أقفل عام 2013 في التقويم فقط، لكنّه في الواقع أكمل مسلسله الدامي في التفجيرات الإرهابية التي طاولت لبنان ضاحيةً وبقاعاً، واستكملت معه جوقة التحريض والرقص على الدماء. دشّن عام 2014 بتفجير إرهابي طاول منطقة حارة حريك (ضاحية بيروت الجنوبية) وتكررت السيناريوات نفسها في تحميل المسؤولية لـ «حزب الله». بحسب مقدمة نشرة mtv وقتها، فتح الحزب «قنوات الموت بينه وبين خصومه واللعب بالمساحات السورية لن يأتي الا بالويل».
عند كل استحقاق من هذا القبيل، كانت الشاشات تتفنن في ابتكار بدع مستجدة على الإعلام من الصاق صفة انتحاري بأي شخص من دون التأكد من هويته كما حدث مع lbci غداة تفجير الهرمل (شباط/ فبراير)، أو في تفجير «الطيونة» (حزيران/يونيو) عندما فتحت القنوات الهواء لما يسمى بشهود العيان وبدأت فبركة الوقائع من دون حسيب أو رقيب. وأبرز تغطية يمكن أن تسجل في التعاطي مع هذه التفجيرات كانت معركة عرسال (آب/أغسطس) وتحديداً الإعلام الخليجي الذي أراد من بلدة عرسال البقاعية الصغيرة أن يسقط عليها السيناريو الإعلامي الذي اتسمت به الأزمة السورية والقائم على الفبركات وتشويه الحقائق. وبعد شهرين أي في تشرين الاول (نوفمبر)، أكمل هذا الإعلام ترحيبه بالزحف الداعشي، وبرز ذلك من خلال معركة بريتال عندما غزت المجموعات الإرهابية الداخل اللبناني.
في خضم هذه التفجيرات الإرهابية، سطت التنظيمات الإرهابية على الساحة الإعلامية بقوة، وسرعان ما تغلغلت داخلها، فوقع الإعلام بداية في فخ الترويج لها ولسياساتها الإعلامية الترهيبية، ليعود بعد ذلك لا سيما مع قضية العسكريين المختطفين في آب (أغسطس) الماضي ويجري مراجعة ذاتية خرقتها بعض التجاوزات المهنية بسبب احتدام المنافسة بين القنوات. وفي أيلول (سبتمبر) أي بعد شهر من الاختطاف، تحرّكت وزارة الإعلام لبحث سياسة اعلامية تجنباً للوقوع في الفخ الداعشي. هذه المنظمات التي اتخذت من المنابر الافتراضية ملاذاً لها، تمّت محاصرتها الكترونياً بعد بث عملية إعدام الصحافي الأميركي جيمس فولي، لكنّها سرعان ما تحايلت على هذا الحظر عبر دخول بوابات أخرى. في هذا الإطار، برزت مبادرة lbci بعد الاضطهاد الذي تعرّض له المسيحيون في العراق ضمن حملة إعلامية شملت زيادة حرف «ن» على اللوغو الخاص بها، مترافقاً مع مجموعة كليبات ترويجية تعيد الاعتبار الى مفهوم الاختلاف كغنى وليس كمصدر للصراع.
في الزمن الداعشي أيضاً، تمارس الكيديات والاستنسابية. هكذا استدعيت مراسلة «الجديد» نانسي السبع الى المحكمة العسكرية لأنها نشرت صوراً لجرحى من «داعش» في «مستشفى بيروت الحكومي» (سبتمبر). وفي الشهر عينه، يعتدى على مراسل mtv حسين خريس عندما كان يغطي قطع الطرقات في الضاحية الجنوبية غداة إعدام الجندي عباس مدلج على يد «داعش».
الجسم الصحافي كذلك لم يسلم من الانتهاكات والاعتداءات الوحشية: فريق «المنار» حمزة الحاج حسن، حليم علاوه، ومحمد منتش، أضحوا شهداء على أيدي الجماعات التكفيرية، لدى تغطيتهم لتحرير البلدة السورية معلولا منها. مراسلة «برس. تي. في» سيرينا سحيم دفعت ثمن حياتها أيضاً في تركيا لدى عودتها من كوباني حيث قدمت من هناك تقارير حساسة وجريئة. أصابع الاتهام ـــ كما أفادت القناة ــ توجّهت الى المخابرات التركية. وأبى أن يقفل العام الا على انتهاكات جديدة تمثلت في الاعتداء على فريق «الجديد» المؤلف من مراسلته يمنى فواز، والمصوّر سعد عيّاد من قبل مرافقي بيار فتوش (شقيق النائب نقولا فتوش). كذلك، نال مراسل «العربي الجديد» حصته من الاعتداء عندما تعرّض له رجال الأمن في دار الإفتاء لدى انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية.
”الأخبار» و»الجديد» كذلك كانا على موعد استحقاق مع الحريات الإعلامية، مع طلب «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان» مثول كل من نائبة رئيس مجلس ادارة «الجديد» كرمى خياط، ورئيس تحرير صحيفة «الأخبار» الزميل ابراهيم الأمين على خلفية نشر تسريبات من المحكمة عينها. هذا الاستحقاق أعقب حملة تضامن بدأها ناشر «السفير» طلال سلمان بدعوة الجسم الصحافي الى التضامن من «نقابة الصحافة». وهكذا كبرت كرة الثلج افتراضياً وواقعاً في حملات التضامن رفضاً لتطويع «العدالة»، و»تحقير الصحافة».
ومع ارتفاع التهديدات التي يتعرض لها الصحافيون/ ات في العالم قتلاً، أو سجناً أو منعاً للوصول الى المعلومات، تُطرح في كل مرة قضية «مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية» الذي تزداد سنوياً الأسئلة حول مهماته، وانتهاكه لحرية الأفراد والصحافيين. هذا العام سجل المكتب استدعاء المدونين والصحافيين: جان عاصي، عماد بزّي، ريتا كامل، جينو رعيدي، كريم حوا، مهند الحاج علي، وزافين قيومجيان بـ”تهم” مختلفة. الى جانب هذه «الإنجازات»، كان خبر حجب 6 مواقع إباحية تبين لاحقاً أن لا دخل لها لا بالبيدوفيليا ولا بالسياسية الحمائية التي تدّعيها الدولة اللبنانية.
بعد سقطة «المنار» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي لدى «اعتذارها» عن تغطية انتفاضة البحرين، سرعان ما تسلّم مدير العلاقات العامة في القناة ابراهيم فرحات إدارتها العامة، ولحق ذلك ضخ في البرمجة. هذه السقطة لم تكن أشفى حال من أخرى اقترفتها lbci في دخول فريقها الى القاعدة العسكرية الإسرائيلية «رامات دافيد» في خرق واضح لقانون الإعلام المرئي والمسموع الذي يحظّر الترويج للعلاقة مع العدو الصهيوني.
في زحمة البرامج والتجديد الموسمي للقنوات، أصبح متداولاً مصطلح «ليلة الاثنين». ضمت ليلته منافسة محتدمة في «التوك شو» الاجتماعي بين «للنشر» على «الجديد» الذي قادت سفينته الإعلامية ريما كركي، و»1544” على mtv مع طوني خليفة، وأخيراً «حكي جالس» على lbci مع جو معلوف.
وفي الحديث عن البرمجة والمنافسة، سجل هذا العام ما سميّ «بانتفاضة القنوات المحلية» على شركة «إيبسوس»، مع انسحاب 6 قنوات من الشراكة معها على خلفية «الاحتكار» والتزوير». وسبقت «انقلاب» القنوات اللبنانية، انتفاضة شبيهة بها، لكن هذه المرة مصرية مع فضّ كل من «الحياة» و»سي. بي.سي» و»النهار» و»أون. تي. في»، التعاون مع الشركة المذكورة بتهمة «التلاعب”.
وفي المشهد اللبناني أيضاً، برزت هذا العام النشرات الموحدة بين القنوات المحلية تضامناً مع غزة تحت عنوان ”فلسطين لست وحدك»، ولم يكتب للنشرة الموحدة تضامن مع الجيش اللبناني في وجه الإرهاب. عربياً، حدد موعد انطلاق قناة «العرب» في شباط (فبراير) المقبل وسط بحر من الترقب والتساؤلات حول دورها المستقبلي في الصراع السعودي- القطري ووجهة تغطيتها لأحداث المنطقة الملتهبة.




الفضاء العربي: خندقة وانحياز

قد تتبدل أوراق رزنامة العام الحالي وندخل عاماً جديداً، لكن يبقى الثابت الوحيد مقاربة الإعلام العربي، خصوصاً الخليجي إلى ملفات المنطقة. هذا العام لم يسجل أي تغيير في سياسة الإنحياز التي تمارسها هذه الفضائيات التي تغلغلت في الموضوع اللبناني، ومارس بعضها التشفّي خصوصاً وقت الإنفجارات الإرهابية التي هزت المناطق اللبنانية. الى جانب ذلك، دخلت هذه القنوات على خط ملف العسكريين المخطوفين. ولعل أكثر تغطية فاقعة كانت لجريمة إعدام الجندي عباس مدلج على يد «داعش» حين عنونت «العربية» في أيلول (سبتمبر) الماضي ”رأس الجندي المذبوح يقطع الطرقات اللبنانية». وبرزت أيضاً معركة بريتال البقاعية حين اعتدت التنظيمات الإرهابية على حاجز لـ «حزب الله»، فما كان من «الجزيرة» و»العربية» سوى إعلان «هزيمة حزب الله»، ومناصرة «الثوار» على حد تعبيرهما. وفي فلسطين أيضاً لم تستح المحطة السعودية من تبرير مقتل وحرق الطفل محمد أبو خضير (يوليو) على يد مستوطنين صهاينة. كذلك، تبنت تسمية «المجمع المقدس» الصهيونية بدل «المسجد الأقصى» في سعي واضح إلى تهويد فلسطين. وفي المشهد العربي أيضاً، انضمت صحيفة وموقع «العربي الجديد» إلى الساحة الإعلامية. مولود قطري يسعى الى الدمج بين «يسار الربيع العربي» والتيار الإسلاموي الاخوانجي، على أن يتبع ذلك إطلاق فضائية أيضاً.




سمير كساب ورفيقاه

سنة وثلاثة أشهر مضت على اختفاء طاقم محطة «سكاي نيوز عربية» في حلب (شمال سوريا): المصّور اللبناني سمير كسّاب، ومعه المراسل الموريتاني إسحاق مختار وعدنان عجاج السائق السوري الذي كان يقلهما. منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2013 ، غابت أي معلومة مؤكدة حول مصير طاقم المحطة. هذا الغياب مع التقاعس الرسمي اللبناني في البحث والتقصي، أثار مخاوف من دخول قضية هؤلاء المعتقلين طيّ النسيان. ومع ذلك وفي فترة الأعياد والتقاء شمل العائلات، تطل والدة كساب لتجدد حزنها مع عائلتها على هذا الإختفاء وتتمسك ببصيص أمل بأن ابنها ما زال على قيد الحياة وسيعود الى أحضان عائلته مجدداً.