قبل 67 عاماً وصل اليوغسلافي كامل رستموفتش إلى فلسطين، بهدف محاربة الصهاينة ومساعدة الفلسطينيين في استعادة أرضهم. ظنّ الشاب أن مهمته ستنتهي باكراً، وسيعود إلى بلاده مرة أخرى. لكنه شاخ في لبنان، من دون أن يرى إلى اليوم حلاً للقضية التي حملها.ضعفت قوة كامل رستموفتش الثمانيني، من دون أن تضعف ذاكرته. يسرد أحداثاً حصلت قبل عقود طويلة وكأنها جرت بالأمس القريب، فلا يغفل التفاصيل والتواريخ الدقيقة. يمسك كامل أوسمته بصعوبة، ترتجف يداه لكنه يصر على حمل ألبوم صوره ليشرح قصة كل صورة.
تبدأ حكاية كامل رستموفتش لحظة انتسابه إلى الجيش الألماني إبان الحرب العالمية الثانية، ليجد نفسه في قبضة الإنكليز إثر هزيمة الألمان. هناك تعرّف في المعتقل إلى القضية الفلسطينية من خلال عدد من السجناء، فتوجه بعد خروجه من السجن نحو فلسطين ملتحقاً بـ«جيش الإنقاذ» الذي عمل فيه مدرّباً للفلسطينيين متنقلاً بين جنين ويافا والعفولة. وهو يشكّل واحداً من عديد المفرزة اليوغوسلافية التي تشكّلت إثر أحداث فلسطين بدعوة من الجامعة العربية.

المنعطف الرئيسي في حياة رستموفتش كان عند انتقاله إلى بلدة ميس الجبل اللبنانية الحدودية، بعدما فقدت المجموعة التي كان يحارب معها نحو نصف عديدها في معركة يافا. جرى إجـلاء الباقين عبر البحر الى لبنان، ومن ثم انتقل هؤلاء الى الحدود اللبنانية الجنوبية حيث شاركوا ضمن جيش الإنقاذ في المعارك الدائرة هناك.
بالقرب من بلدة ميس الجبل، وتحديداً في منطقة المنارة، خاض رستموفتش معركة لن ينساها. إذ قاد في تشرين الأول 1948 مجموعة مؤلفة من 30 مقاتلاً كمنت لقوة صهيونية كبيرة، وانتهت المعركة بمقتل 12 جندياً وأسر ضابط إسرائيلي وسحب 6 مصفحات عسكرية إلى ميس الجبل التي أقامت لرستموفتش احتفالاً كبيراً في ساحتها. بعد هذه المعركة، ذاع صيت كامل رستموفتش أو كامل رستم كما بات يعرف لاحقاً، فعرضت الحكومة السورية منحه الجنسية السورية فيما سارعت الحكومة اللبنانية، من خلال وزير الدفاع آنذاك مجيد إرسلان إلى إعطائه الجنسية اللبنانية وإدخاله الجيش اللبناني برتبة رقيب ليخدم في بيروت وطرابلس وأبلح ومرجعيون وصور منشئاً شبكة واسعة من العلاقات والمعارف.
لا يخفي رستموفتش أن وقوعه في غرام ابنة ميس الجبل، كريمة شقير، كان سبباً حاسماً لبقائه في لبنان وتعلّمه اللغة العربية في غضون أشهر قليلة رغم اعترافه أن بعض الكلمات الصعبة والطويلة لا تزال تخونه حتى الآن. بدورها تؤكد كريمة أنها رفضت الكثير من شباب المنطقة الذين تقدموا للزواج منها لكنها أعجبت بالشاب اليوغسلافي الاشقر ذي العينين الزرقاوين، فأخبرت والدها الذي شجعها على الزواج منه قائلاً لها «بضلو أحسن من العرب».
يعدد رستم أبرز أدواره ومهماته داخل الجيش، من عمله في فوج المدفعية قبل أن يصبح مدرباً للجنود. يخبر عن كيفية إنقاذه لموكب عسكري يضم 180 جندياً من كمين محكم أثناء الحرب الأهلية بعد ملاحظته أن البعض يفر من أمام الموكب خلافاً لما يحصل في العادة من تجمهر حول الآليات، فتقدم الموكب وقصف أماكن المسلحين الذين لاذوا بالفرار. وبعد خدمة قاربت 30 عاماً، تقاعد رستموفتش من العمل العسكري برتبة معاون أول متفرغاً لتربية عائلته المؤلفة من 12 فرداً.
لم يشعر رستموفتش يوماً بالغربة. تضحياته وخدمته في الجيش عززت شعوره بالانتماء. يتابع أن لبنان قد لا يكون البلد المثالي وأن فيه من المشاكل ما لا يعد ولا يحصى، لكنه يؤكد أن من يعتاد على لبنان يصعب عليه فراقه. يضيف مازحاً: «على الأقل ما زال هذا البلد موجوداً بعكس بلدي الأصلي يوغوسلافيا التي تفككت وتحولت إلى مجموعة من الدول».
يحز في نفس رستموفتش رؤية آلاف من الأجانب يتركون بلادهم ليمارسوا ما يسمونه جهاداً في العراق وسوريا، ويرفض بشكل قاطع المقارنة بينه وبينهم. فهو ترك بلاده ليحارب إسرائيل، أما هؤلاء المتطرفون فهم برأيه مجرد أدوات تخدم المشروع الإسرائيلي.
لو عاد الزمن برستموفتش؟ لا يتردّد في القول إنه حتماً سيعيد ما قام به، وإن أسف لقدومه في وقت شهدت فيه الأمة أقسى خسائرها أي نكبة 1948 متمنياً لو أنه قاتل مع «المقاومة الإسلامية» التي يصفها بالباسلة قائلاً: «يا ليتني كنت معهم لفزت فوزاً عظيماً».