في إحدى حدائق ضاحية «الشام الجديدة» في دمشق، يستعيد مسلسل «بانتظار الياسمين» (تأليف أسامة كوكش، وإخراج سمير حسين، وإنتاج شركة abc) مشاهد ويوميات النزوح الأولى لمهجري حرب سوريين، ينتمون إلى خلفيات اجتماعية منوّعة، هربوا إلى الحدائق حيث لم تعد سبل الحياة ممكنة في مناطقهم الساخنة. أعدّ هؤلاء مما بين أيديهم من أغطيةٍ وأسمال، ما يشبه الخيام يأوون إليها في رحلة بؤسهم الطارئة، ليشكلوا مجتمعهم الجديد الآخذ بالتنامي على وقع يوميات الحرب. مجتمع يسوده التكافل، والتعاطف، وتعكّر صفوه صعوبات الحياة الجديدة، وطمع واستغلال من كشفت الأزمة عن أحقر ما في غرائزهم.
«الأخبار» زارت الحديقة، حيث يتم تصوير معظم المشاهد، وسط ظروف طقس الشتاء القاسية التي تسببت في وقف التصوير أحياناً، وخدمته مرّات أخرى. يشير المخرج سمير حسين إلى أنّ «ظروف هذا العمل التلفزيوني الاجتماعي، لا تشبه أي عمل آخر، إذ يجتمع عدد كبير من الشخصيات في مكان واحد، ما يتطلب جهداً وصبراً كبيرين، لمواجهة إشكالات كثيرة مرتبطة بالطقس وتقلباته».
تصوير المشاهد يأخذ وقتاً طويلاً، وقد أنجز منها حوالى النصف خلال شهرين. يوضح حسين لـ «الأخبار» أنّه يصوّر «بكاميرا Sonyf5، ملحقة بخمس عدسات، وهي تستخدم للمرّة الأولى في سوريا، وتعطينا دقّة سينمائية عالية، مع الحرص على تقديم قيمة فنيّة تليق ببنية العمل. نحن نعمل على مادة خاصّة جداً لنصرة الإنسان السوري».
بالحديث عن الشخصيات الرئيسة، وصل «أبو سليم» (غسّان مسعود) إلى الحديقة بشاحنته، مع زوجته «أم سليم» (صباح الجزائري)، وولده «سليم» (محمود نصر)، وابنتيه «نجوى» (حلا رجب) و«هيفاء» (روزينا لاذقاني)، وأقاموا خيمتهم التي ينتصب إلى جانبها التلفزيون لمتابعة آخر التطوّرات، على أمل تحسن الأوضاع، بينما لا تتوقف محاولات الأب (صانع صابون الغار) في رحلة البحث عن عمل، يتكرّر فيها الفشل. جيرانهم الجدد في خيمة مجاورة؛ «أبو عزيز» (محمد قنوع)، و«أم عزيز» (شكران مرتجى)، وأطفالهم، نزحوا من الريف الساخن، وحوّلوا محيطهم إلى مزرعة صغيرة لتلبية احتياجاتهم الرئيسية. وتسعفهم الحيلة والاجتهاد في تحويل خيمتهم البدائية إلى «عرزال» قد يوفر لهم ظروف حياةٍ أفضل بما هو متاح.
هكذا، تنشأ العلاقات بين الجيران، ويبدو مجتمع الحديقة أكثر اتساعاً، أبطاله سكّانها الجدد، وزوّارها، ويلعب فيه حارسها «نزار» (محمد حداقي) دوراً رئيسياً، ويجد فيها «بريمو» (أحمد الأحمد) وسيلةً لكسب الرزق عبر تحويل دراجته إلى دكانٍ صغير لبيع المشروبات الساخنة، بينما يؤدي الكومبارس أدوارهم الحقيقية في الحياة، بتجسيد بؤسهم كما هو أمام الكاميرا، ليكونوا العمق الأكثر واقعية لمشاهد العمل. يتحلّقون حول دخان متصاعد لمدافئ مرتجلة، ويستمعون لموسيقى البزق التي يعزفها «كاوا» (آري سرحان).
ثم تأتي «لمى» (سلاف فواخرجي) الوافدة الجديدة إلى الحديقة، مع طفليها، لتشكّل حكايتها ملخّص أي حرب: زوجها خرج ليجلب ربطة خبر لعائلته، ولم يعد، وترك لزوجته حسرة الغياب، وهواجسه، لتبدأ فصول حكايتها المأساوية بعد النزوح، في مشاهد استعادية تتذكر فيها الزوجة حديثها مع زوجها «تيم» (جوان خضر) في بيتهما الدافئ، على خلفية ما يشاهدانه من مشاهد النزوح في نشرات الأخبار، واستغرابها لترك الناس بيوتهم، ليجيبها بأنّ «لا أحد يترك بيته بإرادته». الأقدار تسوق «لمى» إلى المصير نفسه. ورغم أنّها تجد الكثير من التعاطف والحب من جيرانها وأهلها الجدد، إلا أنّ ثمةّ من يتربص بها، ويذيقها الأمرّين؛ «أبو الشوق» (أيمن رضا) وعصابته.
تأليف أسامة كوكش،
وإخراج سمير حسين، وإنتاج
شركة abc


يصف رضا شخصيته في المسلسل بأنّها «أحقر شخصية يمكن مصادفتها. «أبو السوق» قذر. تردّدت في قبول الدور كثيراً، لأنّه بعيد تماماً عن شخصيّتي، لكنني قبلت به أخيراً لإبراز قساوة ما نعانيه في الحرب»، ويلفت إلى أنّه للمرّة الأولى يؤدي شخصية يحتقرها ويمكن أن «تترك أثراً سلبياً في حياتي الفنيّة، لكنني أحب المغامرة دائماً. ابتعدت عن الأدوار الكوميدية في خياراتي لهذا الموسم، كنوع من لفت النظر، أو الدعوة للتمسك بالإنسانية المتبقيّة».
وفي المشاهد الأولى التي تجمعهما وجهاً إلى وجه في عمل مشترك، تشعر شكران مرتجى (أم عزيز) بالغيرة من «لمى» لأنّ الأخيرة جميلة. هكذا، تترصّد «أم عزيز» تصرّفات الجارة الجديدة وتفبرك أخباراً عنها، قبل أن تعود للتعاطف معها. في حديثها لـ«الأخبار»، تشيد مرتجى بكمية الأدوار النسائية المميّزة في مسلسل «بانتظار الياسمين»، معتبرةً أنّ دورها «جديد من كل النواحي، خصوصاً على مستوى الأداء. وسيكون الشكل مفاجئاً لأنّه مرتبط بحدث محوري يتعلّق بقصة الشخصية، فينعكس على شكلها، وحالتها النفسية، وتعاملها مع الآخرين، لتصبح أكثر تمرداً، وقسوةً، لكنّها تعود في النهاية إلى طبيعتها». ومن بين الشخصيّات التي تقف في صف «لمى» في محنتها، «رضا» الذي يؤدي دوره سامر إسماعيل. يقول الممثل السوري الشاب إنّ «رضا» مثل «أي سوري مهجّر حالياً، وكل الأمكنة متشابهة بالنسبة إليه، ولا تعني له شيئاً وسط كل هذا الخراب. هو حالة خاصّة، عن كل ما هو موجود في الحديقة. أسباب وطريقة وجوده في هذا المكان مختلفة، ويشّكل لسان حال السوريين اليوم».
سيستمر تصوير «بانتظار الياسمين» حتى شهر نيسان (أبريل) المقبل، تمهيداً لعرضه في رمضان المقبل. وستغادر الكاميرا موقع التصوير الرئيسي قريباً إلى مواقع تصوير أخرى في دمشق، تتداخل عوالم شخصياتها، وحكاياتها، مع سكان الحديقة ومعاناتهم.