لطالما كان النائب السابق علي عيد مثار جدل في حياته، وبقي كذلك بعد رحيله. وهو ما أكّدته، في اليومين الماضيين، التعليقات المتباينة في الشارع الطرابلسي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، على رحيل الرجل الذي كان له، على امتداد سنوات، الحضور الاجتماعي والسياسي والعسكري الأهمّ في طائفته. وربما لا يختلف اثنان من أبناء الطائفة العلوية في طرابلس وعكار على الدور الذي لعبه عيد في نقل طائفته، ذات الأقلية العددية، من التهميش والحرمان، إلى تحصيل حقوقها ضمن النظام اللبناني.مع بدايته في العمل السياسي، مطلع سبعينيات القرن الماضي أنشأ عيد حركة الشباب العلوي، جامعاً حوله لفيفاً من أبناء الطائفة، بهدف إيجاد موطئ قدم لها داخل التركيبة السياسية المحلية واللبنانية، مستفيداً من دعم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وهو الدعم الذي جعله يصطدم سريعاً مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ما أدى عام 1976 إلى اقتحام مسلحين منزله في منطقة جبل محسن وإحراقه، وفراره إلى سوريا.
مع دخول الجيش السوري إلى لبنان منتصف السبعينيات، عاد عيد إلى منطقته واستعاد حركته السياسية، ليصطدم مرة ثانية مع حركة التوحيد الإسلامي بين عامي 1982 و1985، ليجد العلويون في طرابلس أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع شريحة واسعة من أبناء المدينة، أخذت بعداً مذهبياً أكثر منها سياسياً، وزادت من حدتها المجزرة التي ارتكبت بحق عدد من أبناء منطقة باب التبانة عام 1986، وُجهت أصابع الاتهام فيها إلى أطراف عدة منهم الحزب العربي الديمقراطي الذي أسسه عيد وترأسه حتى وفاته.
مع انتهاء الحرب الأهلية وإقرار اتفاق الطائف، سجل تعيين عيد نائباً عن طرابلس عام 1991، إلى جانب عبد الرحمن عبد الرحمن عن عكار، أول دخول رسمي للعلويين في النظام السياسي اللبناني، سياسياً ووظيفياً، وتثبّت هذا التعيين في انتخابات 1992، قبل أن يسقط عيد في انتخابات 1996 و2000 أمام النائب الراحل أحمد حبوس، و2005 أمام النائب الحالي بدر ونوس، رغم حصوله على غالبية شبه مطلقة من أصوات أبناء الطائفة.
هذا الحضور القوي وسط طائفته، رسّخه عيد في سعيه الى إنشاء المجلس الإسلامي العلوي ليكون مجلساً ملياً معترفاً به وبحقوق أتباعه في النظام اللبناني، وهو حضور أكده أيضاً في المصالحة الطرابلسية عام 2008، بعد جولات من العنف، عندما اعترف به الرئيس سعد الحريري زعيماً للعلويين ووقّع معه وثيقة المصالحة.
في هذه الأثناء بدأ عيد يغيب عن الواجهة تدريجاً، تاركاً زمام زعامة الطائفة ومسؤولية الحزب لنجله رفعت، قبل أن يغادر إلى سوريا في آذار 2014 بعد صدور مذكرة توقيف غيابية بحقه بتهمة تهريب مطلوب في تفجيري مسجدي التقوى والسلام في طرابلس في 23 آب 2013، ورفضه المثول أمام القضاء للاستماع لإفادته، وبقي فيها حتى وفاته ودفنه أول من أمس في الجانب السوري من مسقط رأسه بلدة حكر الضاهر.
تشييع عيد عنى، بالنسبة الى غالبية العلويين اللبنانيين، غياب زعيم استنهض الطائفة، وليس مجرد نائب سابق، وهو ما يقرّ به حتى أولئك الذين اختلفوا معه من أبناء طائفته وأبدوا ملاحظات على مواقفه وأدائه. عضو المكتب السياسي في الحزب العربي الديمقراطي علي فضة أوضح لـ"الأخبار" أن عيد "بالنسبة الينا رجل استثنائي، مثله مثل الإمام موسى الصدر بالنسبة الى الشيعة، فهو المؤسس والمناضل والمكافح من أجل طائفته، وسنسعى للحفاظ على إرثه والزيادة عليه ما استطعنا"، مؤكّداً أن نجله رفعت "سيكون "قدّ الحمل وزيادة".