في السنوات الست الأخيرة، أي ما يشمل الولايتين الأخيرتين لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لم تكن إسرائيل هي الجهة المحركة أو المؤثرة في المشهد السياسي والأمني في المنطقة، وفي ما يجري خلف حدودها مباشرة. في زمن حكم نتنياهو الأخير، كانت إسرائيل تنجر إلى ردود فعل، ولم تكن هي محرك الأفعال. حتى في عدوانها الأخير على قطاع غزة، أي ضد الجهة التي تعدها الخاصرة الرخوة لدى قوس أعدائها، بادرت تل أبيب إلى حرب لا تريدها ولا ترغب بها، بل وأظهرت أنها تخشاها.
بدءاً من الملف النووي الإيراني، مروراً بسوريا ولبنان، أظهرت حكومتا نتنياهو أن لا استراتيجية لديها، وفي أغلب الحالات، كما يشير المعلقون الإسرائيليون، «كانت إسرائيل تنجر وراء الأحداث، أما السياسات التي اتبعتها تل أبيب، فجرت بلورتها في زمن المعركة، لا قبلها».

الملف النووي الإيراني

سواء توصلت الولايات المتحدة ومن معها من دول، إلى اتفاق مع طهران ام لم تتوصل، فإنه يمكن القول إن الاستراتيجية الإسرائيلية حيال إيران وملفها النووي، قد ثبت فشلها بالفعل.
تأكيد نتنياهو الأخير أن خطابه في الكونغرس هو آخر خط دفاعي يحول دون الاتفاق مع الإيرانيين، هو إظهار وإقرار بهذا الفشل، وما توجه نتنياهو الصقوري في الكونغرس وتعامله «غير اللائق» مع الإدارة الأميركية، إلا تعبير عن ضيق الخيارات الموجودة لديه ولدى إسرائيل كدولة، بعدما استنفدت تل أبيب كل ما في جعبتها في مواجهة إيران النووية.
أما الحديث عن الخيارات المتطرفة والمجنونة، كالحكايات التي تحكى عن خيار عسكري إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية، فثبت أنه حكايات للتسلية، لا أكثر.
رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبل، نتنياهو أم يتسحاق هرتسوغ، عليه في المرحلة المقبلة أن يتعامل مع واقع لم يعد بالإمكان الحؤول دونه: إيران باتت دولة «حافة نووية»، مع ما لدى هذا الواقع من تحديات ومترتبات، ونقطة على السطر.
الخلاف بين حالة الاتفاق من عدمه يرتبط باستمرار العقوبات على إيران، لكنه لا ينهي ملفها النووي وتهديدها لإسرائيل. عدم الاتفاق من ناحية تل أبيب يعني أن إيران «دولة حافة نووية» مع عقوبات، والاتفاق يعني أن إيران «دولة حافة» بلا عقوبات. وكلا الخيارين سيّئ من ناحية تل أبيب، التي قد تجد أن الأول أقل سوءاً.
مع ذلك، فإن الاتفاق من عدمه لن يلغي أن إيران تحتل وستحتل حيزاً كبيراً على طاولة القرار في تل أبيب، رغم ضيق الخيارات لديها، أو انعدامها، إذ إن أصل وجود النظام في طهران ومكانته ونفوذه في المنطقة، بما يصل إلى حدود إسرائيل وداخلها، هو التهديد الأساسي والمركزي الماثل أمام تل أبيب، وبالتالي لا يقتصر فقط على تهديد قدرات إيران النووية، رغم أهمية هذه القدرات في ميزان القوى بين الجانبين. في مرحلة ما بعد الاتفاق، من المقدر أن يسعى نتنياهو أو هرتسوغ، إلى الاكتفاء بالتوصل لتفاهمات بينية مع البيت الأبيض، بما يتعلق بضمانات أمنية وعسكرية ما، يمكن لإسرائيل أن تحصل عليها في أعقاب الاتفاق، مع سعي خاص نحو بلورة تفاهم مع الأميركيين، قد يحصل أو لا يحصل، يتعلق بخطوات الرد على طهران في حال خرقها للاتفاق النووي. وحالما يبدأ الطرفان، الأميركي والإسرائيلي، ببلورة مثل هذه التفاهمات، سيعد ذلك إقراراً عملياً من جانب تل أبيب، بالفشل النهائي في مواجهة إيران النووية.

الساحة الشمالية: سوريا ولبنان

الساحة الشمالية لإسرائيل، بما يشمل الحدود مع سوريا ولبنان وما وراءها، هي الساحة الأكثر تعقيداً وخطورة من ناحية تل أبيب. هذه الساحة لا تحتاج إلى رئيس حكومة مقبل، كي يفهم تعقيداتها والتهديدات الكامنة فيها. ولا يوجد إزاء الشمال يمين أو يسار في إسرائيل، إذ إن موازين القوى العسكرية والإمكانات هي الحاكمة، وبالتالي فإن الكلمة الأساسية هي للمؤسستين العسكرية والأمنية، وما يمكنهما أن تقدماه للمؤسسة السياسية من خيارات، ثبت أنها ضيقة، وضيقة جداً.
رهان إسرائيل حيال هذه الساحة، وتحديداً في الساحة السورية، سيبقى متركزا على انتظار ما ستؤول إليه مقاربة الآخرين، وخاصة بعدما فشلت مقاربة تل أبيب ومحاولاتها التسلل إلى داخل الصراع السوري، كي تضرب «عصفورين بحجر واحد»، سوريا وحزب الله، وكان آخرها محاولة حكومة نتنياهو أن تضرب هذا المحور عبر وضع خطوط حمراء لا يمكنه التعايش معها، وجاء رد فعل هذا المحور، في المقابل، ليمثل كسراً للمعادلات الإسرائيلية الجديدة، بل وأوصلت المواجهة إلى حدود لم تكن موجودة في السابق، عبر توحيد الحدودين والساحتين، السورية واللبنانية، للرد على التدخل الإسرائيلي في أي منهما وفي الساحتين معاً.
مع ذلك فإن المسار الذي تتجه إليه التطورات في سوريا، وتحديداً في جنوبها وعلى الحدود في الجولان والقنيطرة، من شأنه أن يعاظم التحدي والتهديد أمام المؤسستين العسكرية والأمنية في إسرائيل.
wوهذا الواقع المتبلور بتهديداته المتعاظمة، سيطرح على طاولة القرار في تل أبيب، مع الحكومة المقبلة لتتخذ القرار الممكن في ضوئه، لكن مع التعامل معه في ظل حقيقتين اثنتين متوازيتين: تعاظم مسار التهديد من جهة، وضيق الخيارات العملية في مواجهته، من جهة ثانية.

الساحة الجنوبية

تصنف إسرائيل تهديدات الساحة الجنوبية، بأنها تهديدات يمكن التعامل معها والحؤول دونها، وتحديداً ما يتعلق بالتهديد المتبلور والممكن على حدودها مع سيناء المصرية. وهذا التهديد، كما يعبر كبار الضباط الإسرائيليين، هو «تهديد تكتيكي لكن نشط، يفرض نفسه على جدول الأعمال». مع ذلك، تتعامل المؤسسة العسكرية في إسرائيل مع هذه التهديدات بالأساليب والطرق التي لا تشغلها عن مواجهة التهديدات الاستراتيجية شمالاً: تجاه إيران النووية ومحور المقاومة في الساحتين السورية واللبنانية.
ولا يتوقع للحكومة الإسرائيلية المقبلة، أن تحيد عن هذا التوصيف أو أسلوب تعاملها مع هذا التهديد. فلا يمكن لإسرائيل أن تقوم بما يزيد عما يقوم به غيرها لإنهاء تهديد سيناء أو الحد منه، وطالما أن التنظيمات المتطرفة في شبه الجزيرة المصرية مشغولة في مواجهة القاهرة، فإن تدخل تل أبيب المباشر يعد تدخلاً زائداً، قد يفضي إلى نتائج عكسية تصب في مصلحة التنظيمات المتطرفة، ولا يوصل إلى نتنائج طيبة من ناحية إسرائيل. ما يعني اكتفاء الحكومة المقبلة، كما الحكومة الحالية، بمتابعة ما يجري والعمل على الحؤول والحد من ردود فعل قد توجه إليها من قبل هذه التنظيمات، مع ادراكها المسبق بأن أولوية الجهاديين في سيناء بعيدة كل البعد عن إسرائيل، وتحديداً في المدى المنظور.
أما تهديد قطاع غزة، فمسألة تختلف من ناحية تل أبيب عن تهديد سيناء، ويفرض نفسه على جدول الاهتمام الجماهيري والسياسي والأمني في إسرائيل.
وقد مثّل القطاع وما زال تحدياً أمام اليمين الإسرائيلي في السنوات القليلة الماضية، برغم أن حكومة نتنياهو تعاملت مع القطاع ابتداءاًَ باعتباره فرصة، وأن الانتصار على الفلسطينيين في غزة من شأنه أن يعوض الاخفاقات والفشل في وجه إيران وحزب الله شمالاً. إلا أن الصدمة كانت كبيرة جداً، وظهرت على نحو واضح خلال وبعد العدوان الأخير على غزة، علماً أن الفصائل الفلسطينية المقاومة تحركت في مساحة جغرافية ضيقة في وجه العدوان، مع امكانات عسكرية محدودة، قياساً بما لدى المقاومة شمالاً في لبنان.
صدمة العدوان الأخير على القطاع، بعد فشل الجيش الإسرائيلي في الحسم إزاء الفلسطينيين أو تطويعهم، انعكست سلباً على صورة إسرائيل واقتدارها، ومن المستبعد أن تلجأ الحكومة الإسرائيلية المقبلة، سواء كانت برئاسة نتنياهو أو هرتسوغ، إلى اعادة الكرة من جديد، ما لم تجر إلى المواجهة جراً.




28 يوماً لتأليف الحكومة

يحق لنحو 6 ملايين إسرائيلي التصويت في الانتخابات التي تتنافس خلالها 26 لائحة على 120 مقعداً في الكنيست العشرين، في وقت رجحت فيه استطلاعات الرأي، وصول نحو 11 حزبا فقط.
وفي أعقاب صدور النتائج الرسمية، سيكون أمام الرئيس رؤوبين ريفلين 7 أيام لتكليف رئيس أكبر كلتة في الكنيست تأليف الحكومة، بعد ذلك سيكون أمام رئيس الوزراء المكلف 28 يوماً لتأليف حكومة، يمكن تمديدها 14 يوماً إضافياً. وإذا لم يتمكن رئيس الوزراء المكلف من تأليف ائتلاف حكومي خلال هذه المدة، يصبح بإمكان ريفلين تكليف زعيم حزب آخر القيام بهذه المهمة، على أن يكون أمام الأخير أيضاً مهلة 28 يوماً لانجاز مهمته. وفي حال فشل تأليف الحكومة، يدعو ريفلين إلى إجراء انتخابات جديدة، الأمر الذي لم يشهده التاريخ الإسرائيلي.
ولا بد أن يتمتع الائتلاف الحكومي بتأييد أكثرية في الكنيست (61 عضو)، لكن أي حزب في تاريخ إسرائيل لم يتمكن من الحصول على هذا العدد وحده، لذا كانت كل الحكومات، منذ عام 1948، ائتلافية.
وفي مراحل سابقة، حصلت محاولة لتقليص ابتزاز الأحزاب الحريدية والصغيرة، وتحقيق قدر من الاستقرار الحكومي، بواسطة تعديل القانون الانتخابي، عبر إيكال مهمة انتخاب رئيس الحكومة إلى الشعب مباشرة. ونتيجة ذلك، جرت انتخابات مباشرة لرئاسة الحكومة خلال انتخابات عامي 1996 و1999. وعام 2001، جرت انتخابات خاصة لرئاسة الوزراء (من دون انتخابات الكنيست)، بعد استقالة إيهود باراك من رئاسة الحكومة.
لكن فشل هذه المحاولة أدى في حينه إلى نتائج عكسية، وبدلاً من تقليص نفوذ الأحزاب الحريدية، ازدادت قدرتها على الابتزاز. لذلك، اندفعت الأحزاب نحو تغيير قانون الانتخاب مجدداً، عبر العودة إلى القانون السابق، الذي تجري على أساسه الانتخابات الحالية، أي عبر إجراء انتخابات كنيست ثم قيام رئيس الدولة بمشاورات لتكليف عضو كنيست تأليف الحكومة.
(الأخبار)