القاهرة | «عودوا إلى مقاعدكم». هي الجملة الأخيرة التي قالها القاضي الذي كان ينظر في القضايا التي اتهم فيها الرئيس السابق حسني مبارك ونجلاه علاء وجمال، ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من مساعدي الوزير. قالها قبل أن يحكم ببراءتهم جميعاً من التهم المنسوبة إليهم بقتل الثوار والفساد المالي قبل «ثورة يناير».
الجملة كانت ملخّصاً لما يحدث الآن. فمبارك ورجاله ونظامه عادوا بالفعل إلى مقاعدهم خارج السجون، وبعضهم يحاول العودة إلى المقاعد نفسها التي كان يشغلها قبل الثورة، بينما الشباب الذين برز دورهم خلالها، عادوا أيضاً إلى مقاعدهم في السجون. علاء عبد الفتاح (الصورة)، وأحمد دومة، وأحمد ماهر، ومحمد عادل، وغيرهم من الشباب الذين كانوا في مقدّمة صفوف الثورة، محبوسون الآن في قضايا عدّة، تتعلّق بالاعتداء على قوات الأمن، أو التظاهر من دون تصريح، أو استخدام العنف، والسعي نحو تخريب ممتلكات عامة وخاصة. قبل أيّام، قضت محكمة جنايات القاهرة، بالسجن المشدّد خمس سنوات على الناشطَيْن علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن في قضية «تظاهر بدون إذن»، وحكمت على 22 آخرين بالسجن ثلاث سنوات، وبرّأتهم من تهمة «سرقة جهاز لاسلكي من ضابط شرطة».
هذا الحكم هو الدرجة الثانية من التقاضي، إذ حكمت على علاء محكمة الدرجة الأولى في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2014 غيابياً بسجنه 15 سنة، رغم وجوده وآخرين أمام مقرّ انعقاد المحكمة في انتظار سماح الأمن له بالدخول!
هذه ليست المرّة الأولى التي يُسجن فيها علاء عقب الثورة، فوضعه كغيره من الناشطين السياسين لم يختلف كثيراً. السجون هي مكانهم الأساسي، وخارجه هو المكان الاحتياطي. فقد قُبض على عبد الفتاح عام 2006، أثناء وقفة احتجاجية من أجل استقلال القضاء المصري، وأُطلق سراحه بعدما قضى في السجن 45 يوماً. وفي عهد المجلس العسكري، حُبس الناشط المصري على خلفية «مجزرة ماسبيرو»، واتهم بالتحريض والاشتراك في الاعتداء على أفراد القوات المسلحة، وإتلاف معدات تخص هذه الأخيرة، والتظاهر والتجمهر، وتكدير الأمن والسلم العامين. واتهم علاء أيضاً بالاعتداء على المقر الانتخابي لأحمد شفيق، المرشّح المنافس لمحمد مرسي في أوّل انتخابات رئاسية عقب الثورة، وإضرام النيران فيه وتدميره.
كل ما سبق يؤكد أنّ علاء عبد الفتاح هو وريث بحق لنضال أسرته اليسارية المعروفة. فوالده المحامي والحقوقي أحمد سيف الإسلام، ووالدته ليلي سويف الأستاذة في «جامعة القاهرة» وعضو «حركة 9 مارس للاستقلال الجامعة» ومؤسسة لحركة كفاية، أوّل حركة سياسية تطالب بعدم التمديد لحكم حسني مبارك وترفض توريثه لابنه. وهي أيضاً عضو فاعل في كل الحركات السياسية والشبابية المعارضة للسلطة. عبد الفتاح هو الشقيق الأكبر لمنى سيف مؤسسة مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»، وسناء سيف المقبوض عليها حالياً بتهمة التظاهر بدون تصريح. قبل أن يدخل غيبوبة انتهت بوفاته قبل أشهر، قال والده: «نريد محاكمة عادلة. وإذا صدر عفو رئاسي فليست هناك مشكلة، لكننا لن نطلب عفواً من أحد». حالة علاء عبد الفتاح ليست الوحيدة كما قلنا، فمن بين الشباب المسجونين هناك الناشط الشاب أحمد دومة الذي وجّهت له المحكمة تهم إضرام النيران عمداً في مبان حكومية، وتخريب وإتلاف الممتلكات العامة، والاعتداء على رجال القوات المسلحة والشرطة المعنيين بتأمين المباني الحكومية، في القضية المعروفة باسم «أحداث مجلس الوزراء» (كانون الأوّل/ دسيمبر 2011). القضية ظلت في المحاكم ثلاث سنوات تقريباً، وصدر الحكم فيها بداية هذا الشهر، بالحبس المؤبد (25 سنة) وغرامة تزيد عن مليوني دولار أميركي.
القاسم المشترك بين دومة وعلاء عبد الفتاح هو أنّهما من معارضي الأنظمة الثلاثة التي حكمت مصر خلال السنوات الأخيرة؛ مبارك، والمجلس العسكري، والإخوان، إضافة إلى نظام عبد الفتاح السيسي الحالي. ويشارك دومة رفيقيه محمد عادل، عضو حركة 6 إبريل ومؤسس الحركة أحمد ماهر، عقوبة أخرى بالسجن ثلاث سنوات على خلفية تظاهرة أمام محكمة عابدين.
هذا هو باختصار حال شباب الثورة اليوم، بينما يتحدّث السيسي عن نيّته الإفراج عنهم. وفي هذا السياق، قالت «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» إنّها تقدّمت بطلب إلى الرئيس للعفو عن عدد من المتهمين في قضايا التظاهر من الطلاب وآخرين لم يثبت ارتكابهم أي أعمال عنف، وعددهم 206.