صنعاء | «فجر صنعاء يجمع بين تناقضين: زقزقة العصافير وأزيز طائرات العدو، صباحكم حرية». هذا ما كتبته الشابة اليمنية انتصار هاشم على موقع «فايسبوك»، صباح اليوم السادس من العدوان السعودي على بلادها. تقول انتصار التي فقدت وظيفتها في شركة نفط أغلقت أخيراً نتيجة الأحداث، في حديثٍ إلى «الأخبار»، إنها «مندهشة من مظاهر الحياة التي طفت على يوميات أصدقائها العاملين في مؤسسات حكومية، لم ينقطعوا عن تأدية عملهم رغم العدوان». كل الوزارات تعمل بصورةٍ طبيعية تقريباً حتى القطاع الخاص، وفي النهار لا تكاد تصدّق أن هذا البلد يواجه حرباً، الحياة تسير بشكلٍ مثير للتفاؤل»، تؤكد الشابة اليمنية.
يبدو أن أهل صنعاء قد تمكنوا على نحو سريع، منذ اليوم الأول، من استيعاب الشكل الجديد للحياة الذي أصبح عليهم خوضها، بعد قرار «الشقيقة الكبرى» شنّ العدوان على سمائهم. ذلك على الرغم من إدراكهم لحقيقة أن «الغزوة السعودية» ستستمر لأجلٍ غير معلوم، أو بلغةٍ أخرى «حتى تحقيق كامل أهدافها»، بحسب تصريحات المتحدث السعودي الرسمي باسم العدوان، أحمد العسيري. كلام العسيري جاء تلبية لطلب وزير الخارجية اليمني المُكلّف، رياض ياسين، الذي طلب من حكام السعودية الذهاب في عدوانهم إلى مدى غير محدود، حين أكد هذا «الرجاء» في كلمته أثناء مؤتمرٍ صحافي في ختام أعمال القمة العربية الأخيرة.
في النهار لا تكاد تصدّق
أن هذا البلد يواجه حرباً

لكنّ الغريب أن ياسين لم يبدُ متردداً وهو يكرر هذا الطلب، على الرغم من أنه كان يشغل كرسي وزير الصحة في حكومة خالد بحاح المُستقيلة، ويعرف تماماً ضعف البنية التحتية لبلاده لناحية القدرات الطبيّة وعدم قدرة المستشفيات اليمنية الحكومية على التعامل مع النتائج المترتبة على العدوان من خسائر وإصابات بشرية، خصوصاً أن عمليات العدوان تُظهر أنه لا يريد تحجيم قدرات جماعة «أنصار الله»، بقدر ما يرغب في إصابة البُنية التحتية للبلاد بكاملها.
وفي سياق الحديث عن وزارة الصحة، تلفت رئيسة في قسم العيادة النسائية في مستشفى حكومي، فيروز جبران، إلى ملاحظة صادمة خلال حديثها عن قدرة المستشفى على استيعاب الإصابات الناتجة من العدوان. تقول إن المستشفى منذ اليوم الأول، استقبل نحو أربعين شخصاً فارقوا الحياة، ما يعني أن المستشفى لم تحتج إلى أدوات طبية وعلاجية لمعالجة أي إصابات! ويمكن فهم ذلك من خلال الصور المُشاهدة للأماكن التي دُمِّرَت وحجم الكارثة اللاحقة بها، ما قلل فرص النجاة كثيراً.
لكن مع تأكيد استمرار الهجوم وبقاء حالة الحصار بعد إعلان العسيري السيطرة الكاملة على كل منافذ البلد، سيكون قطاع الصحة الحكومي أمام اختبار حقيقي لتغطية الاحتياجات المقبلة. وتتجاوز هذه الاحتياجات قطاع الصحة لتبلغ مجال التجارة والتموين بعد نجاح «قوّات التحالف» في خنق اليمن من كل الجهات، ما يضع احتياجات الناس الغذائية في موقف صعب بالنظر إلى حالة الإقبال المتصاعدة ومحاولة تخزين تلك المواد، تحسباً لاحتمالات الأيام المقبلة.
ولن يكون من الصعب في هذا الإطار، إصرار العدوان السعودي على فرض حصار على اليمنيين من خلال تعمّد طائراته تكرار الهجوم على مدرج مطار صنعاء الدولي وتعطيله غير مرة، كان آخرها مساء أول من أمس، بعدما كان عاملوه قد نجحوا في إجراء إصلاحات عاجلة لحالة الأعطاب التي تعرض لها في الساعات الأولى من العدوان. ويعلّق الشاب حسام الباشا متسائلاً وساخراً، على تعمّد العدو السعودي إصابة مطار مدني صغير لا يُستخدم لأغراض حربية: «هل يعتقدون أن مطار صنعاء يخفي ذلك المفاعل النووي الإيراني الذي يزعجهم؟».
وفي السياق نفسه، تبدو الجهات الحكومية التي ترتبط طبيعة عملها بالتواصل المباشر مع الجمهور، خصوصاً وزارة المالية والبنوك المتعاملة معها مُستمرة في تقديم خدماتها بما فيها إنهاء الإجراءات الإدارية المتعلقة بصرف رواتب شهر آذار. وما يلفت الانتباه هنا هو بقاء سعر صرف الدولار الأميركي على حاله مقابل الريال اليمني (الدولار يساوي 215 ريالاً) مع توافره معروضاً بسهولة أمام الجمهور في حالتي البيع والشراء من دون سقف محدد. وبناءً عليه، ظهرت محالّ الصرافة وأماكن إرسال الحوالات المالية واستقبالها من خارج البلاد وإليها مفتوحة أمام العامة من دون قيود أو رقابة. إلى ذلك، يقول المحامي في القضايا التجارية والمالية، يحيى السخي، إن المحكمة التجارية تمارس عملها وتمكن من حضور أربع جلسات، كذلك صدر حكم في واحدة منها.
وبالحديث عن الجهات الحكومية المرتبطة مباشرة بالناس، طاولت وزارة التربية والتعليم انتقادات كثيرة في ما يتعلق بالقرار الصادر عنها، الذي ينصّ على عودة العملية الدراسية إلى صفوف المراحل المدرسية المختلفة، الأمر الذي سيعرّض التلاميذ في حالة التجمع لفترات طويلة إلى الخطر، خصوصاً مع اتساع دائرة الأماكن المُستهدفة من قبل العمليات العسكرية التي حصدت أرواح مئات المدنيين اليمنيين حتى الآن.