لعلها من المرات النادرة التي يتحول فيها انجاز عملاني تكتيكي لطرف ما الى عبء استراتيجي، اذ لم تمر على الفرحة التي خيمت على المسؤولين الاسرائيليين، ساعات حتى انقلبت الى مخاوف وشعور بأن احداً ما داس لغماً، وهو ينتظر الان أن ينفجر به. ابرز معالم القلق ظهرت في محاولة اسرائيل التنصل من المعرفة المسبقة بوجود الجنرال الايراني في الموكب الذي استهدفته، بعدما توعد قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، اسرائيل بـ «عاصفة مدمرة».
عبَّر المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت احرونوت» عن المشهد السائد في الساحة الاسرائيلية بالقول «نأسف لنجاحنا أكثر مما ينبغي»، وفسر ذلك بأن العملية تحولت الى أزمة استراتيجية، ونتيجة ذلك باتت منظومات القبة الحديدية تنتشر منذ الان في الشمال. واضاف، من دون أن يكشف عن الجهة التي وقفت خلف عملية الاغتيال: «يمكننا أن نفترض أن المخططين لم يحلموا بنجاح باهر بهذا الشكل. فبصاروخين أصبنا ثلاثة عصافير مرة واحدة: انتهاك للسيادة السورية، وضرب رمز لحزب الله، واغتيال جنرال إيراني». ورأى أنه إذا كانت اسرائيل «تعرف ماذا ومن هاجمت في العملية في الجولان فاننا نكون هنا امام مشكلة في التفكيرالاستراتيجي». ولفت فيشمان الى انه ليست اسرائيل وحدها الصامتة، بل كل وزارات الخارجية في العالم. وفي هذه الاثناء يتراجع الجميع ويدفنون رؤوسهم في الرمال، على أمل أن يمر الحدث كيفما اتفق. اما إذا وقعت عاصفة ما، فيأملون في اسرائيل أن تكون قصيرة. وفي الوقت الذي تبحث فيه اسرائيل عن مؤشرات تكشف ما ينوي حزب الله القيام به، رأى فيشمان أن اعلان ايران عن شهدائها وتشييع شهداء حزب الله بمسيرات شعبية، كما لو أنه اعداد ورسالة للرأي العام في الداخل والعالم، «نحن نعتزم الرد».
مصدر عسكري: لم
نستهدف قتل الجنرال الإيراني
في الغارة


نأسف لنجاحنا أكثر مما
ينبغي بعدما تحوّلت العملية الى أزمة استراتيجية

ورأى المعلق السياسي في الصحيفة ذاتها، يوسي يهوشاع، أن اعلان ايران عن مقتل جنرال ينتمي الى الحرس الثوري، رغم أنه يعد نجاحا باهرا للعملية، يزيد من مخاطرها، لكن المعلق المختص بالشؤون العربية في «هآرتس»، تسافي برئيل، اكد أن الهجوم يقوّض الوضع القائم، ويزيد من تدخل اسرائيل في الازمة السورية، ويرسم خطا أحمر جديدا. واكد أنه طالما تسيطر على اجزاء من الجولان تنظيمات حتى لو كانت تتبع لتنظيم القاعدة، فإن اسرائيل لا ترى في ذلك، تهديدا، ولكن دخول قوات حزب الله ومقاتلين ايرانيين يعد تحولا استراتيجيا سيواجه برد اسرائيلي عنيف.
من جانبه، رأى المحلل العسكري في «هآرتس»، عاموس هارئيل، انه بالرغم من ان احدا غير معني بالتصعيد، سواء اسرائيل او حزب الله، الا ان مقتل الجنرال الايراني سيعقد الوضع، مشيرا الى ان هذا العامل، يدخل الى قلب التوتر القائم بين ايران واسرائيل وليس فقط حزب الله. وبالتالي فإن السؤال هو ما اذا كانت طهران ستختار، في هذه الظروف ، إبقاء الرد في يد حزب الله.
وكشف هرئيل ما يمكن اعتباره الرهان الذي استندت اليه اسرائيل في قرارها باستهداف مقاتلي حزب الله، أن الاخير مشغول في مواجهة «التنظيمات الجهادية» التي تحاول النيل منه، وهو ما سيقيد حركته في مواجهة اسرائيل. وعلى هذه الخلفية اورد هرئيل تقديرات الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية بأن حزب الله ليس معنيا بتصعيد، لكنه حذر من أن تقديرات مشابهة كانت موجودة عشية حرب لبنان الثانية عام 2006. وانطلاقا من هذه التقديرات، توقع هرئيل بأن يبادر الحزب بتوجيه ضربة لاسرائيل في دولة اجنبية من دون أن يعلن مسؤوليته عنها.

ولمح هرئيل الى ان هذا الهجوم، ضد حزب الله، مثل غيره من العمليات العسكرية الاسرائيلية المشابهة، تقرر رغم وجود معارضة من قبل ضباط داخل هيئة الاركان وتحذيرهم من العواقب. واضاف أن وزير الامن موشيه يعلون يؤيد جدا هجمات عدوانية من هذا النوع، ويستند في ذلك الى تجربته الغنية في مثل هذه العمليات وابرزها قيادته وحدة كوماندوس النخبة «سييرت متكال» في عملية اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير (ابو جهاد) في تونس عام 1988.
وتناول المعلق العسكري في «هآرتس» السياسة التي يتبعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في هذا المجال. واوضح أن الموقف الرسمي الاسرائيلي يحافظ على الغموض، فمن جهة لا تقر بأنها هاجمت في الجولان، لكن على خط مواز فإن العنوان الرئيسي لصحيفة «اسرائيل اليوم» التي وصفها بـ «صحيفة السلطة» كان «قواتنا هاجمت خلية مخربين كبار» في هضبة الجولان. ولفت هرئيل الى ان هذه الازدواجية تسمح لنتنياهو بالمشاركة في العمل والتنصل منه في الوقت نفسه .