لم تغطّ الدماء المشهد كاملاً. مساحة صغيرة خلقها مقاتلون متواجهون كانت كفيلة بنزع صفة «خط نار» عن مناطق عديدة. قد تلازم الحرب في سوريا كل زاوية... لكن بمرور السنوات الأربع، ابتُدعت مساحة على الهامش. كانت ضيّقة، لكن كفيلة في جمع «عدوّين». التواصل بين عناصر من الجيش ومقاتلين في الضفة المقابلة ليس جديداً. أمر «تطوّر» إلى مصالحات شعبية ووطنية حافظت على أرواح وممتلكات. سوريا في حاجة أكثر من أي وقت مضى لهذه المصالحات، ولاحتضان الجنود (الفارّين) والمواطنين الذي حملوا السلاح. الدول تستوعب «الفارّين» و«المستسلمين» و«التائبين» و«العائدين».
لا مكان في عملية إعادة بناء «سوريا الواحدة» للتخّوف من ردّ فعل شعبية في الحارة الفلانية أو طلب القصاص من هارب إلى الريف البعيد. لا يزال في أماكن نزوح تُسمع عبارات تتصّف بالعنصرية. «النسوان والأولاد هون والرجال عم يقاتلو الجيش»، يقول البعض. هي ردود فعل «طبيعية» لكن لا تخدم «المصلحة العامة». عدد كبير من العناصر السورية في المعارضة المسلحة يجب سماع مطالبهم إن كانت تحت سقف الدولة وجيشها. شهدنا نماذج كثيرة لحوارات بين مقاتلين سوريين على مختلف الجبهات، ولمصالحات متفرقة. هؤلاء لم ينتقلوا من ميليشيا إلى ميليشيا، بل من ميليشيا إلى الدولة المسؤولة عن 185000 كلم مربع.
في حرب ضخمة بوجود آلاف المسحلين المدربين من عشرات دول العالم، أصبحت حرب سوريا (كل سوريا) في مواجهة سرطان متشعب قلبه في أرض الشام.
هي «شعرة معاوية» التي لا تزال تجمع بين السوريين. شعرة من هذا النوع لا يحتملها التكفيريون الأجانب الحرصاء على قطع أي تواصل بين السوريين. في النهاية، هي حرب تختلط فيها الأيديولوجيا مع البزنس والمصالح الإقليمية والدولية. فيها الكثير من المستفيدين من اقتتال السوريين ومن المتربحين من دمائهم.
بارقة أمل، اليوم، أن لا تكون كل بندقية في يد سوريّ هي آلة قتل دائمة. يوم تنتهي هذه الحرب الدموية بطرد أو قتل آخر «مستورَد» بالوكالة إلى سوريا، أمام السوريين طريق طويل شائك لإبراز صورة هويتهم مجدداً. «صيغة» لا تعني استيراد واحدة من نوع طائف لبنان أو عراق بول بريمر.
في سوريا الدولة الموحّدة يعيش فيها المواطنون تحت بند واحد: مواطنون متساوون من حوران إلى عفرين.