«كان عاماً لرحيل قامات إبداعية من مختلف الأجيال». هكذا يمكن النظر إلى 2014 الذي يصلح النظر إليه بوصفه عاماً للحزن في الثقافة المصرية. غيّب الموت العديد من الأسماء الراسخة مثل الروائي والرسام أمين ريان، والروائية رضوى عاشور، والروائي محمد ناجي، ومن الشباب الكاتبة نادين شمس والمخرج محمد رمضان، لكنه في المقابل بداً عاماً للالتفات إلى الثقافة المصرية من منظور حقوقي وإجرائي يركز على السياسات الثقافية. قضية يمكن اعتبارها مركزية في الثقافة المصرية هذا العام. حالما عاد جابر عصفور لتولي منصب وزارة الثقافة، رجعت المخاوف التي تربط عودته بعودة السياسات الثقافية التي كانت قائمة في عهد فاروق حسني... الوزير الأطول عمراً في تاريخ من تولى هذا المنصب الذي غادره اثر «ثورة 25 يناير» وبعد 23 عاماً، كان جابر عصفور فيها أقرب معاونيه. هذا الأمر أعطى انطباعاً بأنّ عصفور سيعمل على إعادة إنتاج سياسات النظام القديم ثقافياً.

مخاوف واجهها بإعلانه العمل على سياسة ثقافية جديدة سماها «الاستراتيجية الثقافية لأجهزة الدولة» راهن فيها على تنفيذ اتفاقيات تعاون مع خمس وزارات مكمّلة لعمل وزارة الثقافة، على أمل إحداث تأثير في قطاعات وثيقة الصلة بالثقافة. وعلى الرغم من حماسة عصفور لهذه الخطة، ترافقت مع إصرار أحد المثقفين المحسوبين على النظام القديم، وهو الكاتب السيد ياسين، على أنّه تلقى تكليفاً بإعداد سياسة ثقافية للدولة، ما قوبل برفض لافت في أوساط المثقفين الشباب، الذين سخروا أيضاً من قرارات إعادة إنشاء «المجلس الاعلى للثقافة» التي لم يسمها أي تغيير، مما ساهم في إظهار المؤسسة الأبرز في وزارة الثقافة كمؤسسة للكهنة الكبار.
المؤكد أنّ الجدل حول السياسات الثقافية أسهم في اتساع دوائر النقاش حول مشاريع أخرى قدمتها مؤسسات وقطاعات مدنية معنية بالموضوع، أبرزها المبادرة التي تبناها «المورد الثقافي» قبل خمس سنوات عن إنشاء مجموعات وطنية لكتابة السياسات الثقافية. اقتراح وجد بعض الاهتمام كصدى لرد الفعل السلبي على مقترحات السيد ياسين.
وفي مقابل الركود البالغ في تشكيلات «المجلس الأعلى للثقافة» وتأميمه جيلياً، بدا واضحاً أيضاً أنّ الوزارة قادرة على إحداث حراك إيجابي في المواقع القيادية، حيث تولى أنور مغيث إدارة مركز الترجمة، كما تولى محمد عفيفي أمانة المجلس الأعلى للثقافة، وتولى حلمي النمنم مسؤولية دار الكتب. قرارات وصفت بالإيجابية مثلها مثل التغييرات في تشكيلات المطبوعات الثقافية التي تصدرها الوزارة. من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى 2014 كعام للتوجس من قبل هيئات مدنية، استشعرت قدراً من الغموض بشأن مستقبل عملها في مصر في ظل نوايا عن إعلان قانون جديد للجمعيات يضع ضوابط لتلقي التمويل الأجنبي، ويقنن عمل بعض المنظمات، مما دفع مؤسسة «المورد» الى إعلان وقف عملها في مصر، والبحث عن مقر إقليمي بديل برغم النجاحات التي حققتها طوال 10 سنوات من العمل. والحال أن التوجس لم يشمل فقط المنظمات والمؤسسات التي تتلقى تمويلاً أجنبياً، بل امتد ليشمل أيضاً المهتمين بحرية التعبير. بدا المناخ في مصر أميل الى الانغلاق مع توسع الممارسات الأمنية على نحو يهدد النجاحات التي تحققت في العام الماضي. وأدت التعبئة الإعلامية وحشد الجماهير وراء معركة مواجهة الإرهاب دوراً في التعدي على مساحات الحريات العامة، الى جانب اختلاق قضايا وهمية من نوعية «زيادة إعداد الملحدين» وغيرها من القضايا التي بدا واضحاً أنّ إثارتها في أوقات ذات دلالة، تسهم في استخدام الحرب على الإرهاب كفزاعة لتقوية الآلة الأمنية للدولة واستعادة ممارساتها في الماضي. ممارسات نجحت في وقف فعالية «الفن ميدان» بعد ثلاث سنوات من العمل في الشارع بنجاح. غير أنّ قضايا حرية التعبير حققت نصراً في المقابل بعدما ألغت محكمة القضاء الإداري قراراً لرئيس الحكومة إبراهيم محلب بمنع فيلم «حلاوة روح» للنجمة اللبنانية هيفا وهبي.
وعلى صعيد الانتاج الثقافي والابداعي، يمكن التوقف أمام العديد من الظواهر، أبرزها تفشي ظاهرة الـ «بيست سيلرز» التي كرست أسماء بعض الكتاب الذين اتهمهم منافسون لهم بـ «تقديم أدب يفتقر الى القيمة»، لكن هذا الاتهام لا يصمد أمام أرقام المبيعات التي أظهرت إقبالاً واسعاً على نوعية من الأدب لم تكن مطروقة من قبل، كأدب الرعب، وأدب الخيال العلمي. وارتبط بهذه الظاهرة التوسع غير المسبوق في التأثير الذي تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي، في رسم سياسات الأدب والنشر كأداة تفاعلية ضاغطة. إلى جانب هذه الظاهرة، يمكن نرصد تفشي ظاهرة تزوير الكتب وقرصنة بعض الطبعات وإعادة طبعها وتوزيعها على بسطات الصحف في شوارع القاهرة.