في وقت لا تزال التحقيقات جارية عما إذا كانت الغارة على القنيطرة التي أودت بحياة ستة من كوادر المقاومة ناتجة عن خطأ ميداني وقع فيه الشهداء بتحركهم في منطقة مكشوفة للعدو، أم عن عمل استخباراتي موضعي. وبصرف النظر عن قوة الضربة التي تلقتها المقاومة، فإن النتيجتين الاستراتيجيتين الأهم اللتين أسفر عنهما العدوان، هما إطلاق صفّارة تحوّل الجولان منطقة مقاومة، وتوحّدها في العمل المقاوم مع جنوب لبنان.
الاعتداء على القنيطرة رافقته تطورات لافتة، أبرزها:
ــــ ابتعاد حزب الله، في النعي الرسمي للشهداء الستة، عن توصيف «شهداء الواجب الجهادي»، الذي رافق كل بيانات النعي لمن سقطوا في الأراضي السورية من عناصره. وفي هذا إشارة واضحة الى ان هؤلاء سقطوا في مواجهة العدو الاسرائيلي، ما يثبت صحة منطق الحزب بأن الحرب التي يخوضها في سوريا هي حرب مع اسرائيل وحلفائها، من دون التقليل من الخطر التكفيري، وهذا ما ستجري الافادة منه لاحقاً على المستويين المعنوي والعملاني.
ــــ أثبت الاعتداء وجود تدخل اسرائيلي مباشر وعلني في الجولان بعدما كان الأمر يقتصر على تقارير عن تدخل غير مباشر ودعم لوجستي ومعلوماتي ومعالجة جرحى والمشاركة في بعض عمليات القصف.
ـــ توسيع ما تسميه اسرائيل «الجبهة الشمالية» لتشمل، الى جبهة جنوب لبنان، جبهة الجولان أيضاً، وبالتالي تأكيد صحة منطق الحزب وحرصه على عدم السماح للعدو أو للتكفيريين بالفصل بينهما.
ـــ أعطى العدوان المقاومة مبرراً لاستمرار العمل مع السوريين (وهو ما بدأ بالفعل وقطع أشواطاً) لتهيئة بيئة سورية حاضنة وعملانية لانطلاق حركة مقاومة في الجولان، وهو سيسرّع الخطوات ويضاعفها في هذا السياق.
أما في ما يتعلّق بالردّ على الغارة، فقد بات محسوماً، والبحث الجاري هو في مكانه وفي توقيته الذي يفترض ألا يكون بعيداً. صحيح ان المقاومة لا تعمل وفق منطق الثأر العشائري، لكن الرد العسكري، والموجع، أمر حتمي لاعتبارات عدة تتعلّق بمعنويات جمهور المقاومة، وبفعل الاغتيال المتعمّد، والعلني، لكوادرها. والأهم، للأسباب الأساسية التي لها علاقة بمحاولة العدو تغيير قواعد الاشتباك شبه المتعارف عليها وفرض معادلات جديدة. وعليه، سيكون الردّ واضحاً وبيّناً.
سليماني مرّ بدمشق قبل نحو عشرة أيام في طريقه الى بيروت حيث التقى قيادة المقاومة

وإذا كان اعلان حزب الله عن عملية اللبونة في آب 2013 استغرق شهوراً، والاعلان عن عملية شبعا في تشرين الأول 2014 استغرق ساعات، فليس مستبعداً أن يأتي الاعلان عن الضربة الموعودة مترافقاً مع تنفيذها هذه المرة.
إذاً، زمان الرد ومكانه وشكله موضع درس لدى قيادة المقاومة. وهو درس يأخذ في الاعتبار عناصر عدة من بينها وضع المقاومة نفسها، وظروف الجيش السوري، والداخل اللبناني، والواقع الاقليمي، واحتمالات الردّ على الردّ وامكان التدحرج الى حرب واسعة.
ومع الجهوزية التامة للمقاومة في مواجهة أي تدحرج، فإن التقدير الأولي أن الاسرائيلي ربما يكون مجبراً على بلع الردّ مهما كانت قساوته، لاعتبارات أميركية في الدرجة الأولى، تتعلق بالمفاوضات حول النووي الايراني بين واشنطن وطهران، من دون أن يحول ذلك دون استمرار حرب «الضرب تحت الحزام» القائمة بين الطرفين. وهنا يمكن إدراج المسعى الاسرائيلي باتجاه التهدئة أمس، عبر التصريح بأن اعتداء القنيطرة لم يكن يستهدف اغتيال العميد في الحرس الثوري الايراني، محمد علي الله دادي، وانه «كان يفترض أن تكون العملية تكتيكية محدودة»!
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» من مصادر سورية مطلعة أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني مرّ بدمشق قبل نحو عشرة أيام في طريقه الى بيروت حيث التقى قيادة المقاومة. وترافقت الزيارة مع ما نقل عن دبلوماسيين ايرانيين عن تقدّم كبير في الملف النووي، وأن واشنطن أبلغت حلفاءها في الرياض وتل أبيب بالأمر. وبصرف النظر عن النوايا الأميركية، فإن من يذهب الى اتفاق كبير على مستوى المنطقة، معطوفاً على تنسيق مع طهران ضد «داعش» في العراق على الأقل، ومعطوفاً كذلك على بدء الحديث عن ملامح حل سياسي في سوريا، لن يسمح للاسرائيلي بجرّ المنطقة الى حرب شاملة تطيح بهذا الانجاز الذي يعمل له باراك اوباما منذ ولايته الأولى.
أضف الى ذلك، على المستوى الميداني، إدراك تل أبيب، في ضوء ما كشفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أخيراً حول ترسانة المقاومة، أن الحرب مع الحزب ليست نزهة صيفية في ظل عشرات آلاف الصواريخ الدقيقة والمتطورة التي يملكها، ولا يمكن أي مشروع انتخابي داخلي في اسرائيل أن يتحمّلها. أما على المستوى السياسي، فلا مصلحة اسرائيلية في حرب تعيد لحزب الله مكانته عربياً، وتعيد الصراع في المنطقة الى جوهره، في ظل التوتر المذهبي المريح للدولة العبرية.
في التقدير ــــ أيضاً ــــ حول مكان الردّ، أعطى الاسرائيليون، بعدوانهم على الأراضي السورية، المقاومة ذريعة للرد من الجبهة نفسها، من دون إغفال بقية الجبهات. ناهيك عن أن الداخل اللبناني سيكون أكثر تقبّلاً لضربة على الجبهة السورية قد تبقي لبنان في منأى عن تبعاتها، ولا تطيح بأجواء التواصل والحوار مع بقية الأطراف السياسية.