لم تحجب «أمّ المعارك» في البترون غبار المعركة الدائرة في شكا. فالنتيجة المحسومة في عاصمة القضاء جعلت التنافس الحادّ في شكا محطّ أنظار المتابعين لمعركة حاولت فيها قوى 14 آذار «الانتقام من هزيمتها في زحلة»، تماماً كما ردّ العونيون «خسارة جبيل»
مهى زراقط
ليل السبت ـــــ الأحد، نام مناصرو لائحة «البترون بتمون» على وعد من رئيس اللائحة مرسيلينو الحَرك بالانتصار، إذ قال لهم: «أنا أكيد أننا سننتصر. لم أعد أفكّر في النتيجة بل في ما سأفعله للمستقبل». لم تكن هذه عبارة تشجيعية، بل كانت يقيناُ يتقاسمه الرجل مع مناصريه ومناصري التيار الوطني الحر، الذي يدعم اللائحة، بالنتيجة التي ستتحقّق. والدليل أن الإعداد كان جارياً لطباعة لافتات الانتصار التي لم يُخفِ عدد من العاملين في الماكينة الانتخابية رغبته في البدء بتعليقها مباشرةً عند إقفال صناديق الاقتراع، والتي حملت شعار «إيدك يإيد الكلّ».
اليقين عينه كان موجوداً في أوساط لائحة «البترون كلنا منحبا» المنافسة. إذ نقل مقرّبون من رئيس اللائحة، النائب السابق سايد عقل، أن الأخير لا يتوقع الفوز «في معركة حشد لها التيار الوطني الحرّ كلّ قوته مستعيناً بالمال الإيراني والمغتربين، الذين استُقدموا من الخارج». لا يعترف هؤلاء المقرّبون بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، التي أظهرت تفوقاً ملحوظاً لباسيل «آنذاك كان أهل البترون يصوّتون لابن مدينتهم في مواجهة آخرين، أما الآن، فالمعركة داخلية، وخياراتهم ستكون مختلفة». خطاب متناقض لكنه يعكس اعترافاً مبكراً بالخسارة، عبّر عنه الهدوء الذي شمل منزلي راعيي اللائحة، سايد عقل وجوزف ضو، اللذين كانا شبه خاليَين من أي حراك انتخابي.
طغيان الطابع المذهبي على انتخابات شكا لم يغيّب الإنماء
هذا الهدوء انعكس على العملية الانتخابية انعكاساً ملحوظاً، ولم يخرقه حتى تزامن تصويت المرشحَين لرئاسة اللائحتين، عقل والحرك، وخروجهما معاً من مركزي الاقتراع، ثم إدلائهما بأحاديث تلفزيونية في الوقت نفسه، على بعد أمتار معدودة. هدوء لم يخف على العاملين في الماكينة الانتخابية لعقل، وإن حاولوا تفسيره بعبارة: «لا تخافوا إلا من البحر الهادي»، يقول أحدهم ضاحكاً، واعداً بمفاجأة، مثّلت المنغّص الوحيد لمناصري لائحة «البترون بتمون». هؤلاء خافوا من النوم على حرير الانتصار «سمعنا أنهم استقدموا مغتربين... يقولون هناك 400 مغترب» أو «إجو الإسلام وسيغيّرون المعادلة». أما أكثر الشائعات التي تعاملوا معها بجدية، فكانت الحديث عن عمليات شراء أصوات قد تحصل في ساعات الليل، ما جعلهم يتناوبون على دوريات يرصدون فيها «تحركات مريبة» يقوم بها الطرف الآخر.
إلا أن المفاجاة لم تحصل ليلاً، بل في منتصف النهار الانتخابي مع الإعلان عن ضبط مرشح يدفع الأموال مباشرةً قرب «قلم الاقتراع». المرشّح هو علي عبد الغفور الذي قال لـ«الأخبار» إنّ شقيقه كان يدفع المال لابنه، عشرة آلاف ليرة لا غير لأنه لم يكن يحمل عملة لبنانية، مؤكّداً أنّ أحداً لم يجر توقيفه.
بخلاف هذه الحادثة، كان اليوم الانتخابي أكثر من هادئ في المدينة. ولولا الضجة التي أثارها مناصرو التيار الوطني الحر، لما التفت أحد إلى أن معركة سياسية كبيرة تدور في المكان. وفي هذا الإطار لم يفوّت مقرّبون من لائحة عقل الإشارة إلى استعارة مناصري لائحة «البترون بتمون» لفكرة رئيس بلدية جبيل، زياد حوّاط في جبيل، تسيير قطار داخل أحياء المدينة، في دلالة أيضاً إلى «تضخيم التيار لمعركة البترون رداّ على هزيمة جبيل». ويصرّ عقل، كما عدد من المرشحين على لائحته، على القول إنّ «المعركة إنمائية لا سياسية كما يدّعي الطرف الآخر»، رافضاً في حديث لـ «الأخبار» ما يقال عن أن «قوى 14 آذار طلبت منه الترشّح وخوض هذه المعركة».
إصرار عقل على وصف المعركة بالإنمائية، في مدينة شهدت نمواً ملحوظاً في عهد الحَرك، لا يبدو غريباً. بل هو السمة العامة في قرى البترون، التي يتنافس فيها عدد من رؤساء البلديات على الإنماء. من هنا، يمكن الدخول إلى شكا التي يكثر فيها الحديث عن إنجازات رئيس بلديتها فرج الله الكفوري، والأموال التي يدفعها من جيبه الخاص لتمويل مشاريع كبيرة، كان آخرها المستشفى البلدي الذي كلّف أكثر من مليون ومئتي ألف دولار.
هذه الإنجازات مثّلت محور حديث أهالي شكا أمس، هي التي شهدت معركة قاسية كان يصعب فيها تحديد الفائز خلال النهار بسبب خلط الأوراق الذي حصل من جهة، والشائعات الكثيرة عن عمليات شراء للأصوات يقوم بها الطرفان من جهة ثانية. والمؤسف أن الطابع المذهبي هو الذي طغى على المعركة. فأكثرية ناخبي المدينة هم من الموارنة، الذين رفع بعضهم شعار «لا للأرثوذكس في رئاسة البلدية»، كما تعاملوا بحدّة مع الناخبين المسلمين. كذلك أشيع عن استقدام عدد كبير من المغتربين، يفوق العدد الذي استُقدم في الانتخابات النيابية، ما يؤشّر إلى أهمية المعركة بالنسبة إلى قوى 14 آذار التي «تريد أن تردّ هزيمتها في زحلة»، يقول الكفوري.
لكنّ البلدية مختلفة عن النيابة، بدليل أن الكفوري كان محاطاً بعدد من الناشطين في تيار المستقبل، ومنهم عضو مجلس القضاء الذي رفض ذكر اسمه «لكنهم سيعرفونني عندما يقرأون الموضوع»، إضافةً إلى عدد من عناصر في القوات اللبنانية والكتائب الذين أعلنوا «تمرّداً على قياداتنا التي أرادت المعركة سياسية، فيما الكفوري لم يتصرّف في البلدة إلا تصرّّفاً إنمائيّاً»، يقولون. وهذا ما جعل من الصعب معرفة الفائز أو القياس على نتائج الانتخابات النيابية التي كانت لمصلحة 14 آذار، فيما حظوظ الكفوري كانت مرتفعة.
وعند ذكر البترون، شكا، لا يمكن تجاهل كفرعبيدا، التي يرأس بلديتها أيضاً رجل قدّم الكثير للبلدة، هو طنوس الفغالي، الذي جاء انتخابه أشبه باستفتاء، في مواجهة مرشح واحد رفض الانسحاب. هذه البلدة شهدت معركة على المخاتير، «تدخّل فيها النائب نديم الجميّل شخصياً»، يقول أحد أبناء البلدة. وكانت معظم قرى القضاء قد شهدت معارك انتخابية، اختلطت فيها الأوراق السياسية بالعائلية، إذ توزّع مناصرو الأحزاب على لوائح متنافسة.