"خدها من الآخر. قرار انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليس ملكنا، بل يأتي من الخارج، ونحن ننفذه. إذا كنا لم نستطع أن نملك قرار رفع كيس زبالة من الطريق، هل تظن أننا نملك قرار انتخاب رئيس؟". بهذه "الأريحية" ينظر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الى "أم الأزمات" السياسية في لبنان! وهو يرى أن "رئيس الجمهورية القوي يكسر الكرسي، والرؤساء الناجحين لم يكونوا أقوياء".
من مكتبه في مدينة الميناء المطلّ على محمية جزر النخيل فيها، يرى الوزير الطرابلسي أن استمرار العماد ميشال عون في ترشيح نفسه "كان خطأ وقد استنزفه، فيما سمير جعجع استنزف منذ الأيام الأولى لترشيحه". أما الوزير سليمان فرنجية فلم يكن خارج حساباته، حتى من قبل مبادرة الرئيس سعد الحريري، لأن "يلي في قلبه على لسانه"، ناقلاً عن رئيس تيار المردة، في عشاء جمعه ومفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار قبل أكثر من شهرين وقبل الحديث عن المبادرة، رفضه انتخاب رئيس توافقي أو وسطي، وأنه "مع عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة بموازاة رئيس للجمهورية من 8 آذار".
رئيس الجمهورية القوي يكسر الكرسي، والرؤساء الناجحون لم يكونوا أقوياء

يعرب درباس عن أسفه للسجال السياسي القائم الذي يلبس لبوساً طائفياً ومذهبياً. وفي رأيه، "الوجود المسيحي في لبنان ضمانة للمسلمين فيه بكل مذاهبهم، سنة وشيعة ودروزاً، لأن هذا الوجود هو ما منع لبنان أن يصبح دولة استبدادية كما هي حال غالبية دول الجوار والمنطقة".
في السياسة، يوصّف درباس نفسه "وسطياً" خارج كتلتي 8 و14 آذار. ويؤكّد: "لست من حصّة أحد، ولا آخذ إذناً مسبقاً من أحد لأقول ما أقتنع به، ولا أُقدّم تقريراً بعد انتهاء كل جلسة للحكومة، لأن لا مرجعية سياسية لي". لكنه يشير الى "أنني أتواصل" مع الرئيس فؤاد السنيورة. أما قصّة توزيره فـ"قديمة" وتعود الى أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي اتصل به يوم كان نقيباً للمحامين، "وقال لي: عندما تنتهي ولايتك استعدّ للتوزير، لأنني أوزّر النقباء السابقين"! لذلك، يؤكّد "لم آخذ مكان أحد في الحكومة، لا مصباح الأحدب ولا محمد كبارة ولا سمير الجسر". ويلفت الى أن الرئيس الحريري اتصل به مع تأليف حكومة الرئيس تمام سلام ليبلغه تسميته لوزارة الداخلية قبل تبدّل الوضع وتسلم نهاد المشنوق لها. بعدها كان مقرراً أن يتسلّم وزارة العدل، لكن رفض اللواء أشرف ريفي لوزارة الشؤون الاجتماعية جعل الأخيرة ترسو عليه.
ورغم أن توزيره أثار حساسية مستوزرين كثر في طرابلس، يشدّد على أن "علاقتي مع جميع سياسيي طرابلس جيدة، بمن فيهم الرئيس نجيب ميقاتي، وهو صديق وأكنّ له احتراماً".
الوضع العام في طرابلس حالياً محل ارتياح لدى درباس "لأنه لا جولات عنف فيها ولا أزمة نفايات كما في بيروت". لكنه يبدي انزعاجه من الاعتراضات على بعض المشاريع: "قاتلت حتى أؤمّن تمويلاً لبعض المشاريع، وتحديداً مرأب سيارات ساحة التل وتأهيل كورنيش الميناء وتنفيذ خط سكة الحديد الذي يربط مرفأ طرابلس بالحدود السورية". ويشير الى أن قيمة هذه المشاريع تبلغ 64 مليون دولار، "ولو أتينا بهذه الأموال ورميناها في شوارع طرابلس لكان ذلك أفضل من لا شيء"، علماً بأن انتقادات كثيرة طالته لتمسكه بمشروع المرأب الذي تفوح منه رائحة سمسرات، ولأن وزارته لم تتحرك كما ينبغي لمعالجة مشكلة الفقر في المدينة التي تشهد موجة واسعة من الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
وعن موضوع النازحين السوريين في لبنان، يرى أن "قرار وقف اللجوء للسوريين حقق مآربه. وما فعلناه أننا لم نغلق أبواب لبنان أمامهم، بل فقط رفضناهم كلاجئين". لكنه يغمز من أن بعض الوزراء والنواب المسيحيين الذين هوّلوا لمخاطر النزوح السوري، ومنهم أعضاء في التيار الوطني الحر، كانوا "يتصلون بي لتسهيل دخول سوريين للاستعانة بهم كعمال". ويضيف" "نتعاطى مع النازحين السوريين لاحتواء تداعيات ومضاعفات وجودهم في لبنان، ومنعها من التفاقم"، معتبراً أن "كرم أخلاق النازحين السوريين هو ما يمنع من توتير الوضع في لبنان على كل الصعد، ولأنه أيضاً لم يقم أحد باستخدامهم في الصراع الداخلي، أو في نقل الصراع السوري الى لبنان، لأنه لو حصل ذلك لكنا تخطّينا أبواب الجحيم".