شباب التيار الوطني الحر يعرفون الوزير جبران باسيل منذ نشأة تيّارهم. أما خارج الدائرة العونية الضيقة، أي في الرأي العام العوني وغيره، فقد عُرف منذ عام 2005 بوصفه صهر الجنرال المرشح إلى الانتخابات النيابية في قضاء البترون، ثم مرشّحه لتولي حقيبة وزارية وازنة، فوزيراً بخطط إصلاحية كثيرة تفتقر إلى الخطة السياسية من أجل تحقيقها. ارتباط اسم باسيل بالسلطة، في عقول هؤلاء، أثر في انطباعهم عنه.
وزاد الطين بلة غياب الودّ عن علاقته بغالبية حلفاء التيار، وخصوصاً الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية وحمله لواء الانفتاح على تيار المستقبل. رغم ذلك، لم تتزعزع ثقة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بأن باسيل أفضل من يخلفه.
زعامة عون لم تقم على أساس استقطاب حزب الجيش وجمهور الرئيس كميل شمعون والعميد ريمون إده فقط. فخلال مسيرته السياسية والعسكرية، كان الجنرال يتوقف يومياً في منزل أحد الجنود ليرسخ علاقة شخصية تستمر عقوداً، وكان يحرص على دخول الأقضية أو المدن وحتى البلدات من بوابات عائلاتها السياسية خلافاً لما توحي به بعض خطاباته. وبدا واضحاً، بعد 2005، تحصينه زعامته بتحالفات مناطقية مع الأسر الإقطاعية والشهابية والكتلاوية، وتحالفات فكرية مع رهبان ووزراء سابقين ورؤساء جمعيات مسيحية وسفراء ومثقفين آخرين، وتحالفات مصلحية مع رجال الأعمال، وتحالفات سياسية مع حزب الله وغيره. هذه الزعامة الأحادية، رغم كل ما يشاع عن ثنائية وثلاثية، ستبقى حتى إشعار آخر في قبضة العماد عون نفسه.

باسيل لم يعد
صهراً والنجاح أو الفشل من الآن وصاعداً رهن قوته

أما باسيل فقد فاز أمس برئاسة حزب التيار الوطني الحر، والحزب ونجاحه في التحدي الأول المتمثل بقيادة الحزب، يخوّله التطلع إلى الزعامة العونية في وقت لاحق. والنجاح هنا رهن تحديات عدة، أبرزها:
أولاً تأسيس الحزب. فما هو موجود اليوم يمكن وصفه بماكينة انتخابية أو جمهور لا حزب. فالحزب يبدأ بنظام داخلي لم يطبق بعد، ويمر بمجموعة واجبات وحقوق، وآلية تقويم ومحاسبة لم تعتمد بعد، وتوزيع مسؤوليات وتفعيل الهيئات الموجودة، وتنتهي بالانتخابات الحزبية الحقيقية. ولا شكّ في أن باسيل قفز خلال الشهرين الماضيين فوق حقل متفجرات كان سيستغرق سنوات لعبوره: كل من كانوا يكيدون له ويحفرون ويضعون العصي في دواليبه رفعوا فجأة رايات الاستسلام، النواب يتسابقون على كسب وده، والحالة الاحتجاجية على فوزه بالرئاسة اقتصرت على تمزيق أربع أو خمس بطاقات حزبية. أما باسيل، فبذل جهداً إضافياً غداة فوزه بالتزكية لتوطيد الإجماع وحمايته، علماً بأنه يدين بالرئاسة للعماد عون فقط، خلافاً لما يحاول بعض النواب والناشطين الإيحاء به. وبالتالي، يفترض برئيس الحزب أن يعين فريقاً متجانساً للانطلاق سريعاً بالعمل مستفيداً من هذا المناخ الإيجابيّ.
ثانياً تغيير التكتيك السياسي. فاستراتيجية التيار قامت منذ 2005 على إهمال تعبئة الطلاب والنقابات للتركيز على المناطق، قبل أن تهمل التعبئة المناطقية أيضاً للتركيز على تحقيق النتائج مباشرة في مجلسي النواب والوزراء، حتى صار التيار والعونيون مجرد جمهور يتفرج على وزيرين وبضعة نواب يحاولون عبثاً تحقيق خرق إصلاحي أو انتزاع موقع هنا وهناك. وقد أظهر باسيل في تنظيمه الاعتصام تزامناً مع جلسة مجلس الوزراء الشهيرة ثم في تنظيمه التظاهرة العونية الأخيرة للمطالبة بقانون انتخابات عادل أنه يعرف كيف يشرك التيار في معاركه. لكن شيئاً ما يوقفه في أول الطريق فيتراجع بدل أن يتقدم. والمطلوب في التكتيك الجديد وضع مجموعة أهداف يشترك كلّ التيار في تحقيقها، ليتمكن رئيس الحزب من إعادة رفع المعنويات والإثبات أنه قادر على تحقيق الانتصارات المنتظرة منذ زمن.
ثالثاً، خض تكتل التغيير والإصلاح. فالتكتل بات مجرد لقاء أسبوعي يشبه اجتماعات منبر الوحدة الوطنية ولقاء الأحزاب الوطنية. في التكتل نواب كثيرون لا يفعلون شيئاً، وآخرون لا يريدون أن يفعل أي أحد غيرهم شيئاً. علماً بأنّ الأكثرية داخل التكتل هي للنواب العونيين غير المنتسبين إلى التيار الوطني الحر، ولا بدّ بالتالي من إعطائهم الحيز الأكبر في أمانة السر الجديدة بعدما كانوا شبه مستبعدين في أمانة السر الحالية، والبحث عن الوسائل الأفضل لتفعيلهم وتنشيطهم أكثر في مناطقهم.
رابعاً مصالحة الحلفاء. لم يعد باسيل مجرد وزير عوني؛ هو الآن رئيس التيار الوطني الحر وحين تكون علاقة رئيس التيار سيئة برئيس حركة أمل أو رئيس تيار المردة، سيترجم الأمر علاقة سيئة بين التيار والحركة أو بين التيار والمردة.
الأصعب من هذا كله هو تغيير الانطباع العام بأن باسيل ليس إلا صهر العماد ميشال عون. هذا كان مستحيلاً خلال السنوات العشر الماضية، لكنه حصل أخيراً. النجاح أو الفشل من الآن وصاعداً مسؤوليته وحده ورهن قوته الشخصية.