في طرابلس، لا معركة. لائحة توافق ضمّت الجميع، وميني لائحة منافسة حملها النائب الأسبق عبد المجيد الر افعي. وحدها باب التبانة عاشت النشاط الانتخابي. هناك، أراد كثيرون التأكيد أن عربي عكّاوي هو ممثّل التبانة والناطق باسمها
ثائر غندور
طرابلس مدينة الصور. كلّ مبنى يحمل عشرات الصور. مرشّحو البلديّة والمخاتير احتلّوا مكان «زعمائهم»: السياسيين. لكلّ صورة ثمنها. عربي عكّاوي قد يكون الاستثناء الوحيد في غابة الصور تلك. تفرض صوره نفسها في باب التبانة. تتجاور مع صور الخصوم، «لأن الجميع يُحبّ أبو خليل (كما يحلو لمحبّي عربي خليل عكاوي مناداته)»، يقول الشاب في سوق الخضر في باب التبانة. هناك تشعر بأنّ حلماً ما عاد إلى الحياة. يتحدّث عنه الشبان بكثير من الحبّ والشغف. هو قائدهم الجديد. هو ابن شهيدهم خليل عكاوي. هو «ابن الغالي»، كما كتب له أبو عشير أفيوني الذي رفع سابقاً صور المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. هنا يُكرّرون عبارة: «ما دام عربي معنا، فنحن معه».
هم يعرفون أن عربي لا يُمكنه أن «يشيل الزير من البير، لكننا نريد منه أن يبقى معنا»، يقول أحد مؤيّديه، مضيفاً: «ونريد أن تكون شوارعنا نظيفة، وبعض المشاريع لتحسين واقعنا الاقتصادي». يشرح الشاب وزملاؤه في أحد مكاتب ماكينة عربي (في محل لبيع الخضر): أيّدنا الكثير من أصدقاء عربي، وعندما وصل هؤلاء لبسوا البذلات وسكنوا بيروت. من هنا قد يكون المقصود أن يكون عربي الوحيد بين زملائه الذي لم يرتدِ بذلةً رسميّة، وهو الذي وُلد في التبانة. إذاً، ترشيح الشاب الثلاثيني هو لوضع حدٍّ للمتاجرة باسم خليل عكاوي، كما يقول أبو صبري، الرجل الذي تربّى على يد أبو عربي ويُرافق نجله اليوم، مضيفاً: «أبو عربي عاش ومات فقيراً».
هو حلم لهؤلاء الفقراء الذين يُكرّرون أمام زوّارهم: «ظلمتنا الشاشات. لسنا مجرمين. هناك مدسوسون. أبناء الطائفة العلويّة إخواننا. الظرف السياسي الحاد رمانا في طرفٍ دون آخر، واستغلّنا الجميع». تسمع روايات كثيرة عن عشق المراهقين والشبان لعربي ووالده: «أحد الصبية يعمل في محل للحدادة والبويا، طلب من معلّمه جمعيّته يوم الخميس بدل السبت كي يدفع ثمن صورة لعربي ووالده أراد أن يرفعها على شرفة منزله. عندما سمع معلّمه هذا الكلام أعطاه 500 ألف ليرة مكافأة»، هي واحدة من الروايات التي يتناقلها الشبان. عربي عكاوي يعرف الحمل الملقى على عاتقه. يُجيب بعبارة مختصرة: «عسى أن أنجح في تحقيق آمال أهلي. لا أعرف كم يُمكن البلديّة أن تقوم بهذا الدور».
منذ الصباح، ترافق عربي مع أعضاء لائحته في جولة انتخابيّة للتشديد على عدم التشطيب. لاحقاً، حصل إشكال بسيط مع زميله في اللائحة خالد صبح (وهو من التبانة أيضاً) بسبب شائعات عن تشطيب متبادل، فبادر عربي صوب زميله ونزل وجال وإياه في أحياء التبانة.
وعند الظهر، هرع الشاب إلى جبل محسن حيث وُضعت أقلام بعض ناخبي التبانة، فحصل تضارب مع أهالي جبل محسن الذين قاطعوا الانتخابات. تدخّل عربي لسحب الفتيل، ثم جال على الماكينات الأخرى للتنسيق.
في ما عدا رمزيّة ترشيح عربي الذي فرضه أهالي التبانة (كما يُكرّرون)، فإن طرابلس عاشت نهاراً هادئاً جداً. شوارعها غير مكتظّة. نسبة الاقتراع فيها لم تتجاوز 23%، أي نصف الذين اقترعوا نيابياً منذ عام. سياسيّوها جميعاً تحالفوا باستثناء النائب الأسبق عبد المجيد الرافعي الذي اتهمهم بتوزيع الرشى في شارع الجميزات. لكنّ الرجل واقعي: «للأسف لم يقترع جميع المعترضين على حالة التعليب والتسلط وفرض رئيس بلديّة لا يعرفه الطرابلسيّون ولا يعرفهم. لم يعبّر الناس عن غضبهم كما يجب».
طرابلس كانت هادئة جداً يوم أمس. وحدها فضيلة فتّال ميّزت نفسها بمواكب سيّارات الأجرة الزهريّة اللون، مع شبّان يحملون صوراً لها تقول: ثمّة دور للمرأة. أمّا جمعيّة المشاريع، فسعت إلى تأكيد وجودها في طرابلس، وخصوصاً أنها رشّحت عمّار كبارة، فنشرت ناشطيها بالملابس الصفراء، وسيّاراتها المنظّمة. وفي الوقت نفسه، جلس زعماء طرابلس، كلّ في مكتبه، بانتظار المهنّئين.