كان طويلاً اليوم الانتخابي في زحلة والبقاع الأوسط. حيث شهدت المدينة ومنطقتها أضخم المعارك الانتخابية التنافسية وأكبرها بين مختلف القوى السياسية والحزبية والعائلية، التي تبادلت الاتهامات باستخدام المال السياسي وشراء الأصوات.
عفيف دياب
يضحك النائب الكتائبي إيلي ماروني حين تلتقيه ظهراً في «كامب» خاص بصديق له في محلة بساتين ضهور زحلة، قبل إجابته عن سؤال عن مسار الانتخابات البلدية في المدينة، التي تخوضها قوى 14 آذار ضد إلياس سكاف. ويقول مازحاً: «لن نعيّر سكاف بالفوز بالأصوات الشيعية. فهم من أبناء المدينة». قول ماروني هذا، بعد إصراره على وجوب أن نقيم في مقبل الأيام حفلة شواء مع «عرق بلدي» بعد الاستراحة من عناء الانتخابات البلدية، كان يشير بوضوح إلى مدى «لمسه» نبض الشارع الزحلاوي، الذي شهد مغامرة «سكافية» قلّ نظيرها كانت لمصلحته منذ ساعات الظهر، إذ بدت واضحةً «هيمنة» الكتلة الشعبية، ومعها التيار الوطني الحر على الشارع، وأمام وداخل أقلام الاقتراع، التي كان الإقبال عليها ضعيفاً حتى الساعة الثالثة من بعد الظهر (18،46%) لتعود وترتفع فجأةً بعد الساعة الرابعة والنصف لتنتهي بما نسبته 42%، رافعةً من معدل اقتراع لا بأس به لمنافسين للائحة المدعومة من سكاف، الذي كان واثقاً بفوزه، حسب ما أبلغ «الأخبار» و«مهما كانت قوتهم جميعاً». منتقداً «قيام البعض بشراء أصوات».
استخدام المال السياسي في انتخابات زحلة، كان اتهاماً متبادلاً بين جميع القوى المتنافسة على مجلس بلدية المدينة (21 عضواً) إذ تفقّد بعض أقلام اقتراعها وزير الداخلية زياد بارود، الذي أعلن وجود شكاوى من استخدام المال لشراء أصوات. وقال: «تبلّغت الوزارة شكوى عن قيام أشخاص بدفع أموال، وقد أحلنا الأمر على الأجهزة المختصة والنيابة العامة، ونحن نتعاطى بجدية مع هذه الشكاوى». واصفاً العملية الانتخابية في البقاع بـ«الهادئة».
جولة بارود في زحلة، سبقتها وتبعتها إشكالات متنوعة ومتعدّدة داخل أكثر من قلم اقتراع، إضافةً إلى تعرّض سيارة النائب جوزف صعب المعلوف لاعتداء من غاضبين. وقال النائب ماروني لـ«الأخبار» إنّ اعتداءات عدّة سُجلت من جانب مناصري سكاف على مناصري لائحة أسعد زغيب، متّهماً أيادٍ خارجية بالتدخل في انتخابات زحلة دون أن يسمّيها، كاشفاً عن «فاكس» مصدره دمشق وصل عن طريق الخطأ إلى مكتب كتائبي في المدينة يسأل فيه مرسله عن مجموعة أسماء ناخبين زحليّين، وما إذا كانت واردة في لوائح «الشطب» كي يجري إرسالهم للاقتراع للائحة المدعومة من سكاف! هذا الكرّ والفرّ في الاتهامات بين «قادة» زحلة، لم يغب عنه التيار الوطني الحر، الذي «أبدع» في إدارة استفتائه على مرشحه أنطوان بو يونس. وكشفت مصادره أنّ ماكينات انتخابية متعددة «دفعت أموالاً هائلة لشراء الأصوات»، موضحةً أن التيار «البرتقالي» نجح في استفتائه، و«ما بعد الاثنين (اليوم) كلام آخر».
الكلام الآخر الذي يعد به التيار «العوني» في زحلة، يبدو أنه لن يكون مقتصراً عليه. فالقوات اللبنانية التي قادت معركة أسعد زغيب ميدانياً، لم يسعفها الحظ في إقناع «جمهور» لائحة وليد الشويري بالاقتراع لمصلحة لائحتها. وكشف شويري في أول إطلالة إعلامية له بعد بدء ظهور النتائج الأولية لمصلحة لائحة جوزف دياب المعلوف أنّ «عرّاب» لائحته هو الرئيس الأسبق أمين الجميل. اتهام لم يقدّم شويري أدلّة عليه، ولكنه نابع من ردّ لا بد منه على القوات اللبنانية ومن خلفها الكتائب، إذ إنّ قرار آل معلوف كان إسقاط لائحة 14 آذار مهما كلّف الثمن، ردّاً على سوء «التعاطي» مع النائب السابق يوسف المعلوف، وشقيقه نعيم. اتهام لائحة الشويري بأنها كانت «غامضة الأهداف والغايات»، وبأنّ اللواء جميل السيد يقف وراءها «لتريح سكاف» توضّحت للقوات اللبنانية التي بقيت متفائلة حتى ساعة متأخرة من ليل أمس بتحقيق خروق مهمّة ضد لائحة سكاف. وقالت مصادرها إنه: «من المبكر إعلان الفوز قبل الانتهاء من فرز كل أقلام الاقتراع». مؤكّدة أنّ لائحة زغيب «ستخرق». هذا الخرق الذي بدا بعيد المنال في أقلام كرك نوح حيث «جيّر» جمهور حزب الله كامل قوته للائحة جوزف المعلوف بعد حملة تجريح كبيرة طاولت سكان الحي الزحلاوي.
يوم «شد الأعصاب» الطويل في زحلة، رافقته موجات من الأحاديث عن اتفاق تحت الطاولة عقد بين العماد ميشال عون وإلياس سكاف في آخر لحظة من ظهر أمس، وأنّ «عرّاب» الاتفاق كان حزب الله، الذي جيّر كل أصواته للائحة جوزف دياب المعلوف. وكشفت معلومات خاصة بـ«الأخبار» أنّ العماد ميشال عون أوعز إلى مناصريه في المدينة بوجوب «الاهتمام الإيجابي بلائحة جوزف المعلوف»، وأنه أوفد للغاية بيار رفول إلى زحلة للإشراف المباشر والميداني على «حماية» سكاف مهما كلّف الثمن، وعدم سقوط زحلة في قبضة القوات اللبنانية مجدّداً. وكشفت مصادر متابعة لليوم الانتخابي «المجنون» في زحلة لـ«الأخبار» أنّ قوى في المعارضة السابقة: «لم تكن خائفة من قدرة سكاف على الفوز، ولكنها تدخّلت في آخر لحظة لتأكيد الربح وعدم تسجيل أيّ خرق للائحة القوات اللبنانية». الفوز «المؤكّد» أكدته أيضاً لـ«الأخبار» ماكينة «الكتلة الشعبية» ليلاً. وقالت الناطقة الإعلامية نيفين الهاشم منتصف ليل أمس إنّ: «النتائج الأولية لمصلحتنا، وحكماً النهائية». كاشفةً عن سلسلة إشكالات «أقدم عليها أنصار سكاف بهدف تعطيل أعمال الاقتراع في حوش الأمراء، ومار الياس، وسيدة النجاة، والراسية الفوقا». بدوره اتّهم حزب الكتائب أنصار سكاف و«من خلفهم جماعة عون ببث شائعات عن تشطيب بين أعضاء لائحة أسعد زغيب». وقال محازبون كتائبيون إنّ «القوى الأمنية كانت تعوق العملية الانتخابية لمصلحة لائحة سكاف المدعوم من حزب الله، ولا سيما في حوش الأمراء والمعلّقة وحي السيدة». هذا الحيّ الذي يعدّ تحت قبضة القوات اللبنانية والكتائب، ويعدّ من معاقلهما، إذ شهد بعض الإشكالات والتدافع، سرعان ما ضبطتها القوى الأمنية، التي طوّقت أكثر من إشكال بين مناصرين لمرشحين في معظم أحياء زحلة.

البقاع الأوسط

النتائج الإيجابية الأوّلية، وغير النهائية، في زحلة لمصلحة اللائحة المدعومة من إلياس سكاف، وشبه انهيار قوى 14 آذار في آخر حصونها، انسحبا أيضاً على بلدات وقرى في البقاع الأوسط، التي شهدت تنافساً حاداً سبّب في مواقيت مختلفة من نهار أمس تعطّل عمليات الاقتراع في مجدل عنجر وبر الياس وسعد نايل، حيث كانت تعود إلى طبيعتها بعد ضبط الأمور، وإبعاد بعض المشتبكين بالعصيّ والحجارة عن بعض. حيث سجل أكثر من إشكال في مجدل عنجر، تدخّلت على أثره قوات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. وقد بلغت نسبة الاقتراع في البلدة، رغم الكر والفر في الإشكالات بين المتنافسين وجمهورهم نحو 62%، وهي نسبة عالية، سُجلت أيضاً في بر الياس وسعدنايل، التي تعطلت فيها العملية الانتخابية لنحو نصف ساعة بعد تضارب حصل داخل أحد الأقلام. وقد أظهرت النتائج الأولية في سعد نايل تقدّم اللائحة العائلية التي كانت تنافس اللائحة المعروفة محلياً باسم «لائحة الوفاء لزياد الحمصي»، فيما حقّق تيار المستقبل فوزاً في بلدة قب الياس، بعدما سُجّلت شكاوى من استخدام المال السياسي، إذ تردّدت معلومات غير مؤكّدة رسمياً عن توقيف أحد الأشخاص بعدما ضُبط وهو يقوم بعملية رشى لشراء أصوات. وتخلّلت اليوم الانتخابي في قب الياس مروحة واسعة من الإشكالات «التقليدية» التي ترافق كل عملية انتخابية.
وفي بر الياس، حيث خاض تيار المستقبل أقوى معاركه الانتخابية، سجلت شكاوى من بطء رؤساء الأقلام طوال فترة ما قبل الظهر، إضافةً إلى تدافع أدّى إلى تعطّل عمليات الاقتراع لبعض الوقت. وتبادل المتنافسون الاتهامات بشأن شراء الأصوات وإخفاء بطاقات الهوية لعدد من الناخبين لمصلحة هذه اللائحة أو تلك. وقال مصدر أمني واكب انتخابات بر الياس إنّ القوى الأمنية استطاعت ضبط محاولات بعض الناخبين لإحداث قلاقل داخل أقلام الاقتراع، وهذا ما سجّلته الغرف الأمنية في تعلبايا ومجدل عنجر وجديتا، التي شهدت تنافساً غير متكافئ بين لائحة ومجموعة من المرشحين المنفردين، وكذا الحال في مكسة، التي جرت انتخاباتها على وقع تشطيب «طائفي» أخذ أبعاداً حادّة نجح «عقلاء» البلدة في الحد منها.


«غيفارا» زحلةخاض أنطوان بو يونس، أمس، معركة تيّاره في زحلة. قال كلمة «جنراله» في صناديق الاقتراع. إنها «معركة الحقّ في الوجود والعمل السياسي والاجتماعي والثقافي والإنمائي»، يقول، بعدما حمل «البرتقاليون» أوراقهم البيضاء المزيّنة في أعلى الورقة البيضاء باسم مرشحهم أنطوان، تاركين حرية الخيار لأهل مدينتهم و«لا مانع عندنا من دعم صديقنا إلياس سكاف» يقول «عوني» كان ينشط مع رفاقه في حي مار مخايل، موزّعاً اسم بو يونس على أهل المدينة، الذين يكنّون كل احترام لهذا الرجل الهادئ ـــــ المحبوب، الذي لم يتعب، أمس، من المشي بين قلم اقتراع وآخر في حارات مدينته، التي لم يخذلها يوماً مع رفاقه العونيين، الذين يطلقون تحبّباً اسم «غيفارا» زحلة على «طوني»، الحامل على كتفَيه منذ سنوات وسنوات هموم مدينته وحريتها وحرية قرارها. ويقول أنطوان أمام مناصري التيار: «وحدة زحلة فوق كل اعتبار. نحن من زحلة وإلى زحلة. لا نريد إلغاء أحد ولا نقبل أن يلغينا أحد. نزولنا منفردين إلى الانتخابات ليس إلّا استفتاءً من أهلنا ولأهلنا». وتقول الناشطة العونية كلوديت الحايك إنّ «زحلة في قلب الجنرال والجنرال في قلب زحلة، ونحن لسنا إلّا صفّاً واحداً خلف أنطوان بو يونس، الذي قال لزحلة فداكِ».
لم يتعب بو يونس، الرجل الهادئ حتى الثمالة، من تجواله الطويل، أمس، على أقلام اقتراع أهل مدينته، التي لن تتعب من «حراكه» السابق والحالي واللاحق، و«نحن أبناء هذه المدينة، وسنبقى منها ولها».



الويل لمن يتحدّاهنتعطي ميريام التوجيهات لهذه، وهي ترحّب بأخرى، وسائلة عن أرقام نسب الاقتراع في مار مخايل وسيدة النجاة والراسية وحوش الأمراء وغيرها من أحياء المدينة. تتابع هذه السيدة الآتية من بشرّي إلى زحلة، والمشاركة في كل تفاصيل الحياة السياسيّة لزوجها، أدقّ تفاصيل اليوم الانتخابي الطويل لمعركة «إيلي» مع صديقتها نيفين الهاشم، التي لم تبخل بحرف أو رقم عن الصحافيين الذين وجدوا في مكاتب الكتلة الشعبية ضالّتهم عن مسار اليوم الزحلاوي الطويل، وهيكل الراعي يقدّم إليهم كل تفاصيل المعركة السياسية ـــــ المغامرة التي «أردناها عن سابق تصوّر وتصميم... وسنربح».
مغامرة ـــــ مقامرة لم تخلُ من تأكيد على حضور المرأة في زحلة والبقاع الأوسط في اللعبة الانتخابية. ففي لائحة سكاف المحامية أليز تامر (خالة وزير الثقافة سليم وردة) التي تعدّ ناشطة في العمل البلدي على مدى 12 عاماً، ومها القاصوف وريما طعمة وميريللا الفرن في لائحة القوات اللبنانية. وحده وليد شويري أراد أن يعطي أكثر من مقعد في لائحته للمرأة، فكنّ 4: آنا النمير ومارلين القاصوف وإلهام الزناتي وسابين فريحة. مجموعة جميلة من سيدات خضن الانتخابات البلدية في زحلة بعضهن ضد بعض. معركة «خشنة» لم تحجب فوز كلوديت الحايك تنوري بالتزكية في شتورا مع رفيقتها آمال خاطر، ولم تمنع رولا الخطيب ووفاء شكر وإنعام البيروتي وناديا رميا ودنيز الدبس من تحدي الرجال في كفرزبد وتعلبايا وقب الياس ودير الغزال.