوده بما فيه من مسارات متعرّجة وفخاخ انكساراتٍ وخيباتٍ منصوبة هنا وهناك. زمننا الفرديّ والجماعيّ ماتت فيه معاني البطولة المبهجة، فأضحى المرء يجد نفسه عارياً أمام مصيره وأوجاعه وأحزانه الدفينة.

3


■ كيف ترى حال الرواية التونسية اليوم في المشهد العربي؟
إنّ وصول الروائيّ الحبيب السالمي إلى القائمة القصيرة لـ «بوكر» مرّتين، وحسين الواد في الدورة السابقة، يدلّ على أنّ الفنّ السرديّ في تونس لا يخلو من أهمّيّة واجتهاد ووعي بمقتضيات الرواية اليوم. شخصيّاً، أعتقد أنّ هناك أسماء جديرة بأن تدرج في متن الرواية العربيّة الجيّدة. لكنّ الإشكال في تونس عكس مصر أو لبنان أو سوريا أو المغرب منذ عقدين أو ثلاثة، والسعوديّة منذ فترة ليست بالبعيدة، هو غياب المؤسّسة الأدبيّة المكتملة من حيث مكوّناتها من نشر بمعايير واضحة وتوزيع واسع ومتابعة إعلاميّة واهتمام نقديّ أكاديميّ وجدل أدبيّ وجماليّ وشبكات للكتاب والروائيّين وجوائز أدبيّة... ما يوجد واقعيّاً هو محاولات متميّزة من دون مؤسّسات تحتضنها. الرواية العربيّة تحقّق منذ مدّة قفزات جماليّة وفنّية مهمّة، ولن نحتلّ الموقع الذي نحن جديرون به إلّا بالتراكم الكمّي وفتح الباب لأصوات عديدة، منها ما هو راسخ القدم في الرواية ومنها ما هو واعد. وهذا بعض ما ينبغي أن يتغيّر في تونس حتّى يقول التونسيّون سرديّة مجتمعهم وحكاية الإنسان التونسيّ.