رغم كل المعارك السياسية التي خاضها الوزير السابق شربل نحاس من قبل تعيينه وزيراً في حكومتين متعاقبين، حتى خوضه معركة وزارة الاتصالات فمعركة تصحيح الأجور ثم الاستقالة من الحكومة، فإنه لم يملّ من مواجهة السلطة. وبعد تجربته في الحراك الشعبي صيف العام الفائت، قرر نحاس نقل حلبة المواجهة الى النطاق البلدي، إذ أعلن أمس ترشحه وثلاثة من رفاقه في حملة "مواطنون ومواطنات في دولة" لانتخابات بلدية بيروت.
قبل الإعلان بيوم، جال نحاس في "بوسطة المواطنين"، مع صحافيين وبعض ناشطي الحملة، في "سياحة بيروتية" لتعريف الناخبين على قضايا سياسة "عامة" وليس "خاصة" بكل منطقة، واصفاً خصوصية العمل البلدي بـ"الكذبة الكبيرة"، ومعتبراً أن للبلدية دوراً واسعاً جداً يطال كل ما له علاقة بمسائل "ذات شأن عام".
خوض المعركة الانتخابية من خلال عدد من المرشحين في بلديات عدة هو لمواجهة "العصابة الحاكمة"، ولكن ليس من خلال السعي للاستحواذ على أكثرية المقاعد في إحدى البلديات، فالحملة رشحّت في بيروت مثلاً أربعة أشخاص فقط (شربل نحاس، غادة اليافي، جورج صفير، وياسر الساروت)، على أن تعلن أسماء المرشحين في بقية المحافظات بالتزامن مع جولة "بوسطة المواطنين" فيها.
يراهن نحاس على إمكانية نجاح مرشح واحد على الأقل في الوصول الى البلدية، لـ"خلق مشاكل داخلها تفضح اللعبة التافهة المتمثلة في تحالف البلديات مع السلطة السياسية" بحسب ما يقول لـ"الأخبار"، مسترشداً بتجربته الوزارية.
قبل انطلاق "بوسطة المواطنين" من أمام مبنى جريدة النهار السبت، تحدث نحاس عن أهمية إجراء الانتخابات البلدية التي "تُسقط ولو في الشكل قرار المجلس الدستوري بالتمديد للانتخابات النيابية بذريعة الأوضاع الأمنية". ويلفت إلى إيجابية الانتخابات البلدية كون التقسيم الطائفي غائباً عنها، مشيراً في الوقت عينه الى "بشاعة هذه الانتخابات التي تظهر المرتبة الدنيا من الاستزلام السياسي".
يراهن نحاس على إمكانية نجاح مرشح واحد على الأقل في الوصول إلى البلدية

المحطة الأولى في مشوار "بوسطة المواطنين" كانت حرج بيروت. هناك سرد الناشط البيئي علي درويش حكاية حرج بيروت منذ كانت مساحته مليون متر مربع حتى أصبحت اليوم 370 ألف متر مربع اليوم، "الجزء الأول من الحرج مغلق أمام المواطنين نتيجة السماح لإقامة ميدان سباق الخيل، والجزء الثاني منه مغلق كافة أيام الأسبوع أمام اللبنانيين باستثناء نهار السبت". وعزا درويش اختيار حرج بيروت الى أنه يعطي صورة عن كيفية تعامل السلطة البلدية مع المواطنين كرعايا. بعدها، انتقلت البوسطة الى أمام شركة سبينس في الأشرفية، لما فيها من رمزية في معركة حقوق العمال والموظفين لانتزاع حقوقهم، وتحدث رئيس نقابة العاملين في سبينس سمير طوق عن تجربة النقابة في مواجهة الشركة. حول العلاقة بين حقوق العمال وعمل المجلس البلدي، يجيب نحاس بأن "لقمة عيش المواطن وحق العمل والحريات العامة هي أمور ذات منفعة عامة، أي ضمن نطاق عمل البلدية". فلدى تقاعس الدولة عن حماية أي من هذه الحقوق، "تحل محلها البلدية"، باعتبار أن "انتهاك حقوق الناس خرق للقواعد الأساسية للانتظام العام".
المحطة الثالثة كانت "سوليدير"، هذه "الدولة الأجنبية التي أسّست منذ 25 عاماً، وأحد موظفيها مرشح لرئاسة البلدية". هناك ذكّر نحاس بأصحاب الحقوق الذين هجّروا من وسط العاصمة وسُلبت أملاكهم بأبخس الأثمان، مشيراً الى أن تحويل هذه الأملاك العامة الى خاصة موّلته الدولة، وعلى البلدية استرداد هذا المكان بالقوة من خلال قواها الأمنية. ووصلت "البوسطة" الى "مكتبة البرج" التي تعلن تصفيتها بسبب تغيّب أهل بيروت عن عاصمتهم، متحدثاً عن عمل ممنهج أدى الى تحويل وسط بيروت من "قلعة محاطة بأسواقها الشعبية الى قلعة محاطة بأوتوسترادات". ثم الى منطقة "النورماندي" سابقاً أو "البيال" حالياً، حيث أعمال ردم البحر مستمرة، فمحطة القطار في مار مخايل، التي تحمل رمزية لكونها شكّلت نقطة أساسية للنقل المشترك في لبنان. وتحدث المهندس رامي سمعان عن الإهمال الذي لحق بمحطة القطار الذي أدى الى إقفالها، والتدمير الممنهج للنقل المشترك الذي "شاركت فيه كافة البلديات المتعاقبة".
دالية الروشة كانت المحطة الأخيرة في اليوم الأول. هناك تحدث درويش مرة أخرى عن ذاكرة الدالية وأهمية الحفاظ على ما تبقى من الحيّز العام واسترداد ما سلبته السلطة السياسية.
أمس كان لجولة "مواطنون ومواطنات في دولة" مسار مختلف، بدأت أمام واحة الرجاء ــ المتحف حيث تناول نحاس مسألة الفقر والعلمانية، ثم انتقلت الحملة الى سوق الروشة الجديد في منطقة الجناح، المكان الذي هجّر اليه صغار التجار من وسط المدينة "قبل التبخّر الكلي للسوق"، وانتهى النهار في مسرح المدينة، حيث أعلن نحاس أسماء المرشحين الى الانتخابات البلدية في بيروت.
وتشمل الجولة اليوم الكرنتينا وسوكلين حيث سيتم تناول فضيحة النفايات، وزيارة سياحية للأشرفية وموقف من الفرز الطبقي، ثم الباشورة فالبربير، وصولاً الى مبنى الإسكوا.