في غمرة الخيبات التي تتعاقب على السوريين منذ اشتعال الحرب، عاد نجم المنتخب السوري لكرة القدم للمعان مجدداً في التصفيات المؤهلة لمونديال روسيا 2018، كأس العالم، وذلك بتحقيقه 5 انتصارات حتى الآن مقابل خسارة واحدة فقط، ليصبح من ضمن الفرق المتصدرة في هذه البطولة. «المجد» المباغت الذي جلبته انتصارات منتخب سوريا أثار لدى السوريين أملاً بقدرتهم على الانتصار، حتى ولو في «الفوتبول»، إلا أنه ظلّ أملاً مشروطاً بحفاظ المنتخب على وتيرته الحالية، لذا فهو لا يزال يرتدي بمعظمه القالب الكوميدي الذي فتح الباب بدوره على ذكريات طريفة في عالم كرة القدم السورية، مطعّمة بمفردات الحرب الدائرة في البلاد.
كان عشاق كرة القدم السوريون قد نسوا منتخب بلادهم منذ بداية الأزمة، يوم انقسم لاعبوه، كغيرهم من نجوم سوريا، بين موالين ومعارضين، وغلب ذلك الانقسام على أدائه الذي كان مرشحاً للتطور لولا انفجارالأزمة، عندما حققت أندية الكرامة والوحدة والاتحاد انتصارات مهمة على مستوى البطولات الآسيوية في العامين اللذين سبقا الـ2011. بعد ذلك تصدر بعض نجوم كرة القدم السورية منصة الاصطفافات السياسية المختلفة، بتظاهراتها ومسيراتها وخطبها وتصريحاتها، عوضاً عن تقديم متعة الأداء في الرياضة الأكثر شعبية في العالم. وكغيره من مؤسسات الدولة ذات الطابع الفني والترفيهي، غاب «الاتحاد السوري لكرة القدم» عن دائرة اهتمام المسؤولين في معمعة «تبدّل الأولويات» التي تصدرها التعامل مع آثار الحرب المدمرة، وكنتيجة لانفراط عقد المنتخب.
واستمر الحال كذلك حتى فوجئ جمهور كرة القدم بظهور منتخب قوي نسبياً على المستوى القاري في التصفيات المؤهلة لكأس العالم، مونديال روسيا 2018، تمكن من التغلب على كمبوديا بنتيجة (6-0)، وعلى أفغانستان بالنتيجة ذاتها، وعلى سنغافورة بهدف دون مقابل، أما خسارته الوحيدة فكانت بمواجهة منتخب اليابان (3-0) بالرغم من أداء المنتخب المقبول في تلك المبارة، ثم أعاد المنتخب الفوز مجدداً على أفغانستان (5-2) في دوري الإياب، وما زال يستعد لمواجهات جديدة. إثر ذلك، انتشلت انتصارات المنتخب الجمهور السوري من معمعة استعراض الخيبات المتواصلة على صفحات «فايسبوك» ووسائط التواصل الاجتماعي، باتجاه التفاعل مع «المعركة الوطنية» للمنتخب. وبدأ النشطاء ينظمون حملات لدعم وتشجيع المنتخب بالنكهة السورية الساخرة، وتصدرتها على «فايسبوك» صفحة «زميل وجيه: نعم زميل جوزيف»، نسبة إلى المعلقين الرياضيين شبه الوحيدين في التلفزيون السوري على مدى عقدين من الزمن، وجيه شويكي وجوزيف بشور، اللذين كانا يستخدمان تلك العبارة (اسم الصفحة) مرات كثيرة في أثناء التعليق على المباريات. تكثف تلك العبارة بالنسبة إلى الجمهور السوري حالة الحرج التي كان المعلقان يعانيانها عندما يشتد الضغط على المنتخب الوطني أو عند دخول هدف في مرماه، ليستنجد أحدهما بالآخر بصيغة: «زميل وجيه: نعم زميل جوزيف»، وبالعكس. كذلك إن لغة التخاطب في الصفحة المذكورة تستخدم لكنة وجيه شويكي: فجميع الأعضاء فيها «زومالاء» (زملاء)، ويستبدل بالحرف (ث) الحرف (س) على الدوام في تلك الصفحة فيكتب «سلاسة أهداف» بدلاً من ثلاثة، و«يرجى السبات (الثبات) من جانب لاعبينا في الدفاع». ولا تخلو التعليقات من الهفوات «التاريخية» للزميل وجيه، التي يحفظها جمهور الكرة السوري عن ظهر قلب: كقوله في إحدى المرات: «كرة زاحفة أرضية تعلو المرمى بقليل»، أو قوله في أثناء إعادة أحد الأهداف: «هدف ثاني، لنفس اللاعب ومن نفس الزاوية وبالطريقة ذاتها» ليستدرك بعد عدة ثواني «يبدو أنها إعادة الهدف السابق...». بهذه الروح يشجع الجمهور المنتخب على العديد من الصفحات الجديدة على «فايسبوك»، ونظموا حملات لدعم المنتخب، كشن «حرب نفسية» على اليابانيين قبيل مباراة سوريا واليابان (عقدة السوريين) إحدى شعاراتها «المكدوس السوري في مواجهة السوتشي الياباني»، «هم لديهم هوندا (لاعب ياباني)، ونحن لدينا الهونداية (سيارة صغيرة لنقل الأثاث)».
بدأ النشطاء ينظمون حملات لدعم المنتخب بالنكهة السورية الساخرة
ومع حلول موعد كل مباراة تتحول السخرية شيئاً فشيئاً إلى نقاشات جدية محتدمة حول تشكيلة المنتخب وخطط المواجهة مع بقية المنتخبات ليأخذ الجمهور وضعه الطبيعي كمشجع لفريق بلاده. يقول الشاب العشريني شادي السلمان لـ«الأخبار»: «نشعر بالامتنان تجاه المنتخب، لأنه ذكرنا بأننا ننتمي إلى بلاد كسائر البلدان، لها منتخب يفوز ويخسر وينافس». كذلك يرى بعض المشجعين أن المنتخب الحالي هو إحدى المظلات التي تجمع أبناء البلد الواحد. ففي وقت تضيع فيه الهوية وينقطع حبل الانتماء بين المتنازعين، تغدو الرمزيات الجامعة البسيطة ككرة القدم خيوطاً لا بد منها لجمع الشمل وحفاظ ما يمكن الحفاظ عليه. وتقول إحدى المشجعات المتحمسات لـ«الأخبار»: «عبر تشجيعنا للمنتخب الذي يستعيد ألقه رويداً رويداً، نسعى ضمنياً لنجتمع مرة أخرى ونتوحد حول أمر يخصنا جميعاً، ولنخرج مؤقتاً من الانقسام العقيم الذي شل حياتنا».
أما عن السبب في عودة الروح أخيراً إلى المنتخب، فهو يكمن، بحسب المتابعين، في أن إدارة المنتخب اعتمدت على جيل جديد من اللاعبين ظهر في السنوات الأربع الأخيرة، مع تطعيمهم بعدد من لاعبي الخبرة من تشكيلة المنتخب القديمة، توازياً مع توفير الجو الملائم لعودة اللاعبين من الأندية العربية والعالمية من حيث التواصل معهم لفتح المجال أمام استدعائهم للمنتخب، وتوفير كل شروط وضمانات أمنهم وسلامتهم لدى دخولهم إلى البلاد أو عند التحاقهم بالمعسكرات التدريبية. يقول مصدر من اتحاد الكرة السورية لـ«الأخبار»: «معظم اللاعبين أبدوا استعداداً عالياً لمشاركتهم في المنتخب. فيما لا تزال الاتصالات مستمرة مع لاعبين آخرين تمهيداً لعودتهم إلى المنتخب».
وتشارك في المنتخب أسماء كثيرة تلعب في الدوريات العربية، كالحارس مصعب بلحوس (الدوري العماني) وعمر خربين وعلاء الشبلي (الدوري العراقي) وغيرهم. فيما يترقب جمهور الكرة السوري انضمام المهاجم عمر السومة، اللاعب في الفريق الأهلي السعودي، وهداف الدوري السعودي في العام الماضي، إلى المنتخب. وكان السومة قد رفض عدة مرات عروضاً سعودية بتجنيسه للعب في المنتخب السعودي، وأعلن أكثر من مرة على وسائل الإعلام أن «الأولوية لديه للعب مع المنتخب السوري»، وأنه يجري اتصالات مع إدارة المنتخب للانضمام إليه، وهو ما أكدته مراراً إدارة المنتخب السوري في بيانات عدة.