اللاجئون السوريون يدفنون تحت الثلج بصمت. واقع لا مبالغة في وصفه. رائحة الموت منتشرة بين المخيمات التي أضناها الصقيع، توثّق حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء، وتفضح مدى العجز المذلّ عن إنقاذ أرواحهم. ثلاثة أشخاص قضوا، أمس، في شبعا بعدما جمّدهم "الثلج"، فيما لسع البرد حياة بدأت للتو لطفلة رضيعة في عرسال.
لم يكن الوضع المأساوي الذي استفاق عليه اللاجئون السوريون مفاجئًا لأحد من المعنيين. الجميع كان يدرك هشاشة الخيم التي تؤويهم ويعي النقص الحاد في أدويتهم وبطانياتهم ووقودهم. تُرك هؤلاء يستقبلون موتهم عبر أوردة مجمّدة وأطراف باردة. لم تستطع غالبية خيم النازحين في عرسال وفي البقاع وعكار والضنية احتمال ثقل الثلوج التي تراكمت على سطوحها، فانهارت على رؤوس قاطنيها. انشغل البعض منهم في "إعادة تأهيل" بعض الخيم وتمكينها كي تصمد (ربما) في المرة المقبلة، فيما راح البعض الآخر يجرف الثلوج التي حاصرتهم ومنعتهم من التجوال.
يقول عضو هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية في عرسال طه صديق إن معظم الخيم متضررة على نحو كامل، لافتا الى "انتشار حالات المرض لدى الكثير من الأطفال"، ومؤكدا وفاة طفلة رضيعة (7 ايام) في أحد المخيمات. "أكثر من عشرين طفلا أصيبوا بالتهاب حاد في الرئة"، يقول الطبيب المسؤول في الهيئة الطبية في عرسال قاسم الزين. يضيف ان "جميع المصابين رضّع وتراوح أعمارهم بين اليوم والتسعة أشهر"، لافتا الى "ان المستشفى يعاني نقصا في الأدوية وفي الأمكنة". يقول الزين في هذا الصدد إن "هناك بعض الحالات التي تستدعي البقاء في المستشفى، إلا أننا عمدنا الى استكمال علاجاتهم خارجها، كي نتمكن من معالجة اكبر عدد من الحالات"، وبالتالي بقاء الحالات الحرجة، التي بلغت حالتين حتى ظهر امس: الرضيع اياد (اربعة اشهر) وطفلة مولودة حديثا لم ينتق أهلها اسما لها بعد. المؤسف، أن هناك الكثير من الحالات، التي لم تستطع الوصول الى المراكز الطبية في عرسال، وفق ما يؤكد المعنيون هناك، بسبب إقفال الطرق الجردية وعدم وجود أي آليات مساعدة في هذا المجال، "الأمر الذي جعلنا نضطر الى زيارة هذه المخيمات، والتنقل بينها". كان لافتا أن تطلب هيئة الإغاثة من البلدية تقديم بعض الدعم البسيط المتمثل بجرافات او سيارات رباعية الدفع لمساعدة اللاجئين، ولكنها لم تلق جوابا منها، بحسب ما يقول صديق.
الوضع في جرود عرسال صعب، لا أحد يعلم ما يعانيه اللاجئون هناك، صعوبة التنقل حالت دون تمكّن الطواقم الطبية من الكشف على حالات الأطفال والنازحين، وحالت دون معرفة الوضع الذي يعيشه هؤلاء. "على الأقل، المقيمون داخل عرسال استطاعوا الهرب الى بعض المراكز البديلة من جوامع وغيرها، إلا أننا لا نعرف شيئا عن مصير المقيمين في الخيم في الجرود"، هذا ما يقوله أحد الناشطين المتطوعين لمساعدة اللاجئين في عرسال. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة حول عددهم، إلا أن بعض المعلومات تشير الى وجود اكثر من ألف عائلة تسكن في خيم بالية وتفتقر إلى الخدمات الإغاثية والطبية. الجدير ذكره أن مديرة البرامج في اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية جيهان القيسي كانت قد كشفت قبل وصول العاصفة عن "وجود 10 مخيمات في الجرود تعاني وضعا مأسويا" . يُذكر أن المنظمات الدولية انسحبت من عرسال في آب الماضي بحجة الوضع الأمني.
في شبعا، قضى 3 سوريين متجمدين في الجرود، بينهم طفل عمره 5 سنوات يدعى ماجد خير البدوي. الطفل كان يرافق والده من بيت جن السورية باتجاه شبعا لكنه لم يحتمل صقيع الجرد. حوصر وشخصين هما عمار أحمد كمال ومحمد ابراهيم أبو ضاهر فقضوا جميعا، فيما استطاع الوالد الوصول الى شبعا للإبلاغ عن فقدانه ابنه خلال رحلة انتقالهم.
يؤكد "اتحاد الإغاثية" أن هذه المجموعة لم تكن تتنقل، وأنها كانت تقطن في إحدى الخيم في الجرد، فيما لفتت المصادر الأمنية ان الحديث عن انتقال المجموعة جاء استنادا الى افادة الوالد خير البدوي.
من جهتها أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها واصلت تقديم المساعدات للدعم الخاص بفصل الشتاء لحوالى 132 الف أسرة لاجئة (حوالى 660 الف شخص). وتشمل التقديمات الدعم النقدي لمساعدة اللاجئين الأكثر فقرا على تحمّل اشهر الشتاء، فضلا عن توفير المواقد والبطانيات، كما تضم المساعدات الخاصة بفصل الشتاء، بحسب المفوضية، قسائم الوقود لدعم الذين يعيشون في مناطق ما فوق الـ500 متر، اضافة الى الشوادر البلاستيكية لمن يعيشون في مساكن غير آمنة. وأكدّت المفوضية استمرار تقديم الدعم النقدي لفصل الشتاء، وكوبونات الوقود للعائلات المستهدفة، التي ما زالت على اتصال بمكتب المفوضية، إلا أن المفوضية لا تنفي صعوبة تقديم المساعدات "الفعلية" و"الفعالة" للنازحين، فعلى الرغم من تقديمها مساعدات البطانيات والتقديمات النقدية، إلا أنها تعجز في كثير من الأحيان عن تقديم المساعدات الجدية، كتأهيل البنى التحتية للخيم والعمل على تثبيت هذه الخيم. كان لافتا ان تشير المفوضية الى أن إجراءات الوقاية من الفيضانات في تجمعّات الخيم والمساكن غير الآمنة "اقتصرت على الأماكن التي سمح للمفوضية العمل فيها". تقول الناطقة باسم المفوضية دانا سليمان أن "معظم الخيم موجودة على أملاك خاصة، وبالتالي فإن أصحاب الأراضي منعونا من القيام بأعمال تأهيل وغيرها". هذا الأمر أشارت اليه ممثلة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان اذ "ما زال العديد من اللاجئين يواجهون ظروفا صعبة للغاية". مضيفةً "على الرغم من كلّ الجهود التي نبذلها، لا يزال الوضع في لبنان غير مستقر بالنسبة إلى اللاجئين، نظراً للظروف السيئة التي يعيشون فيها، ولكونهم موزّعين على كافة الأراضي اللبنانيّة".