خطوة جديدة إلى الخلف في النظام المصري بعد اعتماد حركة محافظي الأقاليم التي ضمت تسعة من حملة رتبة اللواء، كانوا يعملون إما في الجيش وإما في الشرطة، بجانب اثنين من المدنيين. حركة خلت من الشباب لتولي منصب المحافظ واستعانت بوجوه قديمة بزعم رفض الشباب والمدنيين تولي منصب المحافظ، وهو المبرر الذي أعلنه وزير التنمية المحلية، أحمد زكي بدر، رداً على الانتقادات التي طاولت اختياراته للمحافظين.
لا تنتقص الحركة صلاحيات البرلمان الجديد المتوقع انعقاده قبل منتصف الشهر المقبل، فاختيار المحافظين من صلاحيات الرئيس وفقاً للدستور. ولوحظت سيطرة الألوية على غالبية الحركة وهو ما لم يلق الاعتراض الشعبي المتوقع، وخاصة مع الصورة الذهنية التي ترسخها المؤسسة العسكرية يوماً بعد الآخر، بأن أبناءها هم الأكثر قدرة على الإنتاج والالتزام والأقل فساداً وسعياً إلى السلطة، كما لم تكشف مؤسسة الرئاسة أو وزير التنمية المحلية، الذي يترأس المحافظين، آليات الاختيار والاستبعاد، واكتفيا بالتأكيد أن تقارير الإنجاز هي التي قيمت المحافظين قبل تغييرهم.
الحركة، التي راجعتها الجهات الأمنية والسيادية جيداً، أبقت نسيب عبد الفتاح السيسي محافظا لجنوب سيناء، وهو اللواء أركان حرب خالد فودة، ليكون أقدم المحافظين بعدما تولى منصبه عقب «ثورة 25 يناير» واحتفظ به حتى الآن. وكان السيسي قد وعده بالبقاء على الهواء مباشرة خلال المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ في آذار الماضي، وذلك حتى موعد استضافة المدينة منتدى دافوس الاقتصادي عام 2016.
بقي نسيب عبد الفتاح السيسي محافظا لجنوب سيناء

واستبعدت التغييرات الشباب من الترشيحات، فيما جاءت حصة المؤسسة العسكرية كبيرة بأربعة ألوية من الجيش وخمسة من الشرطة، اثنان منهم خرجا في الحركة الأخيرة التي اعتمدها وزير الداخلية بعد بلوغهما سن التقاعد. واقتصرت الحركة على اثنين من المدنين أحدهما منتقل من محافظة القليوبية إلى الإسكندرية التي قدم محافظها استقالته قبل نحو شهرين بعد فشله في السيطرة على مياه الأمطار التي أغرقت المدينة الساحلية وتسببت في وفاة نحو 12 شخصاً.
بقراءة متأنية للحركة يتبين استبعاد عدد كبير من المحافظين الذين جرى تعيينهم قبل شهور من فئة الشباب، وتلقوا تدريبات مكثفة قبل توليهم المناصب بالتنسيق مع رئيس الحكومة السابق إبراهيم محلب، برغم نجاح بعضهم في تحقيق إنجازات ملموسة في مكافحة الفساد والقضاء على البيروقراطية، كما حدث مع محافظ الشرقية رضا عبد السلام الذي دعا عددا من أبناء المدينة إلى تنظيم وقفة احتجاجية اعتراضاً على إقالته.
الإقالة جاءت أيضا من نصيب أصغر محافظ هو المستشار محمد سليم، الذي لم يمض في منصبه سوى عدة شهور، علماً بأن عودته إلى القضاء ليست محسومة في ظل رفض «مجلس القضاء الأعلى» عودة العاملين من الجهات التنفيذية إلى منصة القضاء منذ «30 يونيو».
وأدت انتماءات المحافظين دوراً مهماً في توزيعهم، ويقول مصدر رئاسي تحدث إلى «الأخبار» إن الاختيارات كانت لأشخاص «لديهم خبرة وكفاءة في المحافظات التي سيتولونها، لأن الوضع الحالي لا يتحمل وقتا لدراسة المشكلات وبحث آليات التعامل معها». وضرب مثلا على ذلك بأن محافظ الإسكندرية الجديد سبق له العمل فيها لثلاث سنوات كسكرتير عام، ومحافظ بورسعيد الجديد هو نفسه الحاكم العسكري للمدينة لأربع سنوات توالى فيها عبر مناصب المحافظ بالإنابة. أما محافظ الجيزة الحالي، اللواء كمال الدالي، فهو نفسه مدير الأمن الأسبق هناك وشغل عدة مناصب شرطية أخرى، كما ان محافظ السويس الجديد هو نفسه قائد الفرقة 16 في الجيش الثاني الميداني سابقاً.
بالعموم، ترسخ حركة المحافظين الثانية في عهد السيسي الاعتماد على «أهل الثقة»، لا الكفاءة، مع تزايد حالات استبعاد المدنيين من تولي المناصب القيادية في الدولة وإبقاء سياسة تعيين المحافظين بآليات غامضة غير واضحة المعالم، بجانب إبقاء محافظين عسكريين للمدن الحدودية.